الدرس 247: آداب القرآن

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 27 شعبان 1436هـ | عدد الزيارات: 2018 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها آيات من القرآن، أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه فيجوز

لا يجوز تسمية الأفلام السينمائية ببعض الآيات القرآنية؛ لأن ذلك من الاستهانة بالقرآن ومن التلبيس

لا يجوز قطع المكالمة أو وقفها؛ لما في ذلك من الأذى، إلا لمقتضى يدعو إلى ذلك، كإساءة المتكلم إساءة لا تزول إلا بقطعها أو طروء أمر ضروري، والقرآن الكريم كلام الله تعالى، فيجب احترامه وصيانته بما لا يليق به من خلطه بهزل أو مزاح يسبق تلاوته أو يتبعها

يجب على من لا يحسن إخراج الضاد من مخرجها أن يجتهد طاقته، ويبذل وسعه في تمرين لسانه على إخراج الضاد من مخرجه، والنطق به نطقا صحيحا، فإن عجز بعد بذل جهده عن النطق الصحيح فهو معذور، وما عليه إلا أن ينطق به كما يتيسر له

والذي يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل به يثاب عليه وإن لم يحفظه، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران

ومن أكثر من قراءة القرآن لكنه لم يحفظه؛ لضعف ذاكرته يؤجر على قراءته ويعذر في عدم حفظه، لقوله تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (التغابن 16) ومن حفظ القرآن للاختبار مثلا ثم نسيه فقد أساء، وفاته خير كثير

والمقصود بالنسيان في قوله تعالى "قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ "(طه 126) ترك العمل به

لا ينبغي ترك تلاوة القرآن وعلى من حول هذا الإنسان من أهل العلم نصحه وبيان فضيلة تلاوته وتدبره والاتعاظ به، عسى أن يتعظ ويقبل على تلاوته

لا حرج من سماع الأخبار وقراءة الصحف بدلا من فتح الإذاعة على القرآن؛ لأن كل شيء له وقته ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن ولا هجره إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ فيها القرآن أو يستمع فيها إذاعة القرآن

الإنسان قد يهجر القرآن فلا يؤمن به ولا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد يؤمن به ولكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه ولكن لا يتلوه، وقد يتلوه ولكن لا يتدبره، وقد يحصل التدبر ولكن لا يعمل به، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه ولا يحكمه ولا يتحاكم إليه ولا يستشفي به مما فيه من أمراض في قلبه وبدنه، فيحصل الهجر للقرآن من الشخص بقدر ما يحصل منه من الإعراض كما سبق

ومن أراد مس المصحف من المسلمين فعليه أن يتطهر من الحدث الأصغر والأكبر، والحدث الأصغر: ما أوجب وضوءا، والحدث الاكبر ما أوجب غسلا؛ لعموم قوله تعالى "لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ "(الواقعة 79) ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية "لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" وقال آخرون "لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" أي من الجنابة والحدث

وجمهورالعلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن وهو جنب ولو عن ظهر قلب دون أن يمس المصحف؛ لما رواه أحمد وأصحاب السنن عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة" قال الحافظ ابن حجر إسناده حسن

غير أنه لا حرج في حمل أو لمس الشريط المسجل عليه القرآن لمن كان عليه جنابة ونحوها

لا يجوز للحائض ولا الجنب الجلوس في المسجد ولا اللبث فيه عند جمهور الفقهاء؛ لقول عائشة رضي الله عنها "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا؛ رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود، والحديث عام في تحريم الجلوس في المسجد للحائض والجنب ومرورهما به، لكن خصصه قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ "(النساء43) فإن معناها: يا أيها المؤمنون لا تقربوا مواضع الصلاة أي المساجد وأنتم سكارى حتى تفيقوا من سكركم، ولا تقربوها وأنتم جنب حتى تغتسلوا من الجنابة، إلا إذا كان دخولكم إياها على وجه الاجتياز والمرور فلا بأس به، والحائض حكمها حكم الجنب في ذلك، ويدل على الاستثناء أيضا ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه " كان أحدنا يمر بالمسجد جنبا مجتازا" وما رواه ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب

قلت: المراد بمنع السكران من أداء الصلاة حتى يذهب سكره فهذه منسوخة حكماً وباقية تلاوة وهي نزلت في فترة مراحل تحريم شرب الخمر

ويجوز للحائض أن تقرأ القرآن وتعلم التلاوة والتجويد حال الحيض، لكن دون مس للمصحف، وللحائض أن تمس كتب تفسير القرآن وتتعرف الآيات منها، في أصح قولي العلماء

من به سلس البول يتوضأ لكل صلاة

من سلم عليك وأنت تقرأ القرآن رد عليه السلام ثم عاود القراءة جمعاً بين الفضيلتين

تلاوة القرآن من أفضل العبادات، والأصل في العبادات أن تكون خالصة لوجه الله، لا يقصد بها سواه من دنيا يصيبها أو وجاهة يحظى بها

يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن في أصح قولي العلماء؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" رواه البخاري، ولمسيس الحاجة إلى ذلك

ونهى عن أخذ الأجرة على قراءته والتآكل به لقوله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به

أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه؛ كحديث أبي سعيد في أخذه قطيعا من الغنم جعلا على شفاء من رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم

قلت: وتشمل من يستأجر شخصاً لتلاوة القرآن في أماكن تجمع الناس للعزاء

ويجوز أن تدفن المصحف الممزق في أرض مسجد ما من المساجد، ويجوز لك أن تحرقه؛ اقتداء بعثمان رضي الله عنه فما تمزق من المصاحف والكتب والأوراق التي بها آيات من القرآن يدفن بمكان طيب، بعيد عن ممر الناس وعن مرامي القاذورات، أو يحرق؛ صيانة له، ومحافظة عليه من الامتهان؛ لفعل عثمان رضي الله عنه

قلت: يوجد في الخرج مركز العناية بالمصاحف بمعالجة الأوراق الممزقة بالمصاحف أو الناقصة وتغليفها ومن ثم الاستفادة منها في الداخل والخارج وياحبذا تعميمه

معنى قوله تعالى "قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ "(ص 86) أن الله تعالى أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بأنه لا يطلب منهم أجرا على تبليغهم ما أنزل إليه من ربه ودعوته إياهم إلى التوحيد الخالص وسائر أحكام الإسلام، إنما يقوم بالبلاغ والبيان للأمة؛ تنفيذا لأمر الله وطاعة له؛ ابتغاء مرضاته وحده

قراءة القرآن جميعا بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة فهذا غير مشروع، وأقل أحواله الكراهة؛ لأنه لم يؤثرعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم، فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به

قول "صدق الله العظيم" بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؛ لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء الراشدون، ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم، ولا أئمة السلف رحمهم الله، مع كثرة قراءتهم للقرآن، وعنايتهم ومعرفتهم بشأنه وقد ثبت عنه أنه قال "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم

لا نعلم دليلا على مشروعية تقبيل القرآن الكريم، وهو أنزل لتلاوته وتدبره وتعظيمه والعمل به

ترجمة القرآن أو بعض آياته والتعبير عن جميع المعاني المقصود إليها من ذلك غير ممكن لكن يجوز ترجمة معاني القرآن بلغة غير العربية ويكون ذلك بياناً للمعنى الذي فهمه المترجم من القرآن، كما يجوز تفسير معانيه باللغة العربية

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1436-08-27 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي