الدرس 269: فروض الوضوء وصفته

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 16 جمادى الأولى 1437هـ | عدد الزيارات: 1632 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء عند غسل الأعضاء أو مسحها، وما ذكر من الأدعية في ذلك مبتدع لا أصل له، وإنما المعروف شرعا التسمية أوله والنطق بالشهادتين بعده وقول (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الشهادتين

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء وما يدعو به العامة عند غسل كل عضو بدعة، وإنما يشرع للمتوضئ أن يسمي الله عند بدء الوضوء، لحديث (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وأن يقول إذا فرغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين

يجب غسل ظاهر اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحتها ولكن يشرع تخليلها، قال النووي رحمه الله تعالى: لا خلاف في وجوب غسل اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحتها اتفاقا، وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال ابن رشد : هذا أمر لا أعلم فيه خلافا أ.هـ، وأما اللحية الخفيفة التي تبين منها البشرة فإنه يجب غسل باطنها وظاهرها

والأفضل أن يقدم المتوضئ المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه لعمل النبي صلى الله عليه وسلم ولإجماع العلماء على استحباب تقديمها على غسل الوجه فإن قدم غسل الوجه عليهما فوضوؤه صحيح

ويصح الوضوء بدون إدخال إصبعه في فمه عند المضمصة وأما خبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض بإصبعه فقد رواه الإمام أحمد بسند ضعيف

والاستنشاق واجب في الوضوء لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بقوله (من توضأ فليستنثر) رواه البخاري ومسلم، وقوله (من توضأ فليستنشق) ومن لم يستنشق فوضوؤه غير صحيح، والواجب إعادة الوضوء والصلاة لمن لم يستنشق

قلت: الاستنثار مستحب ويحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فليستنثر) على الاستحباب فالمضمضة واجبة ومجها مستحب والاستنشاق واجب والاستنثار مستحب

وثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح شعر رأسه كله في الوضوء مقبلا ومدبرا وهذا هو الأصل وهو تفسير بالفعل لقول الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) سورة المائدة آية 6، وثبت أنه مسح في الوضوء على عمامته وذلك فيما رواه البخاري عن عمرو بن أمية الضُمري قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه) وفيما رواه مسلم عن بلال رضي الله عنه قال (مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والخمار) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (مسح بناصيته وعلى العمامة والخفين) وذلك فيما رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيجوز المسح على هذه الكيفيات الثلاث إذا لبس العمامة والخفين على طهارة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر كما صح بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان حاسر الرأس ثم لبس العمامة عند الوضوء ليترخص لنفسه بالمسح عليها وليعلم ذلك أصحابه رضي الله عنهم ويشرعه لأمته فليس لحاسر الرأس أن يترخص بستر الرأس عند الوضوء ليمسح على عمامة أو خمار

والواجب مسح جميع الرأس في الوضوء لقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) ولما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء قال (ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فأقبل بيديه وأدبر) وفي لفظ لهما: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه

والمسح صحيح ولو لم يصل بلل المسح إلى البشرة

ويجب المسح على الرأس في الوضوء مرة واحدة ومن توضأ ونسي المسح وجب عليه إعادة الوضوء إذا طال الفصل؛ لأن الموالاة واجبة فإن ذكر في الحال مسح الرأس وأعاد غسل الرجلين

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه وأذنيه في الوضوء فقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) رواه الترمذي وصححه وللنسائي (مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالمسبحتين، وظاهرهما بإبهاميه) ولا خلاف فيما نعلم في مشروعية مسح الأذنين إنما الخلاف في أنهما من الرأس أو لا، وفي مسحهما واجب أو سنة

الموالاة في الوضوء واجبة

لا يجب ولا يسن غسل الدبر من الريح قبل الوضوء وبعد القيام من النوم

الغصب حرام بإجماع المسلمين؛ لأنه ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة، ومن غصب ماء وتوضأ به للصلاة أو ثوبا وصلى فيه أو مالا وحج به فكل من وضوئه وصلاته وحجه صحيح في أصح قولي العلماء وعليه التوبة إلى الله من ذلك

بقاء لون الحناء في اليد والرجل لا يؤثر؛ لأن لونه ليس له سمك بخلاف العجين والمناكير والطين فإن لها سمكا يحول دون وصول الماء للبشرة

وفي سؤال من مريض نفسياً، أجابت اللجنة الدائمة: تابع العلاج في مستشفى الأمراض النفسية عسى الله أن يكتب لك الشفاء ومع ذلك استعن بالله واطلب منه أن يعافيك من مرضك واقرأ آية الكرسي عندما ترقد في فراشك للنوم وقل: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحا وثلاث مرات مساء وارق نفسك بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات تنفث في يديك عقب كل مرة وتمسح بهما ما استطعت من بدنك عند النوم. لما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و ( قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات، وادع الله أن يذهب ما بك من بأس فقل: أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما وكرر ذلك ثلاثا وادع أيضا بدعاء الكرب فقل: لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) .وإذا فرغت من الوضوء فاعتقد أنك قد طهرت ودع عنك الوسواس وطول المكث في الحمام فإنه من الشيطان وبذلك ينقطع عنك بإذن الله

وعلاج الوسوسة بكثرة ذكر الله جل وعلا وسؤال العافية من ذلك وعدم الاستسلام للوسوسة ويجب عليه رفضها فإذا تطهر طهارة صغرى أو كبرى وحصلت عنده وسوسة في أنه لم يغسل رأسه مثلا فلا يلتفت إلى ذلك بل يبني على أنه غسله وهكذا في سائر أعماله يرفض الاستجابة للوسوسة؛ لأنها من الشيطان ويكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان؛ لأنه الوسواس الخناس، فهذه الوسوسة من الشيطان ليفسد بها على المسلم عبادته والواجب تركها وألا يخرج المسلم من صلاته أو يعيد وضوءه إلا إذا سمع صوتا أو وجد ريحا لما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) والمقصود أن يتحقق خروج الحدث ومتى بقي معه أدنى شك فطهارته صحيحة

ويدفع عن نفسه بقدر الطاقة الوسواس وذلك بشغل نفسه بتدبر القرآن وتذكر عظمة الله ونحو ذلك ويشرع له أن يقول ما جاء في الأحاديث الصحيحة: (آمنت بالله ورسله) ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم

والأصل في الماء الطهارة فإذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فهو نجس سواء كان قليلا أو كثيرا وإذا لم تغيره النجاسة فهو طهور لكن إذا كان قليلا جدا فينبغي عدم التطهر به احتياطا وخروجا من الخلاف وعملا بحديث أبي هريرة مرفوعا (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه) الحديث

وعن كيفية الوضوء يغسل المتوضئ كفيه في ابتداء الوضوء مجتمعتين ثلاث مرات وهما من مفصل الكف من الذراع إلى أطراف الأصابع. أما غسل اليدين إلى المرفقين بعد غسل الوجه في الوضوء فيغسل اليمنى إلى مرفقها ثلاث مرات، ويغسل اليسرى كذلك من أطراف أصابعها إلى مرفقها ثلاث مرات كل منهما على انفرادهما وإن اكتفى في كل منهما بغسلة واحدة أجزأه؛ لأنها هي الفرض، والغسلة الثانية والثالثة في كلتيهما سنة

والمشروع للمتوضئ أن يتوضأ وضوءا كاملا مرتبا ومتواليا كوضوء النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عن حمران مولى عثمان (أن عثمان بن عفان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه

إن صفة الوضوء الشرعي هي: أن يفرغ الشخص من الإناء على كفيه ثلاث مرات ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيتمضمض ويستنثر ثلاث مرات ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات وإن غسل مرتين مرتين أو مرة مرة أجزأ ذلك ثم يقول بعد الوضوء: أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، ومن علم بعد الوضوء أنه ترك عضو ا من أعضاء الوضوء لم يمسه الماء فإن عليه الإعادة وأما إن شك في عدم غسل عضو بعد الفراغ فشكه لاغ، والوضوء عبادة، والعبادات توقيفية لا تعلم إلا من قبل الشرع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/5/15 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر