الدرس 249: سجود التلاوة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 25 ذو القعدة 1436هـ | عدد الزيارات: 2063 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

سجود التلاوة عبادة لكن ليس كالصلاة، ولا تشترط الطهارة لها والتوجه إلى القبلة والتكبير عند السجود وعند الرفع منه والسلام ولا نعلم دليلًا يدل على اشتراط الطهارة واستقبال القبلة، لكن متى تيسر استقبال القبلة حين السجود وأن يكون على طهارة فهو أولى خروجا من خلاف العلماء

والسجدات المشروع لها السجود في القرآن الكريم أربع عشرة سجدة: في (آخر الأعراف)، وفي (الرعد)، و (النحل)، و (بني إسرائيل: الإسراء)، و (مريم)، وسجدتين في (الحج)، وسجدة في (الفرقان)، و (النمل)، و )الم تنزيل: السجدة) وسورة (ص)، و (فصلت)، و (النجم)، و (الانشقاق)، واقرأ باسم ربك

وقد وردت أحاديث عن فضل سورة الفاتحة فعن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، حتى صليت ثم أتيته، فقال: ما منعك أن تأتي، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي. فقال: ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ.(الأنفال 24) ثم قال: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج، فقلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. رواه البخاري

وعن معنى الصراط المستقيم أجابت اللجنة: هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، فقيل: هو القرآن، وقيل: الإسلام، وقيل: هو النبي صلى الله عليه وسلم، والكل حق، فإن من اتبع النبي صلي الله عليه وسلم فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن والذين أنعم الله عليهم، قال ابن كثير في تفسيره: قال الضحاك عن ابن عباس صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين، وذلك نظير ما قال ربنا تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء 69)، ومعنى آمين: اللهم استجب.

يسن كتابة البسلمة في بداية كتابة كل شيء له بال وأهمية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بها كتبه، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله فهو أجذم) من حديث أبي هريرة.

وسورة الفاتحة تشتمل على أحكام كثيرة، بل تشتمل إجمالًا على جميع ما في القرآن من أحكام؛ ولذلك سميت أم القرآن، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم بما سماها الله به القرآن العظيم، لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم

وما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال الله: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل". وبهذا يتبين أن أول سورة الفاتحة إلى آخر آية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) في التوحيد، وبقية السورة المراد منها تعليم العباد كيف يدعون ربهم ويطلبون منه إرشادهم إلى الطريق الحق والصراط المستقيم، وتوفيقهم لاتباعه: عقيدة، وقولًا، وعملًا، وأن يجنبهم طريق من غضب الله عليهم، وهم الذين عرفوا الحق وأعرضوا عنه، كاليهود، وطريق من ضل عن الحق وعميت بصائرهم فلم يتبعوه، كالنصارى

س: قال الله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة 30)كيف عرفت الملائكة أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ولا يعلم الغيب إلا الله ؟

ج: لعل الملائكة عرفت أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء إما بعلم خاص من الله، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية، فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال كالفخار، أو فهموه من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم من المحارم والمآثم، وقيل: إنهم علموا ذلك من أعمال الخلق الذين كانوا في الأرض قبل آدم

قلت:: الجن كانوا في الأرض قبل آدم وكانوا مع إفسادهم يسفكون الدماء فلربما قاسوا عليهم

س: معنى قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) (البقرة آية 41)

ج: قال ابن كثير رحمه الله تعالى في بيان تفسير هذه الآية: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها، فإنها قليلة فانية، وفي [سنن أبي داود] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة) فأما تعليم العلم بأجرة فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب فهو كما لو لم يتعين، وإذا لم يتعين عليه فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة المخطوبة (زوجتكها بما معك من القرآن) رواه البخاري من حديث سهل بن سعد

معنى قول الله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (البقرة الآيتان 58-59)

أمر الله تعالى بني إسرائيل أن يدخلوا باب بيت المقدس خاشعين شكرًا له تعالى، وأن يقولوا: يا ربنا، حط عنا ذنوبنا حطًا أي: اغفر لنا ذنوبنا مغفرة ووعدهم سبحانه إن هم امتثلوا أمره أن يغفر لهم خطاياهم ويكفر عنهم سيئاتهم، لكنهم لم يمتثلوا أمره، بل بدلوا ما أمروا به من القول والعمل، فدخلوا يزحفون على أستاههم قائلين: حبة في شعرة أو في شعيرة؛ تلاعبًا منهم بأمر الله تعالى، وسخريةً واستهزاءً وتبديلًا لتشريعه سبحانه قولًا وعملًا، بدلًا من طاعته والخضوع لأوامره شكرًا لنعمته، فأنزل على الذين ظلموا منهم بأسه، وأذاقهم عذابه، جزاءً وفاقًا بتبديلهم وتحريفهم شرعه وتمردهم عليه، كما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم. كما في صحيح البخاري

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1436-11-24 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي