الدرس 154: باب بيع الأصول والثمار 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1775 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قال المؤلف رحمه الله (وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ) للمشتري أن يبقيه إلى (الحصاد) وهذا في الزرع (والجذاذ) وهذا في الثمر، وله أن يجذه قبل ذلك، لأنه ملكه المشتري

الآن مَلك الثمرة فله أن يجذها قبل أن يأتي أوان جذها، وله أن يبقيها حتى يأتي أوان جذها، وكذلك في الزرع له أن يحصده قبل وقت الحصاد، وله أن يبقيه إلى وقت الحصاد، لأنه ملكه

لكن هذا ليس على إطلاقه بل يقال بشرط ألا يتضرر الأصل بعد تأخيره عن وقت الحصاد والجذاذ، فإن تضرر فليس له ذلك، وثمرة النخل إذا لم تجذ في أوان جذها ضر النخلة

إذا قول المؤلف (تبقيته إلى الحصاد والجذاذ) يفهم منه أنه ليس له أن يبقيه إلى ما بعد ذلك إلا برضا البائع، وهو كذلك

قوله (ويلزم البائع سقيه) أي سقي الزرع، وسقي الثمر، وقيد ذلك بقوله (إن احتاج إلى ذلك وإن تضرر الأصل) بأن يكون الوقت حارا وتيبس أصوله فيضمر الثمر ويتغير، فيلزم البائع أن يسقيه وإن تضرر الأصل

فالبائع باعه والعادة جرت أنه يلزمه حفظه والقيام عليه إلى الجذاذ، فهو الذي ألزم نفسه بذلك، وهو الذي رضي لنفسه بالضرر فيلزمه

قوله (إن احتاج إلى ذلك) مفهومه إن لم يحتج فإنه لا يلزمه، وهذا هو الصحيح، خلافا للمذهب في هذه المسألة، حيث قالوا يلزمه سقيه سواء احتاج أم لم يحتج، والصواب أنه لا يلزمه إلا إذا احتاج

قوله (وإن تلفت بآفة سماوية) الضمير يعود على الثمرة، أي: إذا تلفت الثمرة بعد أن بيعت بعد بدو صلاحها بآفة سماوية مثل حر شديد أفسد الثمر، أو برد أسقط الثمر، أو جراد أكلها، فالآفة السماوية أعم مما يظهر من لفظها، إذ إن المراد بها ما لا يمكن المشتري تضمينه، سواء كان بآفة سماوية لا صنع للآدمي فيه، أو بصنع آدمي لا يمكن أن يضمن، إما لسلطته أو لجهالته كما لو نزل الجند الأعداء فيما حول البلد وأتلفوا البساتين فهؤلاء لا يمكن تضمينهم، فيكون إتلافهم كالتلف بالآفة السماوية

قوله (رجع على البائع) أي: يرجع المشتري، على البائع بكل الثمن الذي دفعه له، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، وروى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح

ونقول للبائع تضمن لأن بيعك إياه التزام منك بحفظه والقيام عليه حتى يأتي وقت الجذاذ، فهي الآن في حفظك وإن كان المشتري قد ملكها وله أن يجذها، وله أن يبيعها، لكنها مضمونة عليك، لكونك أنت المطالب بحفظها إلى وقت الجذاذ

ويستثنى من ذلك ما إذا أخر المشتري جذها عن العادة فإن الضمان عليه لا على البائع، فإذا قدر أن المشتري تهاون في جذها في وقت الجذاذ حتى جاء المطر فأفسدها فلا يرجع على البائع، لأنه هو الذي فرط

وإذا كان الذي حصل على الثمر ليس تلفا ولكنه نقص، أي أن بعض القِنوان تغير، وصار حشفا فيضمن البائع النقص، لأنه إذا ضمن الكل ضمن البعض. فهذا التمر الذي حشف وصار لا يأكله إلا البهائم هو كالتالف، وإن كان النقص بسبب المشتري، إذ لا يعرف الجني ففسد الثمر، فلا يضمن البائع، لأنه من فعل المشتري

قوله (وإن أتلفه آدمي خير مشتر بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف) إذا أتلف الثمر آدمي معين يمكن تضمينه، فللمشتري الخيار إن شاء فسخ البيع ويكون الضمان على البائع، وإن شاء أمضى البيع وطالب المتلف، ولهذا قال (والإمضاء ومطالبة المتلف)

وإذا كان الخيار له فسوف يختار ما هو أنفع له، فإذا قدر أن ثمن الثمرة زاد والمتلف تسهل مطالبته سيختار الإمضاء ومطالبة المتلف، فمثلا إذا قدر أنه اشترى الثمرة بمائة، ثم جاء إنسان وأتلفها وصارت تساوي مائتين

أيهما أحسن أن يفسخ البيع ويأخذ مائة من البائع، والبائع يرجع على المتلف بمائتين، أو أن يأخذ من المتلف مائتين، الثاني لا شك، والعكس بالعكس، إذا كانت الثمرة قد نقصت فسيختار الفسخ ويرجع على البائع، وكذلك لو كان المتلف مماطلا أو فقيرا والبائع غنيا فسيختار الفسخ، والعكس بالعكس، يختار الإمضاء

قوله (وصلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان)

مثال ذلك

البستان فيه أنواع من النخيل كالسلاطين والخلاص والسلج، بدا الصلاح في واحدة من السلج يقول المؤلف إن بدو الصلاح في هذه الشجرة صلاح لها ولسائر النوع، الذي هو السلج، أما السلاطين والخلاص فلا يكون صلاح السلجة صلاح لهما، لأن النوع مختلف

وظاهر كلام المؤلف أنه سواء بيع النوع جميعا أو بيع تفريدا، بأن بعنا التي بدا صلاحها وانتقل ملكها إلى المشتري، ثم بعنا البقية من نوعها على آخرين، فالكل صحيح حيث ذكر المؤلف أن صلاح بعض الثمرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان

أما المذهب فإنه إذا بيع النوع جميعا فصلاح بعض الشجرة، لأنه لما بيع جميعا صار كأنه نخلة واحدة، وصلاح بعض النخلة صلاح لجميعها، فالعقد يقع عليها جميعا، أما إذا أفرد فإنك إذا بعت ما بدا صلاحه ثم جددت عقدا لما لم يبد صلاحه، صدق عليك أنك بعت ثمرة قبل بدو صلاحها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها. أخرجه البخاري ومسلم

والمذهب أصح مما هو ظاهر كلام المؤلف

قوله (وبدو الصلاح في ثمر النخل أن تحمر أو تصفر) وذلك لحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري) أخرجه البخاري ومسلم

ولأن ذلك علامة على نضجها، يعني أن تلون، ولون النخل إما أحمر وإما أصفر

قوله (وفي العنب أن يتمؤه حلوا) شرط شرطين: أن يتمؤه، وأن تظهر فيه الحلاوة، ومعنى يتمؤه يعني يلين، ويصير ماء، لأن العنب قاس، فإذا لان فهذا هو التموه، لكن لا بد مع ذلك أن يكون حلوا، احترازا مما لو تموه بآفة كقلة الماء مثلا فإنه لا يكون ذلك صلاحا

وبعض العنب صلاحه باسوداده، وهناك عنب لا يسود، ولو بلغ الغاية في النضوج

وهناك عنب قاس، ولو كان قد بدا صلاحه، ولهذا عبر بعض أهل العلم بعبارة جامعة قالوا (أن يطيب أكله) كما ذكره المؤلف في بقية الثمار، ولذلك يوجد الآن عنب موجود في الأسواق ليس متموها ولا مسودا، بل أخضر قاس، ومع ذلك هو حلو يطيب أكله

قوله (وفي بقية الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله) هذا في بقية الثمر مثل الموز والكمثرى والمشمش وغير ذلك، على إمكان أكله واستساغته، لأنه إذا وصل إلى هذا الحد أمكن الانتفاع به، وقبل ذلك لا يمكن الانتفاع به إلا أحيانا، أيضا إذا وصل لهذه الحال من النضج قلت فيه الآفات والعاهات

قوله (ومن باع عبدا له مال فماله لبائعه) مناسبة ذكر هذه المسألة في باب بيع الأصول والثمار، لأن العبد أصل والمال فرع، فماله كالثمرة وهو نفسه كالأصل

قوله (عبدا) هنا تشمل العبيد والإماء، يعني من باع مملوكا له مال فماله لبائعه

فقوله (فماله لبائعه) هذه اللام في بائعه لام الملك يعني للتملك، فالمال للبائع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) أخرجه البخاري ومسلم

قوله (إلا أن يشترطه المشتري) الهاء في يشترطه تعود على المال، فإذا اشترط المشتري المال فهو له للحديث (إلا أن يشترطه المبتاع)

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

04-03-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة