الدرس 142: خيار لاختلاف المتبايعين 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 2 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1274 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (وإن أتلفه آدمي خُيِّر مشترٍ بين فسخ، وإمضاء، ومطالبة متلفه ببدله) هذه ثلاثة للمشتري يختار أيها شاء فمطالبة متلفه ليست داخلة في التخيير، لكنها مفرعة على الإمضاء، فإذا أمضى طالب مُتلفه ببدله

إذاً إذا تلف المكيل ونحوه فعلى أربعة أقسام

الأول: أن يتلفه البائع، فإذا أتلفه البائع ضمنه، لأنه ربما تكون القيمة قد زادت بين الشراء والإتلاف، فالمشتري يرجع على البائع بما زاد على الثمن إن زادت القيمة، لأن البائع أصبح ظالماً

الثاني: أن يتلف بآفة سماوية فينفسخ البيع، ويرجع المشتري بالثمن إن كان قد سلمه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، فجعل ضمانه على البائع ولا يرجع بشيء

الثالث: أن يتلفه ما لا يمكن تضمينه من آدمي أو غيره، فحكمه حكم ما تلف بآفة سماوية، أي ينفسخ البيع

الرابع: أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه فيخير المشتري بين أن يفسخ البيع، ويرجع على البائع بالثمن، أو يمضي البيع ويرجع على المتلف بالبدل

مثال ذلك: اشترى شخص كيساً من الأرز، كل كيلو بكذا، فجاء آدمي فأتلفه بإحراق أو غير ذلك، فللمشتري الخيار إن شاء فسخ البيع ورجع على البائع بالثمن، أو يبقى البيع على ما هو عليه ويرجع على المتلف بالبدل أي بمثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان متقوَماً، فالأرز من المثليات فيرجع عليه بمثل الأرز الذي أتلفه

ولا يمكن أن يكون المكيل إلا مثلياً ما لم ينتقل هذا الطعام إلى صنعة، فيصنع خبزاً أو طبيخاً، فحينئذ يكون غير مثلي

قوله (وما عداه يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه) أي ما عدا ما اشتري بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع فيجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه على قول المؤلف

مثاله: باع سيارة معينة ولم يقبضها المشتري فيجوز للمشتري أن يتصرف فيها قبل القبض؛ لأن السيارة ليست مبيعاً بكيل حتى يحتاج إلى كيل، وربما بعد الكيل يزيد أو ينقص، أو وزن وربما يزيد أو ينقص، فهذا شيء معين يجوز أن تبيعه قبل قبضه ولو في مكان بيعه

والصحيح أنه لا يجوز أن يتصرف في المبيع قبل قبضه مطلقاً في كل شيء، وهذا ما ذهب إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد أخرج البخاري واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يفبضه) قال ابن عباس (وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام) واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن المبيع لا يباع قبل القبض سواء بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع أو رؤية سابقة أو صفة

ويؤيد هذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا طعاماً جزافاً يُضربون في أن يبيعوه في مكانهم ذلك حتى يؤوه إلى رحالهم) أخرجه البخاري ومسلم

فائدة

يجوز بيع ثمر النخيل على رؤوس النخل فإذا اشتريت ثمراً ثم بعتُها جاز

وهي من ضمان البائع فلو تلفت بآفة سماوية بعد أن بعتُها رجع المشتري علي وأنا أرجع على البائع الأول

قوله (وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه) أي ضمان المشتري، و (ما) هنا اسم موصول بمعنى (الذي)، و (عدا) بمعنى (جاوز) أو بمعنى (سوى) أي إن تلف ما سوى المبيع بكيل ونحوه وهو الوزن والعد والذرع

(فمن ضمانه) أي من ضمان المشتري

ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) أخرجه البخاري ومسلم

فجعل الملك ينتقل بمجرد العقد، والأصل أن الضمان على من انتقل الملك إليه لحديث (الخراج بالضمان) أخرجه ابن حبان عن عائشة وصححه الترمذي، أي من له غنم شيء فعليه غرمه، فكما أن الملك للمشتري وله غنم المملوك فعليه أيضاً غرمه

فالمؤلف لم يستثن إلا ما بيع بكيل ونحوه

والصواب وإن تلف ما عدا المبيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع أو صفة، أو رؤية سابقة أو الثمر على الشجر فمن ضمان المشتري

قوله (ما لم يمنعه بائع من قبضه) فإنه يكون من ضمان البائع

مثال ذلك: باع عليه سيارة، والسيارة ليست بكيل، ولا وزن، ولا عد، ولا ذرع، ولا برؤية سابقة ولا صفة، فأراد المشتري أن يأخذها فمنعه البائع، فالضمان على البائع، ويضمنها ضمان غصب، ومعنى ضمان الغصب أن عليه أجرتها مدة منعه إياها، وأنها لو تلفت ضمنها بقيمتها وقت التلف، لا بما وقع عليه العقد، أي بما تساوي وقت التلف سواء زادت على ثمنها أم نقصت، فإن زادت فالغنم للمشتري فزيادة سعرها من مصلحته، فإن كان قد اشتراها بخمسين ألفاً ومنعه البائع من قبضها واحترقت وكانت تساوي حين الاحتراق ستين ألفاً، فإن البائع يضمن ستين ألفاً لأن المشتري له غنمها وعليه غرمها، والبائع يضمنها ضمان غصب

وإن كانت حين احتراقها لا تساوي إلا أربعين، والشراء بخمسين، فالبائع يضمنها بخمسين

فقوله (ما لم يمنعه بائع من قبضه) سواء تمكن من قبضه أم لم يتمكن، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن المدار على التمكن من القبض، فما تمكن المشتري من قبضه فعليه، وما لم يتمكن من قبضه فعلى البائع. وقال إن هذا هو منصوص الإمام أحمد، وكلامه أقيس؛ لأن الثمرة على الشجرة إنما كانت من ضمان البائع؛ لأن المشتري لن يأخذها جملة بل سيتفكه ويأخذها شيئاً فشيئاً، والمبيع بكيل أو نحوه ما دام لم يكل ولم يعرف مقداره فضمانه على البائع؛ لأن المشتري لا يتمكن من قبضه

وعلى هذا فإن بيع الشيء جزافاً لا يصح بيعه، وإن تلف ضمن المشتري؛ لتمكنه من قبضه

يفهم من قول المؤلف (ما لم يمنعه بائع من قبضه) أن ما كان ضمانه على شخص فمنع منه عاد الضمان على البائع؛ لأن الضمان فيما عدا ما بيع بكيل ونحوه من ضمان المشتري إلا إذا منعه البائع، والعكس كذلك، ما كان من ضمان البائع إذا سلمه المشتري، ولكن المشتري أبى حتى تلف، فإن الضمان حينئذٍ يكون على المشتري؛ لأن البائع قد بذله ولكنه امتنع، فالبائع يقول أنت الآن وضعته عندي على سبيل الوديعة، فضمانه عليك

مثال ذلك: باع عليه براً مكايلة، فقال له البائع خذه، فقال المشتري انتظر، ثم تلف، فالضمان على المشتري لأنه تأخر وفرط، ولأنه ربما يؤدي ذلك إلى المضارة بالبائع بحيث يحبس المبيع عنده حتى يتضرر بشغل مكانه

فما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع أو صفة أو رؤية متقدمة لا يصح التصرف فيها حتى تستوفى وكلها مضمونة على البائع حتى تستوفى

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

02-12-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي