الدرس 256: أصول علم الحديث

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 5 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 1417 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كتب الحديث هي التي تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود و سنن النسائي ومسند الإمام أحمد وموطأ مالك ونحو ذلك، ومتن الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، وأصول الحديث هو ما يبحث فيه عما يتميز به الحديث الصحيح والحسن عن الحديث الضعيف والموضوع ويبين درجاتها، ويسمى أيضًا مصطلح الحديث، ومن كتبه مقدمة ابن الصلاح وألفية العراقي والتقريب للنووي ونخبة الفكر لابن حجر ... إلخ

وتعرف الأحاديث الصحيحة والضعيفة بدراسة علم مصطلح الحديث، ومعرفة أسانيد الأحاديث، ودراسة أحوال الرواة جرحًا وتعديلًا، وقد خلف لنا أئمة الحديث ثروة ضخمة تخدم هذا الجانب من علم الحديث، وأما صحيحا البخاري ومسلم فقد أجمعت الأمة على قبولهما، واعتبارهما من المصدر الثاني بعد كتاب الله عز وجل

والحديث المرسل هو ما يرويه غير الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأما حديث (يا أسماء إذا بلغت المرأة سن المحيض فلا يظهر منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين ) فهو ضعيف

أسهل الطرق في معرفة الحديث وعلومه هي دراسته على من برع فيه من العلماء؛ مبتدأ بالمختصرات من كتب مصطلحات علوم الحديث ومعرفة أحوال رجال الأسانيد مثل نخبة الفكر وشرحها، و ألفية العراقي وشرحها

الأحاديث القدسية هي التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل بواسطة جبريل عليه السلام أو بالوحي يقظة أو منامًا، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى القدس وهو الطهر؛ لإضافتها إلى الله تعالى وهو القدوس المنزه عن كل عيب ونقص

يمكن تقسيم السنَّة إلى ثلاثة أقسام؛ لأنها إما أن تكون السنة أقوالًا للنبي صلى الله عليه وسلم أو أفعالًا أو تقريرات، وهناك قسم رابع وهو ما يتعلق بخَلْقِه وخُلُقِه صلى الله عليه وسلم

إذا تطلق السنة ويراد بها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته الخَلْقية والخُلُقية، وذلك عند علماء الحديث، وأما علماء أصول الفقه فيبينون الفرق بينها وبين الأدلة الأخرى القرآن والإجماع والقياس والآثار التي من أقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم

وتطلق السنة عند الفقهاء ويراد بها ما دل الشرع على العمل به دون إلزام فيثاب من فعله ولا يأثم من تركه مثل: صلاة الضحى وصلاة ركعتين أو أربع قبل الظهر وصوم يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ونحو ذلك، وهي بهذا المعنى درجة بين الفرض والمباح، وتطلق ويراد بها المعنى اللغوي وهي الطريقة، وهذا المعنى عام ولا تعارض بين معانيها، بل الاختلاف بينها اختلاف تنوع أساسه اختلاف مواقعها من العلوم واصطلاح العلماء في تلك العلوم

والسنة وحي من الله جل وعلا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، واللفظ الدال عليها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني قد أوتيت القرآن ومثله معه

لا يشترط في قبول الرواية العدد، بل يكفي في أداء الحديث وقبوله واحد، سواء كان رجلًا أو امرأة إذا كان عدلًا ضابطًا مع اتصال السند وعدم الشذوذ والعلة القادحة؛ لاكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ بإرسال واحد كمعاذ بن جبل إلى اليمن ، ودحية الكلبي بكتابه إلى هرقل ، ونحو ذلك، وكعلي بن أبي طالب إلى مكة في السنة التاسعة من الهجرة لينادي الناس في موسم الحج ألا يحج بعد العام مشرك وألا يطوف بالبيت عريان، وأما النساء فقد أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغن ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، فقال تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) ولولا قبول روايتهن للقرآن والسنة لما أمرهن بالبلاغ

ثانياً: ليست الشهادة والرواية على حد سواء من كل وجه، بل تفترقان في أمور منها: أن الرواية إخبار عن أمر عام للراوي وغيره لا ترافع فيه إلى الحكام بخلاف الشهادة فإنها في قضايا عينية تخص المشهود عليه وله، يترافع في مثلها إلى الحكام غالبا، ومنها: أن الرواية لا يشترط في قبولها العدد كما تقدم بخلاف الشهادة فقد يشترط فيها أربعة من الرجال كما في حد الزنا والقذف وقد يشترط رجلان كما في القتل عمدًا

قلت: ولا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص بإجماع العلماء

وقد يكتفى برجل وامرأتين كما في الحقوق المالية، وقد يكتفى بامرأة واحدة كقول المرضعة في ثبوت الرضاع

قال ابن القيم في الجزء الأول من بدائع الفوائد: الفرق بين الشهادة والرواية أن الرواية يعم حكمها الراوي وغيره على ممر الزمان، والشهادة تخص المشهود عليه وله ولا تتعداهما إلا بطريق التبعية المحضة، فإلزام المعين يتوقع منه العداوة وحق المنفعة والتهمة الموجبة للرد فاحتيط لها بالعدد والذكورية وردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم، ولم يفعل مثل هذا في الرواية التي يعم حكمها ولا يخص، فلم يشترط فيها عدد ولا ذكورية، بل اشترط فيها ما يكون مغلبًا على الظن صدق المخبر، وهو العدالة المانعة من الكذب واليقظة المانعة من غلبة السهو والتخليط، ولما كان النساء ناقصات عقل ودين لم يَكُنَّ من أهل الشهادة، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك قويت المرأة بمثلها؛ لأنه حينئذ أبعد من سهوها وغلطها لتذكير صاحبتها لها أ.هـ

ثالثاً: الذين قاموا بنقد رواة أحاديث دواوين السنة ودواوين السيرة والتاريخ تعديلًا وجرحًا جماعة من أئمة الحديث معروفون، لهم بصيرة ثاقبة في ذلك، عاصروا من نقدوهم وحكموا فيهم بما عرفوا عنهم ولم يفرقوا في منهج نقدهم بين رجل وامرأة، بل هما سواء لديهم في الجرح والتعديل، أما من جاء بعدهم ممن لم يعاصر أولئك الرواة كابن حجر العسقلاني رحمه الله، فإن شأنه مع أولئك الرواة نقل أقوال من عاصرهم من الأئمة فيهم، ومناقشة سندها إليهم والترجيح بينها إذا تعارضت ونحو ذلك، وليس إليه تعديلهم أو تجريحهم، لعدم معاصرته إياهم

وأما أحاديث الآحاد الصحيحة قد تفيد اليقين إذا احتفت بالقرائن وإلا أفادت غلبة الظن، وعلى كلتا الحالتين يجب الاحتجاج بها في إثبات العقيدة وسائر الأحكام الشرعية، ولذلك أدلة كثيرة ذكرها أبو محمد علي بن حزم في مباحث السنة من كتاب الإحكام في أصول الأحكام، وذكرها أبو عبد الله ابن قيم الجوزية في كتابه الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل آحاد الناس بكتبه إلى ملوك الدول ووجهائها ككسرى وقيصر يدعوهم فيها إلى الإسلام عقيدته وشرائعه، ولو كانت الحجة لا تقوم عليهم بذلك لكونها آحادا ما اكتفى بإرسال كتابه مع واحد؛ لكونه عبثًا ولأرسل به عددًا يبلغ حد التواتر لتقوم الحجة على أولئك في زعم من لا يحتج بخبر الآحاد في العقيدة، ومنها: إرساله عليه الصلاة والسلام معاذًا إلى اليمن واليًا وداعياً إلى الإسلام عقيدة وشريعة، وبيان وجه الاستدلال به تقدم في إرساله الكتب مع آحاد الناس، إلى أمثال ذلك من أفعاله صلى الله عليه وسلم.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/3/5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي