لا تغضب

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1411 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين ، الذي جعل الحلم شعار الصالحين، وجعل الغضب سمة الحمقى ونعت المفسدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحليم الكريم، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، ذو الخلق العظيم، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على سيرهم القويم أما بعد، عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:" أوْصِنِي، قالَ:لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ." رواه البخاري ، فالغضب مفتاحُ الشرور والآثام، وبريدُ التفرق والانقسام ، به يستدل على ضعف العقل، وخطلِ الرأي، وسوءِ التدبير، ووهن الدين، وكم يجر الغضب من المآسي ، والفواجع على الأسر والعائلات ، وكم يمزق من الروابط الوثيقة والعلاقات العريقة ، فبسببه يفارق الأخ أخاه، والولدُ أباه، وتُحرم الزوجة من أولادها ، وحنان بعلها ، وليست قوةُ الرجال في البطش والقهر، إنما القوةُ الحقيقية في ملك زمام النفس عند هيجان الغضب، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.) رواه البخاري ومسلم ، فالقوي من الناس من يستعمل عقله، ويحزم رأيه، ويضبط نفسه عند الغضب، فلا يجعل للشيطان سبيلاً عليه ، كما أن صفة الحلم من الصفات التي يمدح الله بها المرسلين، لما لها من أثر واضح في تمكين دعوته، فقد وصف الله عز وجل بها إبراهيم عليه السلام فقال جل وعلا (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) هود: 75، وقال تعالى في إسماعيل (فبشرناه بغلام حليم) الصافات: 101ولقد أثنى الله عز وجل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالصفات الكاملة والأخلاق الحميدة، حيث قال تبارك وتعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم:4، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في حسن الخلق والحلم، والصفح والعفو، فقد لقي الكثير من أذى قومه فكان صابراً على أذاهم، ممتثلاً أوامر ربه، قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) الأعراف:199وكان صلى الله عليه وسلم يطلب لقومه الهداية ويعفو عنهم، ولما أكثروا من إيذائه لم يدع عليهم بالانتقام بل قال (اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون) رواه البخاري ، وسيرةُ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم تفيض إشراقاً بمواقف العفو والحلم، وتعد نماذج لمن ينشد معالي الأمور ويطلب الحياة الكريمة ، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني، غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت به حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء) ، وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى) ، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (كان خلقه القرآن ) صححه الألباني في صحيح الجامع أي ولا فخر ، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" قام أعرابيٌّ فبالَ في المسجِدِ فتَنَاوَلَهُ الناسُ فقال َلهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : دعُوهُ فأهْريقُوا على بَوْلِهِ سَجْلَ ماءٍ أو ذَنُوبًا من ماءٍ فإنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ) ، وهكذا كانت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم أخلاقاً كريمة، وصفات حميدة، فلنحرص جميعاً على الاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أخلاقه، لكي نحظى برضى الله تعالىواعلموا رحمكم الله تعالى أن الإنسان في هذه الحياة سواء كان موظفاً في وظيفته، أو صانعاً في مصنعه، أو تاجراً في متجره، يخالط غيره من الناس، ويتعامل مع أبناء جنسه، وقد يسمع ما يثير أعصابه، فعليه أن يتحلى بالصبر، وأن يتخلق بالإحسان، ويتزين بمكارم الأخلاق، ويضع بدل الإساءة إحساناً، ومكان الغضب عفواً وحلماً، وأن يتذكر دائماً قول الله جل وعلا في محكم كتابه (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فصلت: 34-35

" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " آل عمران: 133-134

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد ، عباد الله ، من غرس الحلم جنى ثمرته، والحلم يعرف ساعة الغضب، وخير الناس بطيء الغضب، سريع الرجوع عنه، وشرهم سريع الغضب، بطيء الرجوع للرضا، ومن كمال العقل من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حقك، وكن سهلاً لينا للقريب والبعيد، والعاقل يدرأ عن نفسه غضب الناس عليه من سخريته بهم أو استهزاء، أو تنقص مكانتهم أو تعدي على أعمالهم أو وقوع في عرضهم بغيبة أو بهتان أو افتراءثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب: 56

اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر عثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئنا رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفها الا أنت، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، اللهم وفق إمامنا لهداك واجعل عمله في رضاك ومتعه بالصحة والعافية يارب العالمين، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم احفظ جنودنا في الحد الجنوبي، وبلادنا من كيد الكائدين وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا، وجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَرون " النحل 90 ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، " ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45

1439-01-03 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي