الدرس الثاني عشر: الشهادتان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 14 شعبان 1436هـ | عدد الزيارات: 2589 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

"عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" رواه البخاري ومسلم

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:" ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﺃﺳﺎﺱ ﺩﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻨﻲ ﻭﺑﻬﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺧﺺ ﻫﺬﻩ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﻌﻬﺎ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﻘﻤﻊ ﻋﻨﺎﺩ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻓﺮﺽ ﺩﺍﺋﻢ ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻣﻦ ﻓﺮﻭﺽ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺎﺕ ﻭﻗﺪ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ".

ﻭﻗﺪ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻭﻫﻮ ﻭﻫﻢ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ، ﻷﻥ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻟﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻴﺪ ﻳﻘﺪﻡ ﺍﻟﺤﺞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﺯﺟﺮﻩ ﻭﻧﻬﺎﻩ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﻗﺪ ﻗﺪﻡ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺞ ﻭﻗﺎﻝ: ﻫﻜﺬﺍ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ

وحديث أركان الإسلام أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماد فإنه قد جمع أركانه، فهو أحد قواعد الإسلام وجوامع الأحكام وهذه الأركان منصوص عليها في القرآن الكريم

(عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هذه كنية، وعبد الله بن عمر اسم علم

والكنية: كل ما صدر بأبٍ، أو أم، أو أخ، أو خالٍ، أو ما أشبه ذلك

والعلم: اسم يعين المسمى مطلقاً.

(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) قال العلماء: إذا كان الصحابي وأبوه مسلمين فقل: رضي الله عنهما، وإذا كان الصحابي مسلماً وأبوه كافراً فقل: رضي الله عنه

(قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: بُنِيَ الإِسْلامُ) الذي بناه هو الله عزّ وجل وبني فعل ماضي مبني لما لم يسمَّ فاعله، من بنى يبني بناءً أي أسس ومثله قوله تعالى "وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً"(النساء 28) فلم يبين من الخالق، لكنه معلوم، فما عُلم شرعاً أو قدراً جاز أن يبنى فعله لما لم يسم فاعله

قوله (عَلَى خَمْسٍ) وفي رواية "على خمسة" بالهاء أي على خمسِ دعائم أو خمسة أركان وعلى بمعنى من.

قوله (شَهَادَة أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ) شهادة: يجوز فيها وجهان في الإعراب:

الأول: الضم شهادةُ بناء على أنها خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هي شهادة

والثاني: الكسر شهادةِ على أنها بدل من قوله: خمس، وهذا البدل بدل بعض من كل

فالركن الأول من أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله

وهنا مسألة لماذا جعل الشهادتين ركناً واحداً ولم يجعلا ركنين؟

الجواب: أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة الأعمال كلها لأن شهادة ألا إله إلا الله تستلزم الإخلاص وشهادة أن محمداً رسول الله تستلزم الاتباع وكل عمل يتقرب به إلى الله لا يقبل إلا بهذين الشرطين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ومعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله أي أن يقر بلسانه ويصدقه قلبه بأنه لا معبود بحق إلا الله عز وجل

وشهادة: أي الإقرار والتصديق

أن لا إله إلا الله: أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف وأصلها أنه أي الشأن والأمر فأشهد بمعنى أقر بقلبي ناطقاً بلساني لأن الشهادة نطق وإخبار عما في القلب

والشهادة باللسان لا تكفي بدليل أن المنافقين يشهدون لله عز وجل بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فلا ينفعهم وهم يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكدون له أنهم يشهدون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم أنه رسول الله ولكنه سبحانه يشهد أن المنافقين لكاذبون

وقوله صلى الله عليه وسلم (لا إله إلا الله) أي لا معبود حق إلا الله

وشروط لا إله إلا الله سبعة:

قال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته سلم الوصول

العلم واليقين والقبول *** والانقياد فادر ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة *** وفقك الله لما أحبه

الشرط الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل بذلك ، قال الله تعالى "فاعلم أنه لاإله إلا الله" وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة

الشرط الثاني: اليقين بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً ، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، قال تعالى "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة

الشرط الثالث: القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه قال تعالى "۞ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)" إلى قوله "إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (36)" (الصافات) فجعل الله علة تعذيبهم استكبارهم

وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وأصاب منها طائفة أُخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلأً"

الشرط الرابع: الانقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك ، قال الله عز وجل "۞ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ "(لقمان 22) أي بلا إله إلا الله "وإلى الله عاقبة الأُمور" ومعنى يُسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن موحد وفي حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال "لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جِئت به" وهذا هو تمام الانقياد وغايته

الشرط الخامس: الصدق فيها المنافي للكذب، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه يواطىء قلبه لسانه ، قال الله عز وجل "الم أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يُفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" وفي الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار

الشرط السادس: الإخلاص وهو تصفية العمل عن جميع شوائب الشرك قال تعالى "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ "(الزمر 3) وقال "قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي "(الزمر 14) وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه"

الشرط السابع: المحبة لهذه الكلمه ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك قال تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ "(البقرة 165) وفي الصحيحين من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"

هذه هي شروط لا إله إلا الله السبعة العلم واليقين والقبول والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة.

فشهادة أن لا إله إلا الله تستلزم هذه الشروط السبعة ويسمى هذا النوع من التوحيد توحيد الألوهية ويسمى توحيد العبادة.

قوله صلى الله عليه وسلم "وأن محمداً رسول الله" أي أن تشهد أنه رسول الله أي مرسله إلى الخلق والرسول من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه وكان الناس قبل نوح على ملة واحدة لم يحتاجوا إلى رسول ثم كثروا واختلفوا فكانت حاجتهم إلى الرسل فأرسل الله تعالى الرسل، وشهادة أن محمداً رسول الله تستلزم أمورًا منها:

اولاً: تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، كما قال الله: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ

ثانياً: امتثال أمره صلى الله عليه وسلم لقول الله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

ثالثاً: أن يجتنب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ

رابعاً: أن لا يقدم قول أحدٍ من البشر على قول النبي صلى الله عليه وسلم ذُكِر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يُوْشكُ أَن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر. أخرجه بنحوه أحمد

خامساً: أن لا يبتدع في دين الله ما لم يأتِ به الرسول صلى الله عليه وسلم سواء عقيدة، أو قولاً، أو فعلاً، وعلى هذا فجميع المبتدعين لم يحققوا شهادة أن محمداً رسول الله، لأنهم زادوا في شرعه ما ليس منه، ولم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم

سادساً: أن لا يبتدع في حقه ما ليس منه، وعلى هذا فالذين يبتدعون الاحتفال بالمولد النبوي ناقصون في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله ، لأن تحقيقها يستلزم أن لا تزيد في شريعته ما ليس منه

سابعاً: أن تعتقد بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من الربوبية، أي أنه لا يُدعى، ولا يُستغاث به إلا في حياته فيما يقدر عليه قال تعالى "قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ" الأعراف الآية 188

ثامناً: احترام أقواله، بمعنى أن يحترم أقواله فلا يضع أحاديثه صلى الله عليه وسلم في أماكن غير لائقة، لأن هذا نوع من الامتهان، ومن ذلك: أن لا ترفع صوتك عند قبره أيضاً

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1436/8/14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر