الدرس السابع والثلاثون: زكاة الفطر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1884 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا أخَّر الشخص زكاة الفطر عن وقتها وهو ذاكر لها أثم وعليه التوبة إلى الله والقضاء لأنها عبادة فلم تسقط بخروج الوقت ، وإذا نسى حتى خروج وقتها فلا إثم عليه ، وعليه القضاء .

لا مانع في أصح قولي العلماء من نقل الزكاة من البلد الذي يقيم فيه صاحب المال لمصلحة شرعية كشدة الفقر وقرابة من تدفع إليه لأن صلة الرحم واجبة ، وإن نقلت بدون مصلحة شرعية جاز ذلك مع الكراهة لعموم الأدلة الدالة على جواز النقل ، ولأن المزكي دفع الحق إلى مستحقه ، والأصل إخراج زكاة المال في البلد الموجود به المال .

لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنة أو سنتين إذا اقتضت المصلحة ذلك ، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهرياً .

إذا لم يكن مرتبه الشهري يكفيه ولم يكن له دخل آخر يكمل كفايته كان مستحقاً للزكاة ، والفرق بين الفقير والمسكين : أن الفقير هو من لا يملك ما يسد حاجته ولا يقوى على كسب ما يسدها ، والمسكين من كان أخف حاجة من الفقير ، ويعطى كل منهما ما فيه كفايته أي ما يسد حاجته سنة .

لا يجوز دفع الزكاة للسجناء من الكفار ولا مانع من مساعدتهم من غيرها لقوله عز وجل " لَّا يَنهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقسِطُوٓاْ إِلَيهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُقسِطِينَ " الممتحنة 8 .

لا يجوز صرف الزكاة في بناء المساجد والمستشفيات والمؤسسات الخيرية وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء في المملكة في هذا الموضوع ، ولا يجوز شراء كتب بمال الزكاة وإهداؤها ، بل تدفع عيناً لمستحقيها الذين ذكرهم الله في كتابه فقال " إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلفُقَرَآءِ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلعَٰمِلِينَ عَلَيهَا وَٱلمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم " التوبة 60 ، والمراد " وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ " بأنهم الغزاة وما يلزمهم من أجل الغزو خاصة .

لا مانع من صرف الزكاة للدعاة إلى الله عز وجل في أي مكان من أرض الله ، إذا كانوا متفرغين للدعوة إلى الله عز وجل ، وليس لديهم ما يغنيهم عنها .

الأصل في الشريعة الإسلامية أن من مات من أفراد المسلمين الملتزمين لتعاليم دينهم وعليه دين لحقه في تعاطي أمور مباحة ولم يترك له وفاء أن يشرع قضاؤه عنه من بيت مال المسلمين لما روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرأوا إن شئتم ( ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ ) الأحزاب 6 ، فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه " ، فإذا لم يتيسر قضاؤه من بيت المال جاز أن يقضى دينه من الزكاة إذا لم يكن الدافع هو المقتضي .

يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام ونفقتهم فيه لدخوله في عموم قوله تعالى " وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ " التوبة 60 ، من آية مصارف الزكاة .

يجوز إعطاء الزكاة لأقارب المزكي الذين لا تلزمه نفقتهم كأبناء عمه إذا كانوا فقراء ، فإن الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة ، كما جاء في الحديث .

نفقة المرأة واجبة على زوجها ، ويجوز أن تصرف المرأة زكاة مالها لزوجها إذا كان فقيراً دفعاً لفقره لعموم قوله تعالى " إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلفُقَرَآءِ وَٱلمَسَٰكِينِ " التوبة 60 ، ولا يجوز للزوج صرف زكاته لزوجته لأن نفقتها وكسوتها وسكناها واجبة عليه .

لا يجوز لك أن تعطي شيئاً من الزكاة لمن تلزمك نفقته كالأم وعليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك وزوجتك وأولادك من غير الزكاة ، أما عمتك أو خالتك مثلاً ممن لا تلزمك نفقتهم فيجوز لك أن تعطيهم من الزكاة ما يحتاجون إليه في قوتهم وكسوتهم ومسكنهم ، لا فيما يكونون به من المترفين .

لا يجوز دفع الزكاة إلى المرأة إذا كان زوجها ينفق عليها النفقة المعتادة من مأكل وملبس ، ولا يجوز للمرأة ولا الرجل أن يدفع كل منهما زكاته لأولاده .

تجب نفقة الأبوين وسكنهما والكسوة إذا كانا فقيرين على ولدهما ، ولا يجوز له أن يدفع الزكاة لهما لأن ذلك وقاية لماله .

تحرم المسألة إلا من سلطان أو في أمر لا بد منه كإصابة المسلم بحاجة تحمله حمالة ونحو ذلك ، قال عليه الصلاة والسلام : " المسألة كد يكد بها الرجل وجهه ، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه " أخرجه أحمد ، وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة : " إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلَّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً حاجة ، فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، أو قال : سداداً من عيش ، فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكله صاحبه سحتاً " رواه مسلم .

يجوز الإهداء إلى الكافر وإطعامه من الأضحية وصدقات التطوع إذا لم يكن محارباً لنا لقول الله تعالى " لَّا يَنهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقسِطُوٓاْ إِلَيهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُقسِطِينَ " الممتحنة 8 .

الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه ، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به ، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها والأجر بينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً " متفق عليه .

إذا وُجد الإنسان في بلد بدأ أهلها الصيام وجب عليه أن يصوم معهم لأن حكم من وُجد في بلد في هذا الأمر حكم أهله لقوله عليه الصلاة والسلام : " الصوم يوم تصومون والإفطار يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون " رواه أبو داود بإسناد جيد ، وعلى فرض أنه انتقل من البلد الذي بدأ الصيام مع أهله إلى بلد آخر فحكمه في الإفطار والاستمرار حكم البلد الذي انتقل إليه فيفطر معهم إن أفطروا قبل البلد الذي بدأ الصيام به ، لكن إن أفطر لأقل من تسعة وعشرين يوماً لزمه أن يقضي يوما لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً ويقضي ما فاته ، فحكمك في نهاية الشهر حكم البلد التي سافرت إليها ، فلا يجوز لك أن تفطر ، بل الواجب عليك هو إكمال الصيام معهم لدخولك في عموم الخطاب الموجه إليهم ، لكن لو كان الذي انتقل إلى دولة أخرى في آخر الشهر لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوماً فإنه يلزمه أن يقضي يوماً آخر بعد العيد حتى يكمل به تسعة وعشرين لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين ، كما أنه لا يزيد عن الثلاثين .

فالعبرة في ابتداء الصيام في البلد التي سافر منه وفي نهايته في البلد التي قدم إليها وإذا كان مجموع ما صامه ثمانية وعشرين يوماً وجب عليه قضاء يوم لأن الشهر القمري لا يكون أقل من 29 يوماً ، وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يوماً في البلد الذي سافر إليه وبقي على أهل هذا البلد صيام يوم مثلاً وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر بفطرهم يوم العيد ويصلي معهم يوم العيد .

إذا كان الصائم في الطائرة واطلع بواسطة الساعة والتليفون عن إفطار البلد القريبة منه وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة فليس له أن يفطر لأن الله تعالى قال " ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيلِۚ " البقرة 187 ، وهذه الغاية لم تتحقق في حقه ما دام يرى الشمس ، وأما إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء النهار في حقه فأقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها .

ترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن اتحاد الطلبة المسلمين في الدول التي حكوماتها غير إسلامية يقوم مقام حكومة إسلامية في مسألة إثبات الهلال بالنسبة لمن يعيش في تلك الدول من المسلمين وبناءً على ما جاء في الفقرة الثانية من قرار مجلس الهيئة يكون لهذا الاتحاد حق اختيار أحد القولين إما اعتبار اختلاف المطالع ، وإما عدم اعتبار ذلك .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

10 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر