صفة الحج(2)

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 30 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1465 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأمر بطاعته والاقتداء به، فقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب21

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس:

اتقوا الله تعالى واقتدوا برسوله في عباداتكم حتى تكون صحيحة مقبولة، قال الله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء: 80، وقال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) آل عمران: 31 ، ومن ذلك الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في أداء مناسك الحج، فقد حج صلى الله عليه وسلم وأمر الناس أن يقتدوا به ويفعلوا مثل ما يفعل، فقال (خذوا عني مناسككم) صححه الألباني أي: كيف تؤدون مناسككم، وذلك بأن تفعلوا مثل ما أفعل، وهذا كلام جامع استدل به أهل العلم على مشروعية جميع ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وما قاله في حجه، وجوبا في الواجبات ومستحبا في المستحبات، وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صفة حجة النبي صلى لله عليه وسلم، فقال:" ثبت بالنقل المتواتر عند الخاصة من علماء الحديث من وجوه كثيرة في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع أحرم والمسلمون من ذي الحُليفة، فقال (مَن أرادَ منكم أن يُهِلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، فلْيَفْعَلْ، ومن أراد أن يُهِلَّ بحَجٍّ فلْيُهِلَّ، ومن أراد أن يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فلْيُهِلَّ) فلما قدموا وطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أمر جميع المسلمين الذين حجوا معه أن يَحلوا من إحرامهم، ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي فإنه لا يحلُ حتى يبلغ الهدي محله، فراجعه بعضهم في ذلك، فغضب، وقال (ما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، )رواه مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، فلم يحل من إحرامه، ولمَّا رأى كراهة بعضهم للإحلال قال (إنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِن أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما أهْدَيْتُ، ولَوْلَا أنَّ مَعِي الهَدْيَ لَحَلَلْتُ، )رواه البخاري، فحل المسلمون جميعهم إلا النفر الذين ساقوا الهدي، منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بنُ أبي طالب، وطلحةُ بن عبيد الله، فلما كان يوم التروية أحرم المحلون بالحج وهم ذاهبون إلى منى، فبات بهم تلك الليلة بمنى، وصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم سار بهم إلى نمرة على طريق ضب ونمرةُ خارجةَ عن عرفةَ من يمانيها وغربيها، ليست من الحرم ولا من عرفة، فنصبت له القُبة بنمرة، وهناك كان ينزل خلفاؤه الراشدون بعده، و بها الأسواق وقضاء الحاجة والأكل ونحو ذلك، فلما زالت الشمس ركب هو ومن ركب معه وسار المسلمون إلى المصلى ببطن عُرنةَ حيث قد بني المسجد، وليس هو من الحرم ولا من عرفة، وإنما هو برزخ بين المشعرين الحلال والحرام هناك، بينه وبين الموقف نحو ميل فخطب بهم خُطبةَ الحجِ على راحلته وكان يوم الجمعة، ثم نزل فصلى بهم الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين، ثم سار والمسلمون معه إلى الموقف عند الجبل المعروف بجبل الرحمة، واسمه إلال على وزن هلال، وهو الذي تسميه العامة عرفة، فلم يزل هو والمسلمون في الذكر والدعاء إلى أن غربت الشمسُ، فدفع بهم إلى مزدلفة، فصلى المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق قبل حط الرحال حيث نزلوا بمزدلفة، وبات بها حتى طلع الفجر، فصلى بالمسلمين الفجر في أول وقتها مغلسا بها زيادة على كل يوم، ثم وقف عند قزح، وهو جبل مزدلفة التي يسمى المشعر الحرام، وإن كانت مزدلفةُ كلها هي المشعر الحرام المذكور في القرآن، فلم يزل واقفا بالمسلمين إلى أن أسفر جدا، ثم دفع بهم حتى قدم منى، فاستفتحها برمي جمرة العقبة، ثم رجع إلى منزله بمنى، فحلق رأسه، ثم نحر ثلاثا وستين بدنة من الذي ساقه وأمر علياً بنحر الباقي، وكان مئة بدنة، ثم أفاض إلى مكة فطاف طواف الإفاضة، وكان قد عجل ضعفة أهل بيته من مزدلفة قبل طلوع الفجر، فرموا الجمرة بليل، ثم أقام المسلمون أيام منى الثلاث، يصلي بهم الصلوات الخمس مقصورة غير مجموعة يرمي كل يوم الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس يفتتح بالجمرة الأولى، وهي الصغرى، وهي الدنيا إلى منى، والقصوى من مكة، ويختتم بجمرة العقبة، ويقف بين الجمرتين الأول والثانية وبين الثانية والثالثة وقوفا طويلا بقدر سورة البقرة يذكر الله ويدعو، فإن المواقف ثلاث عرفة، ومزدلفة، ومنى، ثم أفاض آخر أيام التشريق بعد رمي الجمرات هو والمسلمون، فنزل بالمحصّب عند خَيف بني كنانة، فبات هو والمسلمون في ليلة الأربعاء وبعث تلك الليلة عائشةَ مع أخيها عبد الرحمن لتعتمر من التنعيم، وهو أقربُ أطرافِ الحرمِ إلى مكة من طريق أهل المدينة، وقد بُني بعده هناك مسجد سماه الناس مسجد عائشة، لأنه لم يعتمرُ بعدَ الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه أحد قط إلا عائشة، لأجل أنها كانت قد حاضت لما قدمت، وكانت معتمرةُ، فلم تطف قبل الوقوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )رواه البخاري. ثم ودع البيت هو والمسلمون ورجع إلى المدينة، ولم يقُم بعد أيام التشريق ولا اعتمر أحد قط على عهده عمرة يخرج فيها من الحرم إلى الحل إلا عائشة وحدها، فأخذ فقهاء الحديث كأحمد وغيره بسنته في ذلك كله، وإن كان منهم ومن غيرهم من قد يخالف بعض ذلك بتأويل تخفى عليه فيه السنة " انتهى كلامه رحمه الله، وهو خلاصة جيدة لصفةِ حجِة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد أُمرنا بالاقتداء به في هذا وغيره، فلنفعل مثل ما فعل حتى تكون أعمالنا في حجنا وعمرتنا وجميع أمور ديننا صحيحة مقبولة عند الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب: 21

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي تفضل علينا بدين الإسلام، وببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليما .

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واشكروه حيث بين لكم دينكم وأتم عليكم نعمته فتمسكوا به، واسألوا الله الثبات عليه

عباد الله: اعلموا أن أعمال الحج تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أركان لا يصح الحج إلا بها وهي: (الإحرام، والوقوف بعرفة).

وأركان لا يتم إلا بها وهي: (طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة).

القسم الثاني: واجبات، وهي (الإحرام من الميقات المعتبر له، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف نهارا، والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل لمن وافاها قبل منتصف الليل، ورمي الجمار، والحلق، أو التقصير، والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق، وطواف الوداع على غير الحائض والنفساء)

القسم الثالث: مستحبات، وهي : ما عدا هذه الأركان، والواجبات من أعمال الحج (كالإحرام بالحج في اليوم الثامن للمتمتع ، والخروج إلى منى في هذا اليوم، والمبيت بها ليلة التاسع وأداء الصلوات الخمس فيها كل صلاة في وقتها مع قصر الصلاة الرباعية، والنزول بنمرة قبل الوقوف، والدعاء في عرفة وقت الوقوف، وفي مزدلفة بعد صلاة الفجر والبقاء في منى في النهار أيام التشريق، وطواف القدوم في حق القارن والمفرد)

ومن ترك واجبا فعليه دم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه فاحرصوا أيها المسلمون على إتمام حجكم على وفق ما شرعه الله وبينه رسول الله صلى الاله عليه وسلم.

ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)الأحزاب:56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، اللهم أصلح له بطانته ، اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعث والنشور اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار " البقرة 201 .

عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " النحل 90 .

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكره على نعمه يزدكم، " ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45 .

1439-3-30 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي