الدرس 141: خيار لاختلاف المتبايعين 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 1 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1177 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

القسم الثامن من أقسام الخيار خيار لاختلاف المتبايعين وهو إذا ظهر أن المشتري معسر أو مماطل على القول الراجح

قوله (ويثبت الخيار للخلف في الصفة) وهذا هو الخيار التاسع، والخلف في الصفة غير الخلف في الشرط السابق، الذي يشترط أن يكون كاتباً أو غير كاتب، فالخلف في الصفة أي أنه باعه شيئاً موصوفاً، مثل أن يقول بعتك سيارة صفتها كذا وكذا، ثم اختلفا في الصفة، فقال المشتري وصفتها لي بكذا، وقال البائع بل وصفتها بكذا فهنا لا مرجح لأحدهما فيثبت لهما الخيار

والقول الراجح ما سبق ذكره في الدرس السابق من أن القول قول البائع، أو يترادان، فيقال إما أن تقتنع بقول البائع، وإلا فالملك ملكه

قوله (ولتغير ما تقدمت رؤيته) أي لو باعه شيئاً معيناً، ثم تغير بعد ذلك قبل العقد، فإنه يثبت الخيار للمشتري، وهذا فيما إذا كان المبيع مما يمكن تغيره في مدة وجيزة، مثل بعض الألبان التي يكون لها وقت معين، أو غير ذلك من الأشياء التي تتغير قبل العقد

مثاله باع عليه لبناً وقد شاهده المشتري بالأمس، ثم في اليوم الذي عقد عليه البيع تغيرت صفته، فتنازعا في ذلك، عند ذلك للمشتري الفسخ؛ لأن المبيع تغير عن رؤيته السابقة

وبذلك تمت أقسام الخيار، والخيار يثبت فيما يفوت به مقصود أحد المتعاقدين، وإن لم يكن من هذه الأقسام التي عدها المؤلف رحمه الله

قوله (فصل) هذا الفصل عقده المؤلف لمسألتين

الأولى: التصرف في المبيع

الثانية: في ضمان المبيع

قوله (من اشترى مكيلاً ونحوه) (من) اسم شرط جازم، وجواب الشرط قوله (صح ولزم بالعقد)

رتب المؤلف على شراء المكيل ونحوه أحكاماً ابتدأها بقوله (صح ولزم بالعقد) هذا هو الحكم الأول والثاني

وقوله (مكيلاً ونحوه) كالموزون، والمعدود، والمذروع، فهذه ثلاثة أشياء بالإضافة إلى المكيل تكون أربعة، فإذا اشترى شيئاً من ذلك صح والفاعل يعود على الشراء

وقوله (ولزم بالعقد) أي يلزم بالعقد إلا أن يكون فيه خيار مجلس

قوله (ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه) رتب المؤلف على هذا الاشتراء ثلاثة أشياء

أولاً: الصحة، أي يصح العقد على المكيل قبل أن يكال وعلى الموزون قبل أن يوزن، وعلى المعدود قبل أن يعد، وعلى المذروع قبل أن يذرع، وذلك إذا تمت شروط الصحة وانتفت الموانع

ثانياً: لزم بالعقد، إذا لم يكن هناك خيار المجلس

ثالثاً: لم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه، بكيل إن اشتراه بكيل، وبوزن إن اشتراه بوزن، وبذرعٍ إن اشتراه بذرع، وبعدٍ إن اشتراه بِعد

فقوله (نصرفه) عموم أريد به الخصوص، فالمراد التصرف العوضي، أي بعوض، مثل البيع، والهبة بعوض، وجعله أجرة

وأما تصرفه فيه بهبة أو صدقة أو هدية وما أشبه ذلك فلا بأس، وهو المذهب أيضاً؛ لأن عمر رضي الله عنه باع على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعيراً، فوهبه النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عمر رضي الله عنه وكان راكبها قبل أن يقبضها من عمر. أخرجه البخاري عن ابن عمر

وهذا تصرف بهبة بغير معاوضة، ولهذا جاء في الحديث (فلا يبعه حتى يقبضه) أخرجه البخاري ومسلم، ومعلوم أن البيع معاوضة

وقوله (ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه) هذا هو الحكم الثالث، ولو كان مع البائع

مثاله: اشتريت مائة صاع من هذا الرجل، وهي عندي الآن بيدي، ثم بعتها عليه بثمنها أو أكثر فهل يصح

على كلام المؤلف لا يصح حتى مع البائع حتى يقبضه وهو المذهب

وقوله (من اشترى مكيلاً ونحوه صح ولزم بالعقد ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه) يقول المؤلف أن المكيل ونحوه لا يجوز التصرف فيه ولو بيع جزافاً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الذي دل عليه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافاً فنهاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبيعوه حتى يحوّلوه) أخرجه البخاري ومسلم

ولأن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال (يا رسول الله إن لي بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم؟ فقال: إذا ابتعت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه) أخرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان

و شيئاً نكرة في سياق الشرط فتكون للعموم

فالصحيح أن كل شيء لا يباع حتى يقبض

ثم انتقل المؤلف إلى الكلام عن ضمان المبيع قبل قبضه فقال (وإن تلف قبل قبضه فمن ضمان البائع) الضمير يعود على المكيل ونحوه مما بيع جزافاً أو بتقدير فقط، وهذا هو الحكم الرابع

فالمذهب أنه إذا كان بتقدير يعني بيع المكيل كيلاً، والموزون وزناً، والمعدود عداً، والمذروع ذرعاً، فهذا إذا تلف قبل القبض فمن ضمان البائع، وبعد القبض يكون من ضمان المشتري

مثال ذلك: بعت عليك هذا الكيس من الأرز، كل صاع بكذا، وقبل أن نكيله تلف إما بسرقة أو بأمطار حملته، أو ما أشبه ذلك، فالضمان على البائع؛ لأنه لم يستوف حتى الآن، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم (الخراج بالضمان) أخرجه أحمد صححه الترمذي

فكما أن الشارع منعني من بيعه والكسب فيه، فإن ضمانه على من هو في ملكه

قوله (وإن تلف بآفة سماوية بطل البيع) بمعنى انفسخ؛ لأن هذا التلف حصل به الانفساخ فالصواب انفساخ البيع وليس بطلانه لأن البطلان يكون بفوات شرط أو وجود مانع، وهنا لم يفت شرط، ولم يوجد مانع

وقوله (وإن تلف بآفة سماوية بطل البيع) الآفة السماوية كل ما لا صنع للآدمي فيه، مثل أمطار أتلفته، أو صاعقة أحرقته، أو رياح حملته، إلى غير ذلك

مثال ذلك

رجل باع على شخص كيس بر، كل صاع بكذا، ثم أتى السيل فحمله وذهب به، فالتلف هنا بآفة سماوية، فالضمان على البائع، فإن كان قد استلم الثمن رده على المشتري

ويشبه الآفة السماوية ما لا يمكن تضمينه، كما لو تلف بأكل حيوان له أو تلف بأكل الجند له، يعني مرت جنود السلطان فأخذته، فهذا يلحق بالآفة السماوية؛ لأنه لا يمكن تضمينه

قوله (وإن أتلفه آدمي) معين يمكن تضمينه

قوله (خُيِر مشترٍ بين فسخ وإمضاء ومطالبة متلفه ببدله) فهذه ثلاثة أشياء، وإذا أمضى طالب متلفه، فقوله (مطالبة متلفه) ليست داخلة في التخيير، لكنها مفرعة على الإمضاء

إذاً إذا تلف المكيل ونحوه فعلى أربعة أقسام

أولاً: أن يتلفه البائع

ثانياً: أن يتلف بآفة سماوية

ثالثاً: أن يتلفه ما لا يمكن تضمينه

رابعاً: أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه

وكل قسم من هذه الأقسام له حكم، أوضحناه آنفاً

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

01-12-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي