وداع العام الهجري

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 28 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1369 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله مصرف الأحوال، ومدبر الأمور، الحي القيوم، الباقي على مر العصور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الملك العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه

أما بعد، عباد الله

إن لكل شيء بداية ونهاية، وإن نهاية عامنا هذا قد آذنت بالرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، ويأتي يوم القيامة فيشهد بالأعمال، فكم أشهر ذهبت لم نعرف لها حساب، وكم أعوام ارتحلت وأعمالنا مسطورة في كتاب، فودعوا رحمكم الله عامكم هذا بالخيرات، وصالح الأعمال، عسى أن تفوزوا من الله بالفضل والإقبال، وشيعوه أحسن تشييع، فإنه يأتي يوم القيامة شاهداً، فمن كانت أعماله صالحة فاز بالسلامة، فاختموا عامكم هذا بالتوبة النصوح "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون" (الحشر: 19)

لقد نسوا لقاء ربهم فأنساهم أنفسهم، فأضاعوها وأهملوها، فاصطلت بنار المعصية، فخسرت الدنيا والآخرة، فاعتبروا رحمكم الله تعالى بمضي الشهور والأيام، وتذكروا بانقضائها انقضاء للعمر، ولنعتبر بمن مضى من الأمهات والآباء، والإخوان، والزوجات، والأبناء، والأحبة والأصدقاء، فالسعيد من أقام له من نفسه واعظا، ومن الزمان رادعا، قال تعالى:" أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون" (التوبة: 126)

ولنأخذ من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة والهدى، ومن أصحابه وأتباعه رضوان الله عليهم القدوة الحسنة، في الإقبال على طاعة الله عز وجل، والإخلاص له وحده لا شريك له، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه، فقالت له عائشة رضي الله عنها: لم تصنع هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً.رواه البخاري.

فأين من يسلك هذا المسلك السديد؟ وأين من يعقل لسانه عن الكذب، وقول الزور، والغيبة والنميمة؟

فتمسكوا رحمكم الله تعالى بطاعة الله، وأخلصوا العبادة له عز وجل، وليحاسب كل منا نفسه قبل يوم الحساب، وليقف كل منا مع نفسه ساعة ليسألها أين هي من المحافظة على حقوق الله تعالى؟ واتباع أوامره، واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأين هي من أداء حقوق عباد الله تعالى؟ وتمسكها بالصدق والوفاء، وكرم الأخلاق، علينا أن نحتسب في هذه الأيام، فإنها مراحل نقطعها إلى الدار الآخرة، وكل يوم يمر بنا فإنه يبعدنا من الدنيا ويقربنا إلى الآخرة، فطوبى لعبد اغتنم العمر، وعمل بما يقربه إلى مولاه عز وجل، وشغل حياته بطاعة الله تعالى.

فودعوا رحمكم الله تعالى عامكم هذا بالتوبة النصوح، واستقبلوا العام المقبل الجديد بالعمل الصالح الخالص لله وحده لا شريك له

واعلموا رحمكم الله أن في تجدد الأعوام، فرصة كبرى لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز"وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً" (الفرقان: 62)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا وأسأله تعالى أن يختم لنا بالصاحات، والخيرات الحسان، وأن يعيذنا من الشك والشرك، والنفاق والشقاق، وأن يهب لنا الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، ونشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، معاشر المؤمنين: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ."

إن الله تعالى جعل خاتمة كل عام وفاتحته شهراً محرماً وموطناً يغتنمه العبد بالتوبة وإصلاح الحال والزيادة في الخير، فتزودوا عباد الله من الأعمال الصالحة، ولا تغتروا بهذه الدنيا الفانية، واعلموا أنكم راحلون عما قريب ومفارقون لهذه الدنيا، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وليست الغبطة بطول العمر، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد في طاعة مولاه وخير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله، فعلينا أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا تبارك وتعالى وشكره وحسن عبادته، ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسد من أعمالنا ومراقبة من ولانا الله تعالى أمرهم من زوجات وبنين وبنات فما قامت الدنيا إلا بقيام الدين ولا نال العز والكرامة والرفعة إلا من خضع لرب العالمين ولا دام الأمن والرخاء إلا باتباع منهج سيد المرسلين ولئن استمرت زهرة الدنيا مع المعاصي والانحراف فإن ذلك استدراج يعقبه الهلاك.

ألا و صلوا رحمكم الله على خير البرية، وأفضل البشرية، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال عز وجل "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" (الأحزاب:56)

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر و عمر و عثمان و علي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام و المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وارحم موتانا وموتى المسلمين واشف مرضانا ومرضى المسلمين اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، يا ذا الجلال والإكرام اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا عاصيا إلا رددته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك، "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار." (البقرة:201).

عباد الله:" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون." (النحل:90).

1438/12/28هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي