تقوى الله

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 27 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1486 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه وتعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما) النساء: 40 ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد، عباد الله

أوصيكم بتقوى الله تعالى (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) البقرة: 281، اتقوا يوم الحساب، اتقوا يوماً يوضع فيه الكتاب، وتلاقون فيه الحساب، يوماً ينشر فيه ملف الأعمال من خير أو شر (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً) الكهف: 49

ووضع الكتاب: إظهار صحف الأعمال، واعطاء كل امرئ كتابه، وإبراز ما سجل له فيه (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً* اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) الإسراء: 13 ، 14

بمعنى محاسباً (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)يس:65، وقال تعالى (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فصلت: 21

وروى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال (هل تدرون مما أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: مِن مخاطبة العبد ربه فيقول: يا رب ألم تجرنِ من الظلم؟ فيقول سبحانه: بلى. فيقول: إني لا أجير اليوم شاهداً إلا مني، فيقول تعالى: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً والكرام الكاتبين شهوداً. قال: فيختم على فيه ويقول لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام، فيقول: بعداً لكنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضل)

فاتقوا الله فإن أمامكم يوم عظيم وهول جسيم، ذلك الموقف الذي سيُقدم كل منا فيه للمساءلة والمحاسبة، وسيوقف فيه بين يدي الله عز وجل متخلياً عنه فيه أقرب وأصدق صديق (يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبينه* لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)عبس:34-37، (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) النحل: 111، (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) النبأ: 40

موقف لا تزول قدما امرئ فيه حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عمله ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه

في ذلك الموقف العظيم لا يجد المرء أمامه إلا عمله من خير أو شر ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد) آل عمران: 30

فاحرصوا رحمكم الله تعالى على تقوى الله عز وجل باتقاء محارمه، والوقوف عند حدوده، وامتثال أوامره، لتسعدوا في ذلك اليوم العظيم، فإن بعد ذلك الحساب، إما فرحة لا حزن بعدها، وإما حزن لا سرور بعده

فبعد الحساب، وقراءة الكتاب، ينقسم الناس إلى قسمين: مسرور يتلألأ وجهه حبوراً وبهجة، آخذاً كتابه بيمينه، يرفعه لمن حوله قائلاً (هاؤم اقرءوا كتابيه) أي هلموا انظروا، حسن نتيجة محاسبتي، ونقاء صفحتي، وما تقرر في مصيري النهائي، (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه* إني ظننت أني ملاق حسابيه* فهو في عيشة راضية* في جنة عالية* قطوفها دانية* كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) الحاقة: 19-24

وآخر يتمنى أنه لم ير صحيفة أعماله (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه* ولم أدر ما حسابيه* يا ليتها كانت القاضية* ما أغنى عني مالية* هلك عني سلطانيه) الحاقة: 25-29

وإن ما تشاهدونه في أيام الاختبارات، وخروج نتائج الامتحانات المدرسية مما يبدو على وجوه الطلبة من فرح أو حزن، ليذكرنا بالحساب الأكبر، والنتائج العظمى التي لا استئناف فيها ولا تمييز، ولا اعتراض عليها، فهو حكم أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، الذي لا تخفى عليه خافيه في الأرض ولا في السماء

روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) .

فاتقوا الله أيها المسلمون، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واعملوا لما بعد الموت

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير

أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد، عباد الله

أوصيكم بتقوى الله فاستمسكوا بالعروة الوثقى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فإن الكيس من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ثم اعلموا رحمكم الله تعالى أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله وخليله، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، والزموا جماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، ثم صلوا على نبي الرحمة والهدى، امتثالاً لقول الله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب:56

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المجاهدين ، واهزم الكفر والكافرين والمشركين والملاحدة ، ودمر أعداء الدين

اللهم احفظ إمامنا، وأيده بنصرك، ووفقه لما تحب وترضى، إنك على كل شيء قدير. وأصلح أئمة المسلمين وولاة أمورهم واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء وسائر بلاد المسلمين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة

اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واقض حاجاتنا، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا

عباد الله

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90.، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1438-12-27 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي