ما يُختم به رمضان

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 7 ربيع الثاني 1439هـ | عدد الزيارات: 1324 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، جعل لكل موجود في هذه الدنيا زوالا، ولكل مقيم انتقالا، ليعتبر بذلك أهل الإيمان، فيبادروا بالأعمال، ماداموا في زمن الإمهال، ولا يغتروا بطول الآمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس؛

اتقوا الله تعالى، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام، واعلموا أنها تَنقص بمرورها أعماركم، وتُطوى بها صحائف أعمالكم، فبادروا بالتوبة والأعمال الصالحة قبل انقضاء الفرصة السانحة.

عباد الله: كنتم بالأمس القريب تستقبلون شهر رمضان المبارك، واليوم تودعونه مرتحلا عنكم بما أودعتموه، شاهدا عليكم بما عملتموه، فهنيئا لمن كان شاهدا له عند الله بالخير، شافعا له بدخول الجنة والعتق من النار، وويل لمن كان شاهدا عليه بسوء صنيعه، شاكيا إلى ربه من تفريطه فيه وتضييعه، فودعوا شهر الصيام والقيام بخير ختام، فإن الأعمال بالخواتيم، فمن كان محسنا في شهره فعليه بالإتمام، ومن كان سيئا فعليه بالتوبة، والعمل الصالح فيما بقي له من الأيام، فربما لا يعود عليه رمضان بعد هذا العام، فاختموه بخير، واستمروا على مواصلة الأعمال الصالحة التي كنتم تؤدونها فيه في بقية الشهور، فإن رب الشهور واحد، وهو مطلع عليكم وشاهد، وقد أمركم بفعل الطاعات في جميع الأوقات، ومن كان لا يعبد الله إلا في شهر رمضان فإن شهر رمضان قد انقضى وفات، ومن كان يعبد الله على الدوام فإن الله حي لا يموت، فليستمر على عبادته في جميع أيام الحياة، فإن بعض الناس يتعبدون الله في شهر رمضان خاصة، فيحافظون فيه على الصلوات في المساجد، ويكثرون من تلاوة القرآن، ويتصدقون من فضول أموالهم، فإذا انتهى رمضان تكاسلوا عن الطاعات، وربما تركوا الجمعة والجماعات، فهدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموه، وكأنهم يظنون أن اجتهادهم في رمضان يكفر عنهم ما يجري منهم في السنة من القبائح والموبقات ، وترك الواجبات ، وفعل المحرمات ، ولم يعلموا أن تكفير رمضان وغيره للسيئات، مقيد باجتناب الكبائر والموبقات ، قال تعالى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " النساء31

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم ، وأي كبيرة بعد الشرك أعظم من إضاعة الصلاة ، وقد صارت إضاعتها عادة مألوفة عند بعض الناس .

إن اجتهاد هؤلاء في رمضان قد لا ينفعهم عند الله إذا هم أتبعوه بالمعاصي من ترك الواجبات وفعل المحرمات .

سئل بشر الحافي رحمه الله عن قوم يجتهدون في شهر رمضان ، فإذا انقضى ضيعوا وأساؤوا فقال:( بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان إن الصالح الذي يتعبد و يجتهد السنة كلَّها). نعم، لأن من عرف الله خافه في كل زمان .

والمؤمن يفرح بانتهاء الشهر، لأنه استكمله في العبادة والطاعة ، فهو يرجو أجره وفضائله ، والمنافق يفرح بانتهاء الشهر ، لينطلق إلى المعاصي والشهوات التي كان مسجونا عنها في رمضان ، ولذلك فإن المؤمن يتبع شهر رمضان بالاستغفار والتكبير والعبادة ، والمنافق يتبعه بالمعاصي واللهو وحفلات الغناء والمعازف والطبول فرحا بفراقه

عباد الله: لقد شرع الله لكم في ختام هذا الشهر التكبير في ليلة العيد، قال تعالى " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " البقرة: 185

وشرع لكم صدقة الفطر، فهي واجبة على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، ويستحب إخراجها عن الحمل في البطن، وهي من غالب قوت البلد تمرا أو برا أو شعيرا أو زبيبا أو أقطا ومقدارها صاع عن كل شخص أي: ما يعادل ثلاثة كيلو، ويجزئ عن هذه الخمسة كل حب يقتات في البلد: كالأرز، ولا يجوز فيها إخراج الدراهم ولا تجزئ، لأن ذلك خلاف السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الطعام وقدره بالصاع، فلا بد من التقيد بأمره صلى الله عليه وسلم

ويخرج الإنسان صدقة الفطر عن نفسه وعمن يقوم بنفقته ، ومحل إخراجها هو البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه، ومن كان في بلده وعائلته في بلد آخر فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه، وإن عمدهم يخرجون عنه وعنهم في بلدهم جاز، وإن أخرج عن نفسه في بلده وأخرجوا عن أنفسهم في بلدهم جاز

والذين يعطون صدقة الفطر هم فقراء البلد الذين تحل لهم زكاة المال ، سواء كانوا من أهل البلد أو من الفقراء القادمين عليه من بلد آخر .

ولا يشرع نقل صدقة الفطر إلى بلد آخر، إلا إذا كانوا أشد حاجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها إلى فقراء البلد الذي يفطر فيه الصائم ليلة العيد

ووقت إخراجها ليلة العيد، بعد ثبوت الهلال إلى الخروج لصلاة العيد في البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه، والعبادات توقيفية لا يجوز التصرف فيها حسب الأهواء والآراء، ومن فاته إخراجها قبل صلاة العيد فإنه يخرجها في بقية يوم العيد، ومن فاته إخراجها في يوم العيد فإنه يخرجها بعده قضاء، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ولا بد أن تدفع في وقت الإخراج إلى المستحق أو إلى وكيله

ويجوز للفقير أن يخرج فطرته مما أعطي من الصدقات، ويجوز دفع صدقة الجماعة إلى فقير واحد، ويجوز دفع صدقة الشخص الواحد إلى جماعة من الفقراء

والحكمة في صدقة الفطر أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين وشكر لله تعالى على إكمال الصيام، فأدوها رحمكم الله، على الوجه المشروع طيبة بها نفوسكم من أوسط ما تطعمون أهليكم " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " البقرة: 267- 268

ومن الحكمة من مشروعية صدقة الفطر إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد ليفرحوا مع المسلمين، ويتوسعوا بها، ولذلك حددت بما يكفي الفقير في هذا اليوم وهو الصاع، ومن الحكمة في تحديدها بالصاع أيضا تيسيرها على المتصدق حتى لا تثقله، لأنه قد لا يكون عنده سعة من المال، وهي واجبة على عموم المسلمين لا على الأغنياء فقط

ولعل من الحكمة في جعلها طعاما لا نقودا أن يكون هذا أيسر للمحتاج، لأنه قد لا يجد في يوم العيد من يبيع الطعام، ولأن في جعلها طعاما إظهارا لها بين الناس، لأنها من الشعائر الظاهرة، ولو جعلت نقودا لكانت صدقة خفية إلى غير ذلك من الحكم

فاتقوا الله عباد الله، واعتنوا بإخراجها " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " الأعلى: 14 ، 15

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو ذو الفضل والإنعام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وعبد ربه واستقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليما .

أما بعد:

عباد الله: ومما شرعه الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك أداء صلاة العيد شكرا لله تعالى على أداء فريضة الصيام، كما شرع الله صلاة عيد الأضحى شكرا له على أداء فريضة الحج، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة وكان لأهلها يومان يلعبون فيهما، قال صلى الله عليه وسلم " قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم النحر ويوم الفطر " صححه الألباني. فلا تجوز الزيادة على هذين العيدين بإحداث أعياد أخرى كأعياد المولد، والأعياد القومية، لأنها أعياد جاهلية، سواء سميت أعيادا، أو ذكريات، أو أياما أو أسابيع، أو أعواما

وسمي العيد في الإسلام عيدا، لأنه يعود ويتكرر كل عام بالفرح والسرور بما يسر الله قبله من عبادة الصيام والحج اللذين هما ركنان من أركان الإسلام، ولأن الله سبحانه يعود فيهما على عباده بالإحسان والعتق من النيران، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج العام لصلاة العيد حتى النساء، فيسن حضورهن غير متطيبات ولا لابسات لثياب زينة وشهرة، ولا يختلطن بالرجال، والحائض تخرج لحضور دعوة المسلمين وتعتزل المصلى، قالت أم عطية رضي الله عنها " كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحيض فيكن خلف النساء فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون ذلك اليوم وطهرته " رواه البخاري.

والخروج لصلاة العيد إظهار لشعائر الإسلام وعَلم من أعلامه الظاهرة، فاحرصوا على حضورها رحمكم الله، فإنها من مكملات أحكام هذا الشهر المبارك، واحرصوا على الخشوع، وغض البصر وعدم إسبال الثياب، وعلى حفظ اللسان من اللغو والرفث وقول الزور، وحفظ السمع من استماع القيل والقال، والأغاني والمعازف والمزامير، ولا تحضروا حفلات السمر واللهو واللعب التي يقيمها بعض الجهال، فإن الطاعة تُتبع بالطاعة لا بضدها، ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إتْباع صوم شهر رمضان بصوم ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال، فكأنما صام الدهر كله " رواه الترمذي وصححه الألباني ، يعني : في الأجر والثواب والمضاعفة، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان عن عشرة أشهر، وستة الأيام من شوال عن شهرين، وهذه أشهر السنة كأنما صامها المسلم كلها إذا صام رمضان، وأتبعه ستا من شوال

فاحرصوا رحمكم الله، على صيام هذه الأيام الستة لتحظوا بهذا الثواب العظيم

واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال عز وعلا " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " الأحزاب:56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد ءامنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وأصلح بطانتهم، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، من اليهود والنصارى وسائر الكفرة والمشركين، ومن شايعهم وأعانهم من المنافقين والمرتدين، اللهم شتت شملهم وخالف بين كلمتهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم وسلط بعضهم على بعض واشغلهم بأنفسهم واجعل كيدهم في نحورهم إنك على كل شيء قدير

عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " النحل 90

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكره على نعمه يزدكم، " ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45

1439-4-7 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي