الدرس 147: الربا 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 15 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1586 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (وعصيره بعصيره) أي: عصير الربوي بعصيره، كعصير عنب بعصير عنب، لأنهما متساويان في الكيل، لأن العصير مائع وكل مائع فهو مكيل

قوله (ورُطبه برطبه) كرُطب برُطب بشرط أن يتساويا في الرطوبة، لأن الجاف ناقص عن الرطْب

قوله (ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما) هذه المسألة يعبر عنها الفقهاء بمد عجوة ودرهم

مثال ذلك: باع تمراً بتمر، ومع كل واحد منهما دراهم، يعني باع صاعاً من تمر ودرهماً بصاع من تمر ودرهم، فلا يجوز، هذا معنى قوله (أو معهما من غير جنسهما) فهنا مع المبيعين من غير جنسهما، هذا على قول المؤلف لا يجوز وهو قول المذهب

وقوله (ومعه) مثل أن يبيع صاعاً من التمر ودرهماً بصاع من التمر فلا يجوز أيضاً، لأن مع أحدهما من غير جنسه، وهذا مبني على أن الصفقة إذا جمعت بين شيئين وزع الثمن على الشيئين على وجه الشيوع، وحينئذ نجهل التساوي بين الربويين

مثال ثاني: باع صاعين من التمر بصاعٍ ودرهم من التمر، فلا يجوز، لعدم التماثل بين التمر

مثال ثالث: باع درهمين بدرهم وتمر فلا يجوز، لأن مع أحدهما من غير جنسه

والدليل: حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه اشترى قلادة فيها خرز وذهب باثني عشر ديناراً، ثم فصل الذهب من الخرز فوجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تباع حتى تفصل. رواه مسلم

أي: حتى يفصل بعضها من بعض، ويعرف قدر الذهب من الخرز، ووجه النهي أنه تبين أنه اشترى ذهباً بذهب أقل منه، لأنه لما فصل هذه القلادة وجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فلما كان الاحتمال وارداً في مثل هذا فإنه يمنع منه سداً للباب، حتى لا يتجرأ أحد على أن يبيع شيئاً ربوياً بجنسه ويضيف إلى أحدهما شيئاً يسيراً، مثل أن يقول: أنا أبيع مثلاً كيلو من الذهب بكيلو إلا يسيراً وأجعل مع الثاني الذي نقص منديلاً مثلاً، فهذه حيلة، فسد الباب

قال العلماء رحمهم الله: هذا سداً للذريعة، لأن باب الربا أمره عظيم، ولهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع العينة، وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل، ثم يشتريه نقداً بأقل مما باعه به، لئلا يكون وسيلة إلى التحيل على الربا بأن يعطيه ثمانين درهماً، وتكون مائة درهم في ذمته

لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله خالف في هذا، وقال: إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره، وكانت هذه الزيادة تقابل الشيء الآخر، فإن ذلك جائز، والحاجة قد تدعو إليه

مثاله: باع صاعين من التمر بصاع ودرهم، والصاع الزائد في الطرف الذي ليس فيه إلا التمر يساوي درهماً، قال: هذا لا بأس به، لأننا نجعل الصاع الزائد في مقابل الدرهم، والصاع الثاني الذي مع الدرهم، في مقابلة الصاع الآخر، وليس في هذا حيلة إطلاقاً، والحاجة قد تدعو إلى ذلك، فقد يكون هذا الإنسان عنده تمر من خلاص الخرج صاعان، وهذا عنده تمر من نوع آخر، لكن ليس عنده صاعان، عنده صاع واحد وعنده دراهم، فقال: أنا أعطيك هذا الصاع ودرهماً، والصاع يساوي الصاع الآخر لا يزيد ولا ينقص

فما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أصح

مثال آخر: إذا اشترى كيساً من البر بنصف كيس من البر ومع الثاني سيارة مثلاً، فلا يجوز، لأن البر لا يقابل السيارة، وهذا قول ابن تيمية أيضاً، وهو وجيه، فإذا قال: أريد أن أبيع صاعاً ودرهماً بصاع ودرهم، فهذا لا يجوز على المذهب، وعلى رأي الشيخ يجوز إذا كانت القيمة واحدة وهو الصحيح

قوله (ولا تمر بلا نوى بما فيه نوى) هناك تمر يعجن، وينزع نواه ويسمى عندنا العبيط، فإذا جاء إنسان وقال: أريد أن أبيع عليك تمراً فيه نوى بتمر لا نوى فيه، أي: بعبيط، فلا يجوز حتى لو تساويا كيلاً أو وزناً لأن النوى زائد على التمر، فإذا وزناهما جميعاً فإن النوى سوف يكون لا مقابل له فلا يصح

وأيضاً النوى حجمه كبير يسع مساحة بالنسبة للكيل والوزن أيضاً، فلا يمكن التساوي، لكن لو اشترى تمراً بلا نوى بتمر بلا نوى مع التساوي جائز، كما جاء في الحديث

قوله (ويباع النوى بتمر فيه نوى) لأن الذي باع النوى بتمر فيه نوى يقصد التمر لا يقصد النوى، لأنه لو كان قصده النوى، لعرف أن النوى سوف ينقص عما اشتراه به، فتبين بهذا أن القصد له أثر في الحل والتحريم

قوله (ولبن وصوف بشاة ذات لبن وصوف) اللبن والصوف على المشهور من المذهب يجري فيهما ربا، لأن اللبن مكيل، والصوف موزون، وكان اللبن مكيلاً، لأنه مائع، والصوف كان موزوناً، لأنه لا يمكن كيله، فإذا باع لبناً وصوفاً بشاة ذات لبن وصوف فإن ذلك جائز، لأن الصوف على القول الصحيح ليس ربوياً، وأما اللبن فإن كان أهل هذا البلد قد اعتادوا أن يكون قوتهم اللبن فإننا نلحقه بالبر والتمر والشعير، وأما الذين لا يرونه قوتاً كما عندنا في بلاد الحرمين فليس ربوياً، لأنه لم ينص عليه ولا هو في معنى المنصوص، بل هو من جنس الشراب الذي يشرب من غير اللبن

قوله (ومرد الكيل لعرف المدينة، والوزن لعرف مكة زمن النبي صلى الله عليه وسلم) أي: مرد كون الشيء مكيلاً أو كون الشيء موزوناً إلى عرف مكة والمدينة، فالكيل نرجع فيه إلى عرف المدينة، فلو كان هذا الشيء مكيلاً في المدينة، وموزوناً في مكة فإننا نعتبر المكيل بالمدينة، ولو كان هذا الشيء موزوناً في مكة مكيلاً في المدينة رجعنا إلى مكة

فعليه يختلف الحكم فيما إذا كان الإنسان في مكة، أو إذا كان في المدينة، فإذا كان في المدينة فالمكيال مكيال المدينة، وإذا كان في مكة فالميزان ميزان مكة، فإن اتفق البلدان على كون الشيء مكيلاً أو موزوناً صار هذا الشيء مكيلاً أو موزوناً، سواء كان في مكة أو في المدينة والمعتبر عرف مكة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا قد يجهله كثير من الناس فلا يعلمه

وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله ضوابط للمكيل والموزون من أن كل مائع مكيل

ومنها أن ما تعذر كيله يعتبر بالوزن كالخبز والتمر المكنوز وما أشبه ذلك، فإنه يعتبر بالوزن لكن لا يخرج عن كونه مكيلاً

وهناك أشياء لا يعرف لها كيل ولا وزن في مكة والمدينة

قال المؤلف (وما لا عرف له هناك اعتبر عرفه في موضعه) أي: نرجع إلى العرف في موضعه، فإن كان الناس يتبايعونه بالوزن فهو موزون، أو بالكيل فهو مكيل، أو بالعدد فهو معدود

وما نص الشرع عليه مثل التمر مكيل، والبر مكيل، والشعير مكيل، والزبيب مكيل والملح مكيل، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قدر زكاة الفطر بالكيل، فقال (صاع من تمر وصاع من شعير) أخرجه البخاري ومسلم

وكذلك قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه (كنا نخرجها صاعاً من طعام وكان طعامنا يومئذ التمر والشعير والزبيب والأقط) أخرجه البخاري

فما نص الشرع على أنه مكيل فهو مكيل، وليس لنا أن نتعدى، أما ما لم ينص عليه فإنه يعتبر عرفه في موضعه إن كانوا يبيعونه بالوزن فهو موزون، وإن كانوا يبيعونه بالكيل، فهو مكيل وإن كانوا يبيعونه بالعد فهو معدود

والناس الآن يتبايعون الأرز والبر بالوزن غير أن المنصوص عليه على أنه مكيل

فإذا أردنا أن نبيع براً ببر لا نعتبر الوزن، بل نعتبر الكيل، لأن هذا مكيل بالنص فلا نتعدى النص

والذرة نرجع فيها إلى العرف، لأنه ليس هناك نص على أن الذرة من المكيل

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

15-01-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر