معركة أحد

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 25 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 1705 القسم: خطب الجمعة


الحمد لله له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في الله تعالى من غير توان ولا تقصير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يرجعون وسلم تسليما
أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى واعرفوا ما أبلاه سلف هذه الأمة من بلاء حسن في نصرة هذا الدين وما صبروا عليه من الشدائد في إعلاء كلمة رب العالمين فإنهم جاهدوا في سبيل الله لم يجاهدوا لعصبية ولا لوطنية ولا لفخر وخيلاء وفي شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة كانت غزوة أحد وهو الجبل الذي حول المدينة والذي فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدا جبل يحبنا ونحبه.رواه مسلم. وذلك أن المشركين لما أصيبوا بفادحتهم الكبرى يوم بدر خرجوا ليأخذوا بالثأر من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فرس مجنبة فلما علم بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الخروج إليهم فخرج بنحو ألف رجل فلما كانوا في أثناء الطريق انخزل عبد الله بن أُبي رأس المنافقين بمن تبعه من أهل النفاق والريب وقالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم فتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال في سبعمائة رجل فقط ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه وأمر على الرماة عبد الله بن جبير وقال انضحوا عنا الخيل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبتوا مكانكم فأنزل الله نصره على المؤمنين وصدقهم وعده فكشفوا المشركين عن المعسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها ولكن الله قضى وحكم ولا معقب لحكمه وهو السميع العليم فإن الرماة لما رأوا هزيمة الكفار ظنوا أنهم لا رجعة لهم فتركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومه فكر فرسان من المشركين ودخلوا من ثغر الرماة ففاجئوا المسلمين من خلفهم واختلطوا بهم حتى وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه وكسروا رباعيته اليمنى السفلى وهشموا البيضة بيضة السلاح على رأسه ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه فعض عليهما أبو عبيدة فنزعهما وسقطت ثنيتاه من شدة غوصهما في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ونادى الشيطان بأعلى صوته أن محمدا قد قتل فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين وفر أكثرهم فبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة من الأنصار ورجلين من المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من يردهم عنا وله الجنة"رواه مسلم. فتقدم الأنصار واحدا واحدا حتى قتلوا وترس أبو دجانة في ظهره على النبي صلى الله عليه وسلم والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك واستشهد في هذه الغزوة سبعون رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء ومنهم عبد الله بن جحش الذي دفن هو وحمزة في قبر واحد ومنهم مصعب بن عمير رضي الله عنه صاحب اللواء ومنهم سعد بن الربيع رضي الله عنه الذي بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت يقرئه السلام فوجده في آخر رمق وفيه سبعون ضربة فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول كيف تجدك قال وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام قل له أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف ثم فاضت نفسه رضي الله عنه ومر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال ما تنتظرون قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم لقي سعد بن معاذ فقال يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أُحد فقاتَل حتى قُتل ووجد به نحواً من سبعين ضربة، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ، أَشرَفَ أَبُو سُفيَانَ عَلَى المُسلِمِينَ فَقَالَ: أَفي القَومِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا تُجِيبُوهُ " ثُمَّ قَالَ: أَفي القَومِ ابنُ أَبي قُحافَةَ - ثَلاثًا - قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا تُجِيبُوهُ " ثُمَّ قَالَ: أَفي القَومِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا تُجِيبُوهُ " فَالتَفَتَ إِلى أَصحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَد قُتِلُوا، لَو كَانُوا أَحيَاءً لأَجَابُوا، فَلَم يَملِكْ عُمَرُ نَفسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبتَ يَا عَدُوَّ اللهِ، قَد أَبقَى اللهُ لَكَ مَا يُخزِيكَ، فَقَالَ: اُعْلُ هُبَلٌ! اُعْلُ هُبَلٌ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:" أَجِيبُوهُ " فَقَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ:" قُولُوا: اللهُ أَعلَى وَأَجَلُّ " فَقَالَ أَبُو سُفيَانَ: أَلا لَنَا العُزَّى وَلا عُزَّى لَكُم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " أَجِيبُوهُ " قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللهُ مَولانَا وَلا مَولى لَكُم "رواه البخاري.

فلما كانوا في أثناء الطريق تلاوموا فيما بينهم ليرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيستأصلونهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس ليخرجوا إلى عدوهم فاستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح والبلاء المبين حتى بلغوا حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة فأنزل الله فيهم: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.آل عمران:173-174.
رزقني الله وإياكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واتباعهم ظاهرا وباطنا
وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد

عباد الله: لقد كانت معركة أحد سلسلة من الامتحانات أخذ بعضها برقاب بعض فقد كان يوم تحالفت فيه المحن والبلايا على المسلمين وكأن هذه المحن والبلايا مختبراً أراد الله أن يصهر فيه جوهر جيش محمد ليتميز فيه الطيب من الخبيث كما أشار القرآن الكريم إلى هذا بقوله "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب"آل عمران:179. وإذا كان الوئام والوفاق ومراعاة الانضباط العسكري قد واكب المسلمين في معركة بدر منذ تحرك الجيش الإسلامي من المدينة حتى رجوعه إليها فإن المسلمين في غزوة أحد قد صاروا يواجهون المتاعب منذ تحرك جيشهم فالانشقاق الخطير الذي حدث في الجيش النبوي والذي قاده في أحرج الظروف رأس النفاق عبد الله بن أبي فنتج عنه تمرد المنافقين ورجوعهم إلى المدينة أن نادى بعض القادة بضرورة تأديب المنافقين المتمردين الخونة والقضاء عليهم قبل أن يلقى المسلمون عدوهم بأحد ولكن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وخبرته العسكرية حالت دون تنفيذ ذلك

وبالرغم من تلك الهزيمة الخطيرة التي تعرض لها الجيش فإنه ظل متماسك الأجزاء رابط الجأش وعند احتدام المعركة قاتل هذا الجيش ببسالة وإيمان منقطع النظير وبالرغم من تفوق جيش مكة عليه في كل شيء مادي فقد أنزل هذا الجيش الصغير الهزيمة المزلزلة بذلك الجيش المكي الضخم في الساعات الأولى من المعركة

وحين خالف الرماة الأوامر ونزلوا عن الجبل لجمع الغنائم يظنون أن المعركة انتهت فانعكس الأمر واستشهد سبعين من جند الإسلام فإنني لا أرى ذلك نصراً للمشركين من الوجهة العسكرية بمعنى كلمة نصر وهزيمة للمسلمين لأن المسلمين لم يولوا الأدبار بل ظلوا يقاتلون بضراوة ملتفين حول قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم مما جعلهم يدفعون الثمن غالياً وهو سبعون قتيلاً وعشرات من الجرحى

مما أحبط كل المحاولات اليائسة التي قام بها المشركون للقضاء على المسلمين أو تشتيتهم من جديد في حين لاذ جيش المشركين بالفرار

ثانياً: أن جيش المشركين عاد لا يحمل معه ولو أسيراً واحداً بعكس معركة بدر فإنه وقع في أيدي المسلمين سبعين أسيراً وغنائم كثيرة

ثالثاً: أن جيش الكفار لاذ بالفرار مسرعاً بينما ظل جيش الإسلام مرابطاً في مكان المعركة بأحد مما مكنه من دفن شهدائه وإسعاف جرحاه والعودة إلى المدينة بهدؤ وانتظام وهو دليل على قلق جيش أبي سفيان

رابعاً: بقي النبي صلى الله علي وسلم في حملة حمراء الأسد ثلاثة أيام متحدياً كفار قريش ولم يجرؤ على مقاتلته

خامساً: المعارك لا تقاس بالخسائر في النصر والهزيمة فكثرة قتلى المسلمين ليس دليل على هزيمتهم يقول اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه الرسول القائد ص 119 الطبعة الثانية: أنا لا اتفق مع المؤرخين في اعتبار نتيجة غزوة أحد نصراً للمشركين واندحاراً للمسلمين لأن مناقشة المعركة عسكرياً تظهر انتصار المسلمين على الرغم من خسائرهم الفادحة في الأرواح في هذه المعركة انتهى ما ذكره

أما أسباب زيادة قتلى المسلمين في المعركة عصيان الرماة وهو ظن منهم أن المعركة قد انتهت فلا حاجة للبقاء وإن المعارك الدائرة اليوم في سوريا ستكون لصالح المسلمين بإذن الله

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في سوريا وفي كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

1434-10-24

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي