الدرس112 باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 14 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1753 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

يقول المصنف ، رحمه الله ، " قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ. " (العنكبوت آية 10)
قوله تعالى: "ومن الناس": جار ومجرور خبر مقدم، و"من" تبعيضية ، وقوله: "من يقول": "من": مبتدأ مؤخر، والمراد بهؤلاء: من لا يصل الإيمان إلى قرارة قلبه فيقول: آمنا بالله، لكنه إيمان متطرف ، قوله:" فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ " "في": للسببية أي: بسبب الإيمان بالله وإقامة دينه. قوله: " جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ " "جعل": صيَّر، والمراد بالفتنة هنا الإيذاء، وسمي فتنة ؛ لأن الإنسان يفتتن به، فيصد عن سبيل الله وإضافة الفتنة إلى الناس من باب إضافة المصدر إلى فاعله ، قوله: "كعذاب الله": معلــوم أن الإنسـان يفر من عــذاب الله، فيوافق أمره ، فهذا يجعل فتنة الناس كعذاب الله فيفر من إيذائهم بموافقة أهوائهم وأمرهم ، جعل هذه الفتنة كالعذاب فحينئذ يكون قد خاف من هؤلاء كخوفه من الله لأنه جعل إيذاءهم كعذاب الله، ففر منه بموافقة أمرهم، وهذا ذم له، فبعض الناس إذا أوذي لم يصبر ولم يتحمل، بل يحمله ذلك على فعل ما حرم الله وترك ما أوجبه، وهذا مذموم بل يجب عليه أن يتقي الله ويراقبه، وإذا أوذي في الله أخذ الأمور من وجهها الشرعي من المحاكمة بالقصاص بالشكوى إلى ولاة الأمور، أما أن يحمله ذلك على ترك ما أوجب الله عليه، وفعل ما حرم الله عليه ، فهذا غير جائز له، بل يجب عليه الحذر من ذلك،

قول الله تعالى:" وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ " (العنكبوت 10)

كانوا يدعون أن ما يحصل لهم من الإيذاء بسبب الإيمان، فإذا انتصر المسلمون قالوا: نحن معكم نريد أن يصيبنا مثل ما أصابكم من غنيمة وغيرها ، وقوله تعالى:" أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ " ، الواو عاطفة على ما سبقها، على تقدير أن الهمزة بعدها، أي: وأليس الله ، قوله: "بِأَعْلَمَ" مجرور بالفتحة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية، ووزن الفعل ، فالله أعلم بما في صدور العالمين، أي بما في صدور الجميع فالله أعلم بما في نفسك منك، وأعلم بما في نفس غيرك لأن علم الله عام ، وكلمة (أعلم): اسم تفضيل ، فهي دالة دلالة واضحة على عدم تماثل علم الخالق وعلم المخلوق، وأن علم الخالق أكمل

وقوله تعالى: أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ "

المراد بـ"العالمين" : كل ما سوى الله فجميع المخلوقات دالة على كمال الله وقدرته وربوبيته ، والله أعلم بنفسك منك ومن غيرك لعموم الآية
وفي الآية " أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ "، تحذير من أن يقول الإنسان خلاف ما في قلبه، ولهذا لما تخلف كعب بن مالك في غزوة تبوك قال للرسول حين رجع:" ولقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولَكِنِّي واللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. فَقُمْتُ، ". أخرجه البخاري

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر