الدرس 325: الصلاة على النبي

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1301 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

جاءت أحاديث كثيرة فيها الحث على الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلتها ومنها: حديث أوس بن أوس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام ) رواه أبو داود وصححه الألباني

وإذا سئل الإنسان عن شيء لا يعلمه فليقل (لا أدري) ‏أو يقول (‏الله أعلم) ولا يقول ‏الله ورسوله أعلم، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عما يحدثه الناس بعده.

قول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم‏ (أفأجعل لك صلاتي كلها،‏ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏إذاً تكفى همك) إلى آخر الحديث، المراد بالصلاة هنا‏:‏ الدعاء، ومعنى الحديث‏:‏ الحث على الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من الأجر العظيم

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه ‏(‏جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام‏)‏‏:‏ ‏(‏وسئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله عن تفسير هذا الحديث فقال‏:‏ كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم،‏ فقال‏:‏ ‏إن زدت فهو خير لك،‏ فقال له‏:‏ النصف، فقال‏:‏ إن زدت فهو خير لك، إلى أن قال‏:‏ أجعل لك صلاتي كلها، أي‏:‏ أجعل دعائي كله صلاة عليك، قال‏:‏ ‏إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك) لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه‏.‏ هذا معنى كلامه

الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة أن يدعى له، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) الفتح: 2، فليس بحاجة إلى دعائنا.

والمشروع أن نصلي عليه بأن نسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى، وقد علمنا صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة عليه، ففي حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا‏:‏ قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك‏،‏ فقال‏ ‏قولوا‏:‏ اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد

وأما ما ذكر في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، فهو من خصوصياته؛ لأنه كان يدعو لنفسه، فحوله للنبي صلاة عليه بعد أن استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

* الدعاء بـ ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ ليس خاصاً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو عام لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

* الدعاء تـ‏ ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ اصطلح أهل العلم على جعل هذا الدعاء شعاراً في الدعاء للصحابة رضي الله عنهم، ولو دعا به الإنسان أحيانا لأحد من المسلمين فلا حرج

* الدعاء ب‏ ‏(‏كرم الله وجهه‏)‏ ليس من الأدعية المأثورة عن السلف الصالح، ولكن يتخذه بعض أهل البدع وهم الرافضة شعاراً في الدعاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ تمييزا له عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا التمييز غير مشروع فلا يستعمل

* الدعاء بـ (‏رحمه الله‏)‏ و‏(‏سلمه الله‏)‏ دعاء مشروع يدعى به للمسلم الحي والميت

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة، وفيها فضل عظيم، لكنها لا تكون أفضل من قراءة القرآن، وهي أيضا لا تتعارض مع قراءة القرآن، فبالإمكان الجمع بينهما

الدعاء الجماعي بعد الصلاة بدعة لا أصل لها في الشرع المطهر، والأصل في العبادات التوقيف

الرقى المشروعة هي بقراءة القرآن والأدعية النبوية وغيرها من الأدعية المباحة، وأما الاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءتها على ترتيب معين فلا نعلم لذلك أصلاً، فالواجب ترك ذلك

اقرأ كتاب‏ ‏(‏الكلم الطيب‏)‏ لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله، و‏(‏الوابل الصيب‏)‏ لتلميذه ابن القيم رحمه الله وأمثالها من كتب أهل العلم في الأذكار الشرعية، ومن ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة المكتوبة استغفر ثلاثاً وقال‏:‏ ‏اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد

ويدعو الإنسان ربه سراً تضرعاً وخفية، ولا يدعو بمحرم، ويدعو الله تعالى في صلاته وفي غيرها باللغة العربية وبغيرها من اللغات على حسب ما يتيسر له، ولا تبطل صلاته إذا دعا فيها بغير اللغة العربية، وينبغي له إذا دعا في صلاته أن يتحرى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية في الصلاة، وأن يجعلها في مواضعها منها مقتديا في ذلك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ألف بعض العلماء في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم وأدعيته في الصلاة وغيرها كتباً، منها‏ (‏الكلم الطيب‏)‏ لابن تيمية، و‏(‏الوابل الصيب‏)‏ لابن القيم، وكتاب ‏(‏رياض الصالحين‏)‏ للنووي، و‏(‏الأذكار‏)‏ له أيضاً

وذكر الله سبحانه عام، يشمل‏ فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويشمل‏ التسبيح والتهليل والتحميد جهراً وسراً، وقراءة القرآن ونحو ذلك مما شرعه الله من الأقوال والأفعال، وليس منه الطبل والتصفيق والذكر الجماعي، بل ذلك بدعة لا يجوز

ودعاء الله بأسمائه الحسنى والتوسل إليه بها مشروع؛ لقوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) الأعراف: 180، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏ (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة) وللداعي أن يتوسل إلى الله بأي اسم من أسمائه الحسنى، التي سمى بها نفسه، أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو اختار منها ما يناسب مطلوبه كان أحسن، مثل‏:‏ يا مغيث أغثني، ويا رحمن ارحمني، رب اغفر لي وارحمني إنك أنت التواب الرحيم

وأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يسمى الله جل وعلا إلا بما جاء في القرآن أو صحت به السنة

و‏الحنان‏ ليس من أسماء الله تعالى، وإنما هو صفة فعل، بمعنى‏:‏ الرحيم، من الحنان بتخفيف النون وهو الرحمة، قال الله تعالى (وحناناً من لدنا) مريم: 13، أي‏:‏ رحمة منا، على أحد الوجهين في تفسير الآية

وأما ما جاء في بعض الأحاديث من تسمية الله تعالى ب(‏الحنان‏)‏ فإنه لا يثبت، وأما (‏المنان‏)‏ فهو من أسماء الله الحسنى الثابتة، كما في ‏سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع داعيا يدعو‏ (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. صححه الألباني

الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه كان يقول‏ (سبحان الله عدد خلقه)، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس عن جويرية (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال‏:‏ ‏ما زلت على الحال التي فارقتك عليها،‏ قالت‏:‏ نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن‏:‏ سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. وفي لفظ لمسلم أيضا‏:‏ عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته

أما الاستغفار‏ فالثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر الاستغفار، وأنه كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة، وقد جاءت الآيات والأحاديث في الحث على الاستغفار وفضل المستغفرين، فقال الله تعالى (والمستغفرين بالأسحار) آل عمران: 17، وقال تعالى (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى) هود: 3

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سيد الاستغفار أن تقول‏:‏ اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال‏:‏ من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. أخرجه البخاري

فيشرع لكل مسلم ومسلمة أن يحرص على أن لا يفوته هذا الفضل الكبير والثواب العظيم، وأن يقتصر على ما ورد عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم

أما قول استغفر الله عدد خلقه، فلا أصل لها بهذا اللفظ، فالأولى تركها؛ لأن الذكر والاستغفار عبادة لا يصحان إلا بتوقيف

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/1/18 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي