نقاء السريرة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 1 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 3190 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، الذي يعلم الجهر وما يخفى، ولا يقبل من العمل إلا خالصه، وهو أكرم الأكرمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ينظر إلى أجسام الناس، وصورهم وظواهرهم، ولكن ينظر إلى ما في قلوبهم، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، خير المخلصين، وأعظم الناس خلقاً، وأنقاهم سريرة، اللهم صل وسلم عليه، وعلى آله وصحبه ذوي السرائر النقية، الذين عرفوا ربهم فقدروه حق قدره، ففازوا برضاه، وعظيم أجره، وثوابه (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) البقرة:(5)

أما بعد، عباد الله

اتقوا الله تعالى وأطيعوه، قال تعالى (يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء: (88-89)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم عن البشير بن نعمان ، فعلامة القلب الصالح صلاح الأعضاء، واستعمال الإنسان لها فيما يرضي باسط الأرض ورافع السماء، لأن صاحب القلب النقي التقي مستمسك بالدين، وسائر على الصراط المستقيم، ينطق لسانه بالصدق، وينظر بعينه إلى الحلال، ويستمع بإذنه الخير، ويمد يده بالإحسان وجملة ذلك أن صاحب السريرة النقية يسره فعل الخير، ويسوؤه فعل الشر، ويطيع الله ورسوله في ليله ونهاره، وسره وجهره (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) الأحزاب: 71وإنما يكون القلب صالحاً إذا كان بالإيمان عامراً، لأن في طهارة القلوب وصلاحها، صلاحاً لسائر أعمال الإنسان، فالقلب هو مستقر العقيدة، ومصدر الأعمال، وبصلاحه يتم صلاح سائر الجسد، وبفساده يكون فساد سائر الجسد، لأن القلب عليه مدار العمل كله، بل إن الإيمان نفسه لا يستقيم إلا إذا كان التصديق نابعاً من القلب السليم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه) حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ، وقد أثنى الله تعالى في القرآن الكريم على الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان، وأخلصوا لله عز وجل القول والعمل، وامتدح نقاء سريرتهم، وحبهم للمهاجرين، قال الله عز وجل (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) الحشر: (9) ، وذلك لطهارة قلوبهم، وصفائها من الحقد والحسد، بل إنهم آثروا إخوانهم المهاجرين، وقدموهم على أنفسهم حتى إن من كان عنده زوجتان تنازل عن واحدة لأخيه المهاجر كما كان من تضرعهم إلى الله تعالى، ودعاؤهم له هو قولهم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم) الحشر:(10) ، ولهذا نهى الإسلام عن التحاسد والتباغض، وأكد على وجوب حب المسلم لأخيه المسلم ، واعتبر ذلك جزءاً من الإيمان، لا يكمل إلا به، وهو بهذا التشريع يقيم المجتمع الإسلامي على علاقات متينة قوية، يشد بعضها بعضاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَحاسَدُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدابَروا وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا.) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري

واعلموا رحمكم الله تعالى أن القلب التقي النقي الصافي، السليم من الحسد والغل والبغضاء للمسلمين ينال الفوز برضوان الله تعالى، والبشرى بالجنة.

فلا عجب في ذلك أيها الأحبة فإن القلب محل نظر الله العليم الخبير (يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء:88-89

وقال تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين) المائدة:27

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى صوركم، وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم

هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق العباد لعبادته وهداهم إلى سبل طاعته، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله وأشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً .

أما بعد أيها الناس:

إن نقاء السريرة من أعظم وسائل الثبات على دين الله، فليحرص الإنسان على تصفية قلبه من الأدناس وليتحرى طيب الكلام وأحسنه ومقابلة الإساءة بالإحسان والله تعالى يقول (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) الأعراف:199. ويقول جل ذكره (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزَغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا)الإسراء:53.

فحق علينا أيها المؤمنون أن نسعى إلى تنقية قلوبنا ليستنير العقل و تطمئن النفس و حقٌ على من يبتغى السعادة لنفسه و أهله أن لا يذهب به الطمع في متاع الدنيا فيجره ذلك إلى التنافس فيها ثم إلى إغارة الصدور في تحصيل حطامها

هذا وصلوا و سلموا على الهادي البشير و السراج المنير فقد أمركم بذلك علام الغيوب في كتابه المبين فقال عز من قائل عليما (إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه و سلموا تسليما)الأحزاب:56. اللهم صل و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمد النبي الصادق الأمين و على أهل بيته الطيبين و خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي و سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك و كرمك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام و المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق و الدين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح لنا ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك و اتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين

اللهم وفق إمامنا واجعله هادياً مهديا، اللهم زده من البر والتقوى وجنبه أسباب الشر والبلوى اللهم احفظ به أمن البلاد وأمن به سبلها و احرس به حدودها ووفقه لهداك واجعل عمله في رضاك ، اللهم انصر جنودنا على الرافضة في الحد الجنوبي

اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك المبين واتِّباع سنة نبيك صلى الله عليه وآله و سلم

اللهم من علينا بالفضل والإحسان وعاملنا بالعفو والغفران و اهدنا سبل السلام و اهدنا لصالح الأعمال والصدق في الأقوال وارزقنا طهارة في القلوب وحبا للخير لعبادك المؤمنين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201.

وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1439-1-1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي