فتح مكة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 2 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 1752 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأ شهد أ ن محمداً عبدُه و رسولُه .
يَاأَيها الذين ءآمَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَاته ولاتموتنَّ إلا وأنتم مُسلمُون.آل عمران:102.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.
يَا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُوبَكُم وَ مَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً.الأحزاب:70-71.

أما بعد

عباد الله: شهر رمضان هو شهر الجهاد لا شهر الكسل والنوم ، فقد كان فيه أحداث عظيمة وسنقتصر في الحديث على العبر والعظات والدلائل على فتح مكة ؛ نظراً لضيق الوقت وذلك باختصار شديد ، وقبل الخوض في ذلك تدبروا الهجرة كيف ترك الصحابة الوطنَ وهو مكة والمالَ والأهلَ والعشيرةَ في سبيل الإسلام تركوا كلَّ ذلك من أجل الإسلام ولا فائدة من كل ذلك بغير الإسلام ولكن جنوا الثمار هانحن نتحدث عن فتح مكة عادوا إليها رافعي الرءوس ولندخل في صلب الموضوع

أولاً: يدلنا سبب فتح مكة والذي حصل في العام الثامن للهجرة حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشر ليال مضت من رمضان بعد العصر وقد عقد هدنة بينه وبين قريش وكان منها أن لا يعتدي كل طرف على من دخل في ذمة الطرف الثاني ولكن قريش نقضت ذلك فحق للمصطفى أن يخرج على قريش وينقض الهدنة

ثانياً: يجوز لإمام المسلمين أن يفاجئ العدو بالحرب إذا بدءوا بخيانة العهد وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم ودعا قائلاً اللهم خذ على أبصار قريش فلا يروني إلا بغتة.

ثالثاً: في قصة حاطب بن أبي بلتعة والذي أرسل مع ظُعينة كتاباً إلى قريش يعلمهم بمجئ الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم لكن الله يعلم السر وما يخفى فقد أعلم نبيه بذلك فأرسل عليا رضي الله عنه وأخبره أنها عند روضة خاخ فجاء بالكتاب منها وقد وضعته تحت شعر رأسها يدل ذلك على شيئين الأول: أنه لا يجوز للمسلمين أن يتخذوا من أعداء الله أولياء لهم يلقون إليهم بالمودة أو يمدون نحوهم يد الإخاء والتعاون ورغم أن حاطب جاء بأعذار إلا أن الله لم يعذره في ذلك

رابعاً: أجمع الأئمة الأربعة وجمهور الباحثين والعلماء أنه لا يجوز تعذيب المتهم الذي لم تثبت عليه الجريمة ببينة شرعية كافية حملاً له على الإقرار أما تهديدُ الإمام عليٍّ رضي الله عنه ، لظعينة حينما أنكرت الكتابَ بأن يُلقي ثيابُها ، فعلي رضي الله عنه ليس متهماً لها بل واثق من وجود الكتاب معها لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.

خامساً: شاءت إرادة الله أن يكون أبو سفيان أول المحذرين لقومه من قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم فشاءت الحكمة الإلهية أن تفتح مكة بدون قتال يذكر وأن يدين أهلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين أخرجوه وآذوه وقاتلوه فتهيأت أسباب إٍسلام أبي سفيان قبل غيره وحينما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بأن ينادي مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن أي آمن على نفسه .

وفي ذلك حكم :

أولاً: إدخال الذعر في قلوب الكفار وفعلاً تشتتوا فمنهم من أوى إلى البيت ومنهم من أوى إلى داره.

ثانياً: في ذلك تقوية لإيمان أبي سفيان لأنه حينما عرض عليه الإسلام قال في البداية في النفس من ذلك شيء ونحن نعلم أن الإسلام يعقبه إيمان بدليل قوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم"الحجرات:14. فأبي سفيان ما زال في مرحلة الإسلام وليس الإيمان

ثالثاً: في قوله من دخل داره فهو آمن حقناً للدماء فهو غير راغب في القتال في الحرم

رابعاً: يروي البخاري عن عبد الله بن المغفل أنه قال: رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الفَتْحِ علَى نَاقَةٍ له يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ - أوْ مِن سُورَةِ الفَتْحِ - قالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا " ، فهو عليه السلام لم يغتر بالنصر بل قابل نعمة النصر بالشكر وهكذا يجب أن تكون حال المسلمين دائماً عبودية لله مطلقة في السراء والضراء عند الضعف والقوة لا أن نعرف الله في الشدة وننساه في الرخاء

خامساً: الحرم المكي يختص بخصائص :

الأولى: حرمة القتال فيه وما أذن فيه للقتال إلا ساعة من نهار للمصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ومع ذلك كان حريصاً على حقن الدماء وعادت الحرمة إلى يوم القيامة فالمشركون والملحدون لا يجوز دخولهم مكة والاستيطان بها باتفاق الأئمة وأما البغاة الذين يعلنون البغي على الإمام الصالح فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنهم يقاتَلون على بغيهم إذا لم يكن ردهم عن بغيهم إلا بالقتال لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز أضاعتها فحفظها أولى في الحرم من أضاعتها قال النووي ما نقل عن الجمهور هو الصواب وهو ما ذكرنا إلا أن بعض الفقهاء قال يحرم قتال البغاة بل يضيق عليهم في كل الوجوه حتى يضطروا إلى الخروج من الحرم أو الرجوع إلى الطاعة

الثانية: من خصائص الحرم تحريم صيده إلا ما استثني وهو الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وقد قاس عليهم العلماء الحية والسباع الضارية

الثالثة: يحرم قطع شيء من نباته أي ما انبته الله لا ما غرسه أحد الناس

الرابعة: يجب دخوله محرماً إلا من تكرر دخوله كالتجار وأصحاب السيارات الأجرة وهم من تجبرهم مهنتهم على استمرار الدخول إلى الحرم والخروج منه والرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة غير محرم لأنه كان متهيئاً لقتال من سيقاتله

هذا وأستغفر الله لي و لكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

عباد الله: استكمالاً للعبر

حكم التصوير واتخاذ الصور

فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى أخرج كل ما فيها من الصور والأصنام وقد روى البخاري في كتاب الحج عَنِ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ ، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلاَمِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ، لَقَدْ عَلِمُوا : مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ ، ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي البَيْتِ ، وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ " وقد أمر بالرسوم المخطوطة على الجدران فمحيت كما أمر بالصور المجسمة الموجودة في جوفها فأخرجت وهذا يدل بوضوح على حكم الإسلام في حق التصوير والصور المجسمة وغير المجسمة وإليكم نص الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم قال: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد الحرمة وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام على كل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو اناء أو حائط" أ.هـ

اللهم اجعلنا من المعظمين لبيتك ولا تحرمنا زيارته وهيء لنا الحج والعمرة سنين عديدة وأعوام مديدة

وصلى الله على نبينا محمد

1435-4-2

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي