ماذا بعد رمضان

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1369 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله مقدرِ الأقدارِ ومصرفِ الأيامِ والشهورِ، أحمده على جزيل نعمه وهو الغفور الشكور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد؛ أيها الناس:

اتقوا الله تعالى وتفكروا في سرعة مرور الأيام والليال، وتذكروا بذلك قرب انتقالكم من هذه الدنيا، فتزودوا بصالح الأعمال.

حل بكم شهر رمضان المبارك بخيراته وبركاته، وعشتم جميع أوقاته، ثم انتهى وارتحل سريعا، فليحاسب كل منا نفسه ماذا قدم في هذا الشهر، فمن قدم فيه خيرا فليحمد الله على ذلك، وليسأله القبول والاستمرار على الطاعة في مستقبل حياته، ومن كان مفرطا فيه فليتب إلى الله، وليبدأ حياة جديدة يستغلها بالطاعة، بدل الحياة التي أضاعها في الغفلة والإساءة، لعل الله يكفر عنه ما مضى ويوفقه فيما بقي من عمره، قال تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ " (هود 114)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"حسنه الألباني.

عباد الله: إن عبادة الله واجبة في كل وقت وليس لها نهاية إلا الموت. قال تعالى "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " (الحجرات 99) ، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "( آل عمران 102)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)رواه مسلم.

ولله عبادات تؤدى في مواقيتها يوميا وأسبوعيا وسنويا وهذه العبادات منها ما هو أركان للإسلام، ومنها ما هو مكمل له؛ فالصلوات الخمس تؤدى في كل يوم وليلة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، والجمعة تؤدى كل أسبوع، وهي من أعظم شعائر الإسلام، يجتمع لها المسلمون في مكان واحد اهتماما بها، والزكاة قرينة الصلاة، وصيام شهر رمضان يجب في كل سنة، وحج بيت الله الحرام يجب على المسلم المستطيع في العمر مرة، وكذا العمرة، وما زاد على المرة من الحج والعمرة فهو تطوع

وإلى جانب هذا العبادات الواجبة عبادات مستحبة، مثل: نوافل الصلوات، ونوافل الصدقات، ونوافل الصيام، ونوافل الحج والعمرة، وهذا مما يدل على أن حياة المسلم كلها عبادة إما واجبة وإما مستحبة

فالذي يظن أن العبادة مطلوبة منه في شهر رمضان وبعده يعفى من العبادة، لم يعرف الله حق معرفته، ولم يقدره حق قدره، حيث لم يطعه إلا في رمضان، ولم يخف منه إلا في رمضان، ولم يرج ثوابه إلا في رمضان.

إن هذا الإنسان مقطوع الصلة بالله، مع أنه لا غنى له عنه طرفة عين، والعمل مهما كان؛ إذا كان مقصورا على شهر رمضان فهو عمل مردود على صاحبه مهما أتعب نفسه فيه؛ لأنه عمل مبتور لا أصل له ولا فرع، وإنما ينتفع برمضان أهل الإيمان الذين هم على الاستقامة في كل زمان، يعلمون أن رب الشهور واحد، وهو في كل الشهور مطلع على أعمال عباده وشاهد

ولقد بلغ الجهل ببعض المنتسبين إلى الإسلام أنه إذا صلى الجمعة كفته عن العبادة في بقية الأسبوع، فيضيع الصلوات الخمس، وبعضهم يعتقد أن صيام رمضان والتعبد فيه يكفيه عن التعبد في بقية السنة، فيترك الصلوات أحد عشر شهرا، ويصلي في شهر واحد، والبعض الآخر يعتقد أنه إذا حج مرة في عمره كفر الحج عنه ما مضى وكفاه عن العمل في المستقبل، وربما يستدل خطأ على ذلك بما جاء في الحديث أن هذه العبادات كفارات لما بينهن، ولو استكمل الحديث وتأمله لوجد أن التكفير المذكور فيه مشروط باجتناب الكبائر، والله تعالى يقول:" إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا "(النساء 31)

وليس بعد الشرك أكبر من إضاعة الصلوات الخمس، وهؤلاء قد ضيعوها وضيعوا غيرها من أوامر الدين، ولا يُكفر ذلك عنهم إلا التوبة النصوح والعمل الصالح قال تعالى :" فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " (مريم: 60،59)

ويشترط لصحة التوبة ثلاثة شروط:

أحدها: ترك الذنوب تركا نهائيا.

الثاني: أن يندم على ما حصل منه من الذنوب

الثالث: أن يعزم على أن لا يعود إلى المعاصي

وشهر رمضان خير عون لمن يريد أن يتوب توبة صحيحة؛ لأنه يستطيع فيه السيطرة على نفسه وهواه، ويستطيع فيه ترك مألوفاته وشهواته وفعل الطاعات بسهولة؛ فهو يسهل فعل الطاعات، وينبه ذوي الغفلات، والموفق في هذا الشهر من استفاد من مروره عليه؛ فتعود فعل الطاعات، والابتعاد عن المعاصي والمحرمات، وصار منطلقا له في المستقبل في الاستمرار على ما اعتاده فيه من فعل الخير، والمخذول من يعتبر شهر رمضان سجنا ثقيلا يستطيل أيامه، وينتظر نهايته لينطلق إلى العصيان، وطاعة النفس والشيطان

فاتقوا الله عباد الله وأتبعوا شهر رمضان بالاستمرار على الطاعات "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (آل عمران 200)

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام.

أما بعد؛ أيها الناس:

اتقوا الله تعالى، وتابعوا فعل الخيرات بعد رمضان، فإن من علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، وما شهر رمضان إلا منشط على الخير وبداية للتوبة والعمل الصالح، ونهاية العمل تكون بالموت لا بخروج رمضان، وإن من علامة قبول التوبة والأعمال في رمضان أن يكون الإنسان بعد رمضان أحسن حالا في الطاعة عما قبل رمضان، ومن علامة الرد والخذلان أن يكون الإنسان بعد رمضان أسوأ حالا مما قبله.

فتنبهوا لأنفسكم رحمكم الله، وانظروا حالكم بعد رمضان، واعلموا أن باب التوبة مفتوح دائما في رمضان، وفي كل زمان، فمن فاتته التوبة في رمضان فلا يقنط من رحمة الله، بل يبادر بالتوبة في أي وقت كان، فإن الله يتوب على من تاب، ويغفر الذنوب لمن رجع إليه وأناب، قال تعالى:" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " (الزمر: 53-55)

حافظوا على ما كسبتم في رمضان من الحسنات ولا تفسدوه بالرجوع إلى المعاصي والسيئات، فتهدموا ما بنيتم، وتبطلوا ما قدمتم، فإن السيئات إذا كثرت أهلكت الإنسان، ورجحت على حسناته في الميزان "وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ " (المؤمنون103)

واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال عز وعلا "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "(الأحزاب 56).

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد ءامنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم اصلح ولاة أمورنا واصلح بطانتهم اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، من اليهود والنصارى وسائر الكفرة والمشركين، ومن شايعهم وأعانهم من المنافقين والمرتدين، اللهم شتت شملهم وخالف بين كلمتهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم وسلط بعضهم على بعض واشغلهم بأنفسهم واجعل كيدهم في نحورهم إنك على كل شيء قدير.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم،" وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ "(العنكبوت 45)

1439-3-18هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي