الدرس 280: السنن الرواتب والتطوع

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 12 شعبان 1437هـ | عدد الزيارات: 1684 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يشرع للمسلم والمسلمة أن يصلي قبل صلاة العصر أربع ركعات يسلم من كل ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرأ صلى أربعا قبل العصر) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وصححه، ولقوله صلى الله عليه وسلم ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد حسن

والصلاة مشروعة بعد الأذان، لقوله صلى الله عليه وسلم (بين كل أذانين صلاة) وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال لمن شاء) كراهية أن يتخذهما الناس سنة. أخرجه البخاري ومسلم وفيهما أيضا عن أنس رضي الله عنه قال (كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، يصلون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء) أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم قال (كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما) أخرجه مسلم

وصلاة ركعتين بعد صلاة المغرب سنة؛ للأحاديث الواردة في ذلك، منها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فحدثتني حفصة أنه كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عن أم حبيبة رضي الله عنها عند النسائي والترمذي (أنه صلى قبل الظهر أربعا) وصححه الترمذي، ورواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر) سنة العشاء البعدية وهي ركعتان خلاف الشفع والوتر، ولا تشرع صلاة الرواتب في السفر إلا ركعتي الفجر وصلاة الوتر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليهما حضرا وسفرا

ويمتد وقت صلاة الضحى من بعد طلوع الشمس وارتفاعها مقدار رمح إلى استواء الشمس في كبد السماء، ففي ما بين ذلك كله وقت لصلاة الضحى

سجود التلاوة

سجدة التلاوة سنة، ولم يرد نص في السلام منها، فليس على من سجدها سلام منها، وليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كالأعراف والنجم واقرأ، وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعدها وقبل الركوع، وإن قرأ فلا بأس، ويقول في سجوده للتلاوة ما يقوله في سجوده للصلاة

ويكبر من سجد سجود التلاوة في الخفض، لما رواه أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) رواه البخاري ومسلم، ولا يكبر في الرفع من السجود؛ لعدم ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، ولأن سجود التلاوة عبادة، والعبادات توقيفية، يقتصر فيها على ما ورد، والذي ورد التكبير في الخفض لسجود التلاوة لا للرفع منه، إلا إذا كان سجود التلاوة وهو في الصلاة فيكبر للخفض والرفع؛ لعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يكبر في كل خفض ورفع

وسجود التلاوة عبادة لكن ليس كالصلاة، ويبنى على ذلك عدم اشتراط الطهارة والتوجه إلى القبلة إذ لا نعلم دليلاً يدل على اشتراط الطهارة واستقبال القبلة، لكن متى تيسر استقبال القبلة حين السجود وأن يكون على طهارة فهو أولى

ويجوز للحائض القراءة عن ظهر قلب، لا من المصحف، وعليه يشرع لها السجود، لأنه ليس صلاة وإنما هو خضوع لله وعبادة كأنواع الذكر

فالصحيح أن سجود الشكر وسجود التلاوة لتال أو مستمع لا تشترط لهما الطهارة؛ لأنهما ليسا في حكم الصلاة

والأولى للمرأة إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها وإن سجدت للتلاوة بدون خمار فنرجو ألا حرج، ولا حرج في المرور أمام ساجد سجدة التلاوة

ويجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، ولأنه من ذوات الأسباب، كصلاة الكسوف وركعتي الطواف لمن طاف في وقت النهي

وسجدة الشكر مشروعة لما يَسُرُ، من جلب نفع ودفع ضر، وقد دلت على ذلك الأحاديث والآثار، فمن الأحاديث حديث أبي بكرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره وبشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى) رواه الخمسة إلا النسائي قال الترمذي: حسن غريب، ولفظ أحمد: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة، فقام فخر ساجدا

صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي

إذا دخلت المسجد وكان يؤذن للصلاة فالأفضل أن تجيب الأذان أولاً ثم تصلي تحية المسجد لتجمع بين الفضيلتين والأمر في ذلك واسع

الراجح من أقوال العلماء أن ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي الوضوء والصلاة على الميت تستحب مطلقا في أوقات النهي وغيرها، ولا حرج في تركها

الصلاة النافلة قبل غروب الشمس لا تجوز، إلا إذا كانت ذات سبب كتحية المسجد، لما في صحيح مسلم: لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس

لا يصلي من دخل المصلى لصلاة العيد ركعتين تحية قبل أن يجلس؛ لأن صلاة التحية بالمصلى مخالف لما كان عليه العمل من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

إذا دخل الرجل المسجد في وقت النهي فلا يجلس حتى يصلي تحية المسجد، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين

سنة الوضوء ركعتان، لحديث بلال وغيره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة، فقال: ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه، ويجوز للمرء أن يتنفل بما شاء من النوافل زيادة على الركعتين، في غير أوقات النهي

حكم صلاة الجماعة

الصلاة أحد الأركان الخمسة بعد الشهادتين، فمن تركها جاحدا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين ومن تركها تهاونا وكسلا فالصحيح من أقوال العلماء أنه يكفر، والأصل في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) وما رواه الإمام أحمد في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وأما فعلها جماعة فواجب وجوب عين، والأصل في ذلك الكتاب والسنة؛ فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم) النساء: 102، فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة جماعة في حال الخوف يدل على أنها في غيره أولى، وأما السنة: فما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فرخص له فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء، قال نعم، قال: فأجب) وفي رواية لأحمد (لا أجد لك رخصة) ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهذا الأعمى، فإذا كان هذا الأعمى لم يجد له النبي صلى الله عليه وسلم رخصة، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة، ويؤيد هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من همه بالتحريق بالنار لأقوام تخلفوا عن الصلاة جماعة في المسجد، إذ غير جائز أن يهدد من تخلف عن ندب أو فرض كفاية

وفضل سبع وعشرين درجة لمن صلاها في جماعة مسجد أو جماعة لم يكن لديهم مسجد أو معذورين شرعا من الذهاب إلى المسجد، وصلى معهم لكونه معذورا مثلهم

أما من قدر على الذهاب إلى المسجد وصلى في بيته أو مزرعته أو نحو ذلك جماعة فإنه يأثم بذلك ولا يحصل على هذا الفضل

من صلى في بيته لكراهيته للإمام فإنه يأثم بتخلفه عن الجماعة، إذا كانت إمامة ذلك الإمام صحيحة في نفسها، وصلاة المتخلف صحيحة مع الإثم

ومن لا يشهد الجمعة ولا الجماعة استحق أن يدخله الله النار؛ لتركه فريضة من فرائض الإسلام هي أداء الصلوات الخمس في جماعة، ثم إن كان جاحدا لمشروعية الجماعة أو وجوب شهود صلاة الجمعة على من توفرت فيه شروط وجوبها فهو كافر مخلد في النار، وإن كان مؤمنا بذلك إلا أنه ترك الفعل كسلا عذب في النار بقدر جريمته، إلا إن شاء الله العفو عنه، ومتى عذب لتخلفه عن الجمعة أو الجماعة من غير جحد لوجوبهما فمآله إلى الجنة؛ لقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء 48] للأحاديث الواردة فيمن فعل الكبائر التي هي دون الشرك، فإنها نص في أن مرتكب الكبائر يعذب بها في النار إن شاء الله ذلك، ثم يخرج منها ويدخل الجنة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/8/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي