الدرس 184 أحداث السنة الثامنة من الهجرة 54

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 26 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1319 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وصف غزوة حنين

روى يونس بن بكير عن جابر بن عبد الله قال : خرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ، فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه ، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم ، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد ، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول : أيها الناس؟ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله، فلا شيء ، وركبت الإبل بعضها بعضا ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس ، ومعه رهط من أهل بيته علي بن أبي طالب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأخوه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأيمن ابن أم أيمن وأسامة بن زيد، ورهط من المهاجرين منهم أبو بكر وعمر والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء وهو عليها قد شجرها، ورجل من هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ، وهوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه، فبينما هو كذلك إذ هوى له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه، فأتاه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانعجف عن رحله قال : واجتلد الناس ، فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الإمام أحمد

قال ابن إسحاق: التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم وهو آخذ بثفر بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من هذا؟ " قال : ابن أمك يا رسول الله

وروى البخاري عن البراء بن عازب - وسأله رجل من قيس : أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ - فقال : لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر; كانت هوازن رماة ، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا ، فأكببنا على الغنائم ، فاستقبلتنا بالسهام ، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء ، وإن أبا سفيان آخذ بزمامها ، وهو يقول : " أنا النبي لا كذب " ورواه البخاري

وروى مسلم عن البراء: ثم نزل فاستنصر وهو يقول

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

اللهم نزل نصرك، ولقد كنا إذا حمي البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الشجاع الذي يحاذي به وروى البيهقي من طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : (أنا ابن العواتك) صححه الألباني

وروى البخاري عن أبي قتادة قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف ، فقطعت الدرع ، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني فلحقت عمر فقلت : ما بال الناس؟ فقال : أمر الله ، عز وجل ثم رجعوا ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، فقمت فقال : " ما لك يا أبا قتادة؟ " فأخبرته ، فقال رجل : صدق ، سلبه عندي ، فأرضه مني فقال أبو بكر : لاها الله إذا لا يَعمِد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق فأعطه " فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام

وروى الحافظ البيهقي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى : " يا عباس ، ناد : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب الشجرة " فأجابوه : لبيك لبيك فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره ، فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه في عنقه ، ويأخذ سيفه وقوسه ، ثم يؤم الصوت حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة ، فاستعرض الناس فاقتتلوا ، وكانت الدعوة أول ما كانت بالأنصار ، ثم جعلت آخرا بالخزرج ، وكانوا صبرا عند الحرب ، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال : " الآن حمي الوطيس " فوالله ما رجعت راجعة الناس إلا والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتفون ، فقتل الله منهم من قتل ، وانهزم منهم من انهزم ، وأفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أموالهم وأبناءهم

وروى ابن وهب عن العباس قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث لا نفارقه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى الناس ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبل الكفار قال العباس : وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي عباس ناد أصحاب السمرة " قال : فوالله لكأنما عطفْتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيكاه يا لبيكاه ، قال : فاقتتلوا هم والكفار ، والدعوة في الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار ، يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته ، كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال : " هذا حين حمي الوطيس " ثم أخذ صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار ، ثم قال : " انهزموا ورب محمد " قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، قال : فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته ، فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا ورواه مسلم

وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من المشركين فأرميه بسهم ، وتوارى عني ، فما دريت ما صنع ، ثم نظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى ، فالتقوا هم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما ، وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى ، قال : فاستطلق إزاري فجمعتها جمعا ومررت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا منهزم ، وهو على بغلته الشهباء ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لقد رأى ابن الأكوع فزعا " فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض واستقبل به وجوههم ، وقال : " شاهت الوجوه " فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة ، فولوا مدبرين ، فهزمهم الله ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين

وروى أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن أبي عبد الرحمن الفهري قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ، فنزلنا تحت ظلال السمر ، فلما زالت الشمس لبست لأمتي ، وركبت فرسي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قد حان الرواح يا رسول الله؟ قال : " أجل " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم يا بلال " فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال : لبيك وسعديك ، وأنا فداؤك فقال : " أسرج لي فرسي " فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال : فركب فرسه فسرنا يومنا ، فلقينا العدو ، وتشامت الخيلان ، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا عباد الله ، أنا عبد الله ورسوله " واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه ، وحدثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من التراب ، فحثى بها وجوه العدو وقال : " شاهت الوجوه " قال يعلى بن عطاء : فحدثنا أبناؤهم عن آبائهم قالوا : ما بقي أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب ، وسمعنا صلصلة من السماء ، كمر الحديد على الطست الجديد ، فهزمهم الله عز وجل. ورواه أبو داود السجستاني في سننه
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس ، وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار ، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ، ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قدما ، فحادت به بغلته ، فمال عن السرج ، فقلت له : ارتفع رفعك الله فقال : " ناولني كفا من تراب " فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا قال " أين المهاجرون والأنصار؟ " قلت هم أولاء قال : " اهتف بهم " فهتفت بهم فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب ، وولى المشركون أدبارهم

وروى ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار قال: اليوم أدرك ثأري - وكان أبوه قد قتل يوم أحد - اليوم أقتل محمدا، فأدرت برسول الله صلى الله عليه وسلم لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي ، فلم أطق ذاك وعلمت أنه ممنوع مني

وبالله التوفيق

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

26-02-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 8 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي