الأشهر الحرم

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 29 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1983 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما

أما بعد عباد الله:

اتقوا الله تعالى وتيقنوا أن لله تعالى الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه فالله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ويفضل من الأوقات أوقاتاً ومن الأمكنة أماكن ففضل الله تعالى مكة على سائر البقاع ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ثم من بعدهما بيت المقدس مكان غالب الأنبياء الذين قص الله علينا نبأهم وجعل لمكة والمدينة حرما دون بيت المقدس وفضل الله تعالى بعض الشهور والأيام والليالي على بعض "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم"(التوبة 36) وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية وشهر رجب الفرد بين جمادى وشعبان وخير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وليلة القدر خير من ألف شهر فعظموا رحمكم الله تعالى ما عظمه الله فلقد ذكر أهل العلم أن الحسنات تضاعف في كل زمان ومكان فاضل بالعدد والكيفية وأن السيئات تَعظم في كل زمان ومكان فاضل بالكيفية لا بالعدد وشاهد هذا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ" (البقرة:217) وقال تعالى في المسجد الحرام "وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" (الحج:25) وإنكم في هذه الأيام تعيشون في الأشهر الحرم الثلاثة فلا تظلموا فيهن أنفسكم التزموا حدود الله تعالى أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه أدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم وفيما بينكم وبين عباده واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد وأقسم لله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين أقسم لله بعزته ليغوينهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين إن الشيطان لحريص كل الحرص على إغواء بني آدم وإضلالهم يصدهم عن دين الله يأمرهم بالفحشاء والمنكر يحبب إليهم المعاصي ويكره إليهم الطاعات يأتيهم من كل جانب ويقذفهم بسهامه من كل جبهة إن رأى من العبد رغبة في الخير ثبطه عنه وأقعده فإن عجز عنه من هذا الجانب جاءه من جانب الغلو والوسواس والشكوك وتعدي الحدود في الطاعة فأفسدها عليه فإن عجز عنه من جانب الطاعات جاءه من جانب المعاصي فينظر أقوى المعاصي هدما لدينه فأوقعه فيها فإن عجز عنه من هذا الجانب حاوله من جانب أسهل فأوقعه فيما دونها من المعاصي فإذا وقع في شرك المعاصي فقد نال الشيطان منه بغيته فإن المرء متى كسر حاجز المعصية أصبحت المعصية هينة عليه صغيرة في عينه يقللها الشيطان في نفسه تارة ويفتح عليه باب التسويف تارة يقول له هذه هينة افعلها هذه المرة وتب إلى الله تعالى فباب التوبة مفتوح وربك غفور رحيم فلا يزال به يعده ويمنيه وما يعده إلا غرورا فإذا وقع في هذه المعصية التي كان يراها من قبل صعبة كبيرة وهانت عليه تدرج به الشيطان إلى ما هو أكبر منها وهكذا أبدا حتى يخرجه من دينه كله ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا التدرج فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إيَّاكُم ومحقَّراتِ الذُّنوبِ فإنَّهنَّ يجتمِعنَ على الرَّجلِ حتَّى يُهلِكنَهُ كرجلٍ كانَ بأرضِ فلاةٍ فحضرَ صنيعُ القومِ فجعلَ الرَّجلُ يجيءُ بالعودِ والرَّجلُ يجيءُ بالعودِ حتَّى جمعوا من ذلِكَ سوادًا وأجَّجوا نارًا فأنضجوا ما فيها" صححه الألباني في صحيح الجامع.

عباد الله:

إن كل ما تجدون في نفوسكم من تكاسل عن الطاعات وتهاون بالمعاصي فإنه من وساوس الشيطان ونزغاته فإذا وجدتم ذلك فاستعيذوا بالله منه فإن في ذلك الشفاء والخلاص قال الله تعالى "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف :200-201) اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم واجعلنا من عبادك المخلصين الذين ليس له سلطان عليهم وعلى ربهم يتوكلون واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين إنك جواد كريم غفور رحيم

هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

أما بعد

عباد الله:

احذروا مكايد الشيطان ومكره فإنه يتنوع في ذلك ويتلون فهذا يأتيه من قبل الإيمان والتوحيد فيوقعه في الشك أحيانا وفي الشرك أحيانا وهذا يأتيه من قبل الصلاة فيوقعه في التهاون بها وهذا يأتيه من قبل الزكاة فيوقعه في البخل بها أو صرفها في غير مستحقها وهذا يأتيه من قبل الصيام فيوقعه فيما ينقصه من سيء الأقوال والأفعال وهذا يأتيه من قبل الحج فيوقعه في التسويف به حتى يأتيه الموت وما حج وهذا يأتيه من قبل حقوق الوالدين والأقارب فيوقعه في العقوق والقطيعة وهذا يأتيه من قبل الأمانة فيوقعه في الغش والخيانة وهذا يأتيه من قبل المال فيوقعه في اكتسابه من غير مبالاة فيكتسبه عن طريق الحرام بالربا تارة وبالغرور والجهالة تارة وبأخذ الرشوة أحيانا وبإهمال عمله تارة إلى غير ذلك من أنواع المعاصي وأجناسها التي يغر بها الشيطان بني آدم ثم يتخلى عنهم أحوج ما يكونون إلى المساعد والمعين اسمعوا قول الله تعالى في غرور الشيطان لأبوينا آدم وحواء حين أسكنهما الله تعالى الجنة وأذن لهما أن يأكلا رغدا من حيث شاءا من أشجارها وثمارها سوى شجرة واحدة عينها لهما بالإشارة "وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ" (البقرة:35) ولكن الشيطان وسوس لهما وقال "مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ" (الأعراف:20-22) أي أنزلهما من مرتبة الطاعة وعلو المنزلة .

واسمعوا قول الله تعالى في خداع الشيطان لكل إنسان وتخليه عنه حيث يقول الله تعالى "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِين" (الحشر:16)

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"(الأحزاب:56) وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر عبادك المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.(العنكبوت:45).

1434-11-27هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي