تفسير سورة طه

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 22 شعبان 1441هـ | عدد الزيارات: 3277 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

سورة طه مكية وآياتها 135 ، نزلتْ بعد مريم .

بسم الله الرحمن الرحيم

" طَهَ " (1)

من جملة الحروف المقطعة المفتتحِ بها كثيرٌ من السور، وليست اسماً للنبي ، صلى الله عليه وسلم

"ما أنزلنا عليك القرآنَ لِتَشْقَى" (2)

قوله : " ما أنزلنا عليكَ القرآنَ لِتَشْقَى " . ما أنزلنا عليك - أيها الرسول - القرآنَ ؛ لتشقى بما لا طاقةَ لك به من العمل .

"إلَّا تذكرةً لم يخْشَى " (3)

أي: إلَّا ليتذكرَ به مَنْ يخشى الله تعالى فيتذكر ما فيه من الترغيب فيعمل به، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران فيرهب منه؛ ولهذا سماه الله تذكرة ، والتذكرةُ لشيء كان موجوداً إلا أن صاحبه غافل عنه أو غير مستحضر لتفصيله. وخص بالتذكرة " من يخشى " لأن غيره لا ينتفع به. فالله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده.

ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم, وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات, المدبر لجميع المخلوقات.
"تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا "

أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك ، رب كل شيئ ومليكه ، القادر على كل شيئ والذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها وخلق السماوات العلا في ارتفاعها ولطافتها ،

ثم أخبر عن عظمته وكبريائه, فقال:

"الرحمن على العرش استوى "

الْعَرْشِ هو أرفع المخلوقات وأعظمها, وأوسعها." اسْتَوَى استواء يليق بجلاله وعظمته . وإن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل .

"له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى " (6)

أي:الجميع ملكه وفي قبضته وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه،وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه،لا إله سواه ولارب غيره ،" وما تحت الثرى" وما تحت الأرض خلقا،وملكا،وتدبيرا.

" وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى "

(السر) ما أسره ابن آدم في نفسه ، (وأخفى) ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه فالله يعلم ذلك كله

"اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ "

" اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: لا معبود بحق, ولا مألوه بالحب والذل, والخوف والرجاء, والمحبة والإنابة والدعاء "إلا هو".
" لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " .
ومن حسنها, أنها كلها, أسماء دالة على المدح. فليس فيها, اسم لا يدل على المدح والحمد و أنها ليست أعلاما محضة, وإنما هي أسماء وأوصاف. دالة على الصفات الكاملة, و له من كل صفة, أكملها, وأعمها, وأجلها. وأمر العباد أن يدعوه بها قال تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا "

"وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ "

يقول تعالى لنبيه محمد, صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام التقريري.
والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها: " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى " أي قصة موسى بن عمران عليه السلام وكيف كان الوحي إليه وتكليمه إياه وذلك بعد ما وفى صهره ماكان عليه من رعاية الغنم ، وسار بأهله من مدين قاصدا بلاد مصر فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية باردة ذات ظلام ، فبينما هو كذلك

"إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى "

حين رأى في الليل نارا موقدة فقال لأهله : انتظروا لقد أبصرت نارا لعلي آجيئكم منها بشعلة تستدفئون بها وتوقدون بها نارا أخرى أو أجد عندها هاديا يدلنا على الطريق

"فلما أتاها نودي يا موسى "

فلما أتى موسى تلك النار ناداه الله : " يا موسى "

إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى

قوله " : إني أنا ربك " الذي يكلمك ، " فاخلع نعليك " تعظيم للبقعة المقدسة ، " إنك بالوادي المقدس طوي" ، وهو اسم الوادي

"وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "

" وَأَنَا اخْتَرْتُكَ " أي: تخيرتك واصطفيتك من الناس.
وهذه أكبر نعمة ومنة أنعم الله بها عليه ، تقتضي من الشكر ، ما يليق بها ، ولهذا قال: " فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " أي: ألق سمعك لما أوحيه إليك .

"إنني أنا الله لا إلاه إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري"

ثم بين الذي يوحيه إليه بقوله: " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا " أي: الله المستحق الألوهية المتصف بها ، لأنه الكامل في أسمائه ، وصفاته ، المنفرد بأفعاله ، الذي لا شريك له ، ولا مثيل ، ولا كفو ، وهذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله تعالى :" فَاعْبُدْنِي " أي قم بعبادتي وحدي من غير شريك بجميع أنواع العبادة ، ظاهرها وباطنها ، أصولها وفروعها.
ثم خص الصلاة بالذكر فقال " أقم الصلاة لذكري " وإن كانت داخلة في العبادة ؛ لفضلها وشرفها ؛ وتضمنها عبودية القلب, واللسان, والجوارح. قوله: " لِذِكْرِي " اللام للتعليل أي: أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي. لأن ذكره تعالى, أجل المقاعد, وبه عبودية القلب, وبه سعادته.فالقلب المعطل عن ذكر الله ، معطل عن كل خير ، وقد خرب كل خراب.
"إن الساعة لآتية أدكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى "

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أي: لا بد من وقوعها أَكَادُ أُخْفِيهَا كاد بمعنى قرب أي : أقرب من إخفائها عن كل مخلوق .والحكمة من ذلك ؛ " لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى " أي من أجل أن أجزي كل عامل بعمله من خير أو شر.

" فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى "

أي: فلا يشغلك عن الإيمان بالساعة ، والجزاء ، والعمل لذلك من كان كافرا بها ، غير معتقد لوقوعها . وقوله : " واتبع هواه " اتبع هوى نفسه فكذب بالساعة ، " فَتَرْدَى " أي: تهلك وتشقى .

"وما تلك بيمينك يا موسى "

هذا سؤال على سبيل الإيناس له ، كما أنه استفهام تقرير .

قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى

ذكر فيها هاتين المنفعتين : منفعة لجنس الآدمي ، وهو أنه يعتمد عليها في قيامه ومشيه ، فيحصل فيها معونة. ومنفعة للبهائم ، وهو أنه كان يرعى الغنم ، فإذا رعاها في شجر الخبط ونحوه, هش بها, أي: ضرب الشجر, ليتساقط ورقه, فيرعاه الغنم. هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام, الذي من آثاره, حسن رعاية الحيوان البهيم, والإحسان إليه, دل على عناية من الله له واصطفاء, وتخصيص تقتضيه رحمة الله وحكمته." وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ " أي: مصالح " أُخْرَى " غير هذين الأمرين. ومن أدب موسى عليه السلام, أن الله لما سأله عما في يمينه, وكان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها, أو منفعتها - أجابه بعينها, ومنفعتها .

"قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ " ، " فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ "

انقلبت بإذن الله ثعبانا عظيما. فولى موسى هاربا خائفا, ولم يعقب.وفي وصفها بأنها تسعى, إزالة لوهم يمكن وجوده, وهو أن يظن أنها تخييل, لا حقيقة. فكونها تسعى يزيل هذا الوهم .

" قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ

فقال الله لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ أي: ليس عليك منها بأس. سنعيدها سِيرَتَهَا الْأُولَى " أي هيئتها وصفتها, إذ كانت عصا، فامتثل موسى أمر الله, إيمانا به, وتسليما, فأخذها, فعادت عصاه التي كان يعرفها . وهذا برهان ثان لموسى عليه الصلاة والسلام ؛ وذلك قوله تعالى :

واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى "(22) ، قوله : " واضمم يدك إلى جناحك" أي كفك تحت عضدك " تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " أي: بياضا ساطعا, من غير عيب ولا برص " آيَةً أُخْرَى " علامة أخرى .

" لنريك من آياتنا الكبرى "(23)

أي: فعلنا ما ذكرنا من انقلاب العصا حية تسعى, ومن إخراج اليد بيضاء للناظرين, لأجل أن نريك "من آياتنا الكبرى", الدالة على صحة رسالتك, وحقيقة ما جئت به, فيطمئن قلبك, ويزداد علمك, وتثق بوعد الله لك, بالحفظ والنصرة, ولتكون حجة وبرهانا, لمن أرسلت إليهم.

ولما أوحى الله إلى موسى, ونبأه, وأراه الآيات الباهرات, أرسله إلى فرعون, فقال: " اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى " (24) أي: تمرد وزاد على الحد, في الكفر والفساد, والعلو في الأرض, والقهر للضعفاء, حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية - قبحه الله - .
فحينئذ علم موسى عليه السلام, أنه تحمل حملا عظيما, حيث أرسل إلى هذا الجبار العنيد, .فامتثل أمر ربه, وتلقاه بالانشراح والقبول, وسأله المعونة, وتيسير الأسباب, التي هي من تمام الدعوة

" قال رب اشرح لي صدري " (25)

هذا سؤال من موسى عليه السلام لربه عز وجل أن يشرح له صدره فيما بعثه به فإنه قد أمر بأمر عظيم وخطب جسيم بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك

" ويسر لي أمري " (26)

أي: سهل علي كل أمر أسلكه وكل طريق أقصده في سبيلك, وهون علي ما أمامي من الشدائد.

" واحلل عقدة من لساني " (27)

أي أطلق لساني بفصيح المنطق

" يفقهوا قولي " (28) يفهموا كلامي

" واجعل لي وزيرا من أهلي " (29)

أي: معينا يعاونني, ويؤازرني, ويساعدني على من أرسلت إليهم.
وسأل أن يكون من أهله, لأنه من باب البر, وأحق ببر الإنسان, قرابته.
ثم عينه بسؤاله فقال: " هَارُونَ أَخِي " (30) " اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي " (31)أي: قوني به ، وشد به ظهري.

" وأشركه في أمري " " (32) أي في مشورتي .

ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال: " كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا " (33)، "وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " (34) ، علم عليه الصلاة والسلام أن مدار العبادات على ذكر الله ، فسأل الله أن يجعل أخاه معه ، يتساعدان ويتعاونان على البر والتقوى, فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح, والتهليل, وغيره من أنواع العبادات.

" إنك كنت بنا بصيرا " (35)

تعلم حالنا, وضعفنا, وعجزنا, وافتقارنا إليك في كل الأمور.
وأنت أبصر بنا من أنفسنا وأرحم ، فمن علينا بما سألناك ، وأجب لنا فيما دعوناك.

" قال قد أوتيت سؤلك يا موسى " (36)

هذه إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل ربه من حل عقدة اللسان وجعل هارون أخيه وزيرا يشد به أزره .

ولقد مننا عليك مرة أخرى (37) إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى (38) أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني " (39)

ثم شرع سبحانه يذكره بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتله لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان من بني إسرائيل حذرا من وجود موسى ، فاتخذت له تابوتا فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في النيل وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به النيل إلى دار فرعون ، وهذا قدر مقدور من الله فله السلطان العظيم والقدرة التامة ألا يربى إلا على فراش فرعون ويتغذى بطعامه وشرابه مع محبة زوجة فرعون له ولهذا قال تعالى :" يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني" ، فصرت بذلك محبوبا بين العباد ولتربى على عيني وفي حفظى

"إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى"(40)
ففي هذه الحالة, حرم الله على موسى المراضع, فلا يقبل ثدي امرأة قط, ليكون مآله إلى أمه, فترضعه, ويكون عندها, مطمئنة ساكنة, قريرة العين.
فجعلوا يعرضون عليه المراضع, فلا يقبل ثديا.
فجاءت أخت موسى ، فقالت لهم : " هل أدلكم على من يكفله "، تعنى هل أدلكم على من يرضعه لكم بالأجرة فذهبت به وهم معها إلى أمه فعرضت عليه ثديها فقبل ففرحوا بذلك فرحا شديدا واستأجروها على إرضاعه فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا ، وفي الآخرة أعظم وأجزل .
" فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ " ، كي تطيب نفسها بسلامتك من الغرق والقتل ولا تحزن على فقدك ، "وَقَتَلْتَ نَفْسًا " وهو القبطي ، " فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ " وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله ، ففر منهم هاربا حتى ورد ماء مدين .
" وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا " أي: اختبرناك ، وبلوناك ، فوجدناك مستقيما في أحوالك.

" فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ " فخرجت خائفا إلى أهل مدين فمكثت سنين فيهم

" ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى " ثم جئت من مدين في الموعد الذي قدرناه لإرسالك مجيئا موافقا لقدر الله وإرادته والأمر كله لله تبارك وتعالى .

" وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " (41) أي أنعمت عليك هذه النعم اجتباء مني لك واختيارا لرسالتي وبلاغا عنى والقيام بأمري ونهيي .

" اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري " (42)

لما امتن الله تعالى على موسى بما امتن به من النعم قال له : " اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ " هارون ،" بِآيَاتِي " معجزاتي الدالة على ألوهيتي وكمال قدرتي .
" وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي " أي: لا تفترا ، عن مداومة ذكري

" اذهبا إلى فرعون إنه طغى " (43) تجاوز الحد في كفره و, وظلمه وعدوانه.

" فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " (44) قوله " فقولا له قولا لينا" أي: سهلا لطيفا, برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف, ولا غلظة في المقال

" لَعَلَّهُ " بسبب القول اللين " يَتَذَكَّرُ " ما ينفعه فيأتيه.
" أَوْ يَخْشَى " ما يضره فيتركه, فإن القول اللين داع لذلك ، والقول الغليظ منفر عن صاحبه .

" قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " (45)

قوله : " قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا " أي: يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا, قبل أن نبلغه رسالاتك, ونقيم عليه الحجة " أَوْ أَنْ يَطْغَى " أي يتمرد عن الحق, ويطغى بملكه, وسلطانه, وجنده, وأعوانه.

" قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى " (46)

قوله : " قَالَ لَا تَخَافَا " من فرعون " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " أي: أنتما بحفظي ورعايتي, أسمع قولكما, وأرى جميع أحوالكما, .

" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى "(47)

قوله :"" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم "

أي: فأتياه بهذين الأمرين : دعوته إلى الإسلام ، وتخليص بني إسرائيل من قيده وتعبيده لهم ؛ ليتحرروا ويملكوا أمرهم .
" قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ من ربك " قد أتيناك بدلالة معجزة من ربك تدل على صدقنا في دعوتنا .
" وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى " والسلامة من عذاب الله تعالى لمن اتبع هداه

" إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى"(48)

قوله :" إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا " أي قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا " أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى " أن عذابه متمحض لمن أعرض عن دعوته وشريعته

" فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى " (49)

قال فرعون لهما على وجه الإنكار: " فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى " ؟!.

فأجاب موسى بجواب شاف كاف واضح : " قال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " (50) ،ربنا الذي خلق جميع المخلوقات, وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به, على حسن صنعه . " ثُمَّ هَدَى " كلَّ مخلوقٍ هدايةً كاملةً للانتفاع بما خلقه اللهُ له .

" قال فما بالُ القرونِ الأولى " (51)

قال فرعون لموسى على وجه المغالطة : ما شأن الأمم السابقة فقد سبقونا إلى الانكار والكفر؟"قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " (52)

فقال موسى لفرعون :علم تلك القرون عند ربي في اللوح المحفوظ لا يضل ربي في أفعاله وأحكامه ولا ينسى شيئا ، .

" الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " (53)

ثم استطرد في هذا الدليل القاطع بذكر كثير من نعمه وإحسانه فقال: " الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا " أي: ميسرة للانتفاع بها ." وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا "أي: جعل لكم طرقا تمشون في مناكبها " وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى" وأنزل من السماء مطرا فأخرج به أنواعا مختلفة من النبات من زروع وثمار من حامض وحلو وسائر الأنواع

" كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى " (54)

قوله تعالى " كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ " أي : شيء لطعامكم وفاكهتكم وشيء لأنعامكم لأقواتها خضرا ويابسا " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ " أي لدلالات وحجج وبراهين " لِأُولِي النُّهَى" أي لذوي العقول السليمة المستقيمة على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه

" منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " (55)

من الأرض مبدؤكم فإن أباكم آدم مخلوق من تراب وإليها تصيرون إذا متم ومنها نخرجكم مرة أخرى للحساب والجزاء

" ولقد أريناه آياتنا كُلَّها فكذب وأبى " (56) أنه قامت عليه الحجج والآيات الدالة على ألوهيتنا وقدرتنا وصدق رسالة موسى فعاين ذلك وأبصره فكذب بها وأباها كفرا وعنادا .

قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى (57)

قال فرعون هل جئتنا ياموسى لتخرجنا من ديارنا بسحرك هذا ، وذلك حين أراه الآية الكبرى وهي إلقاء عصاه فصارت ثعبانا عظيما ، ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء .

"فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى" (58)

سوف نأتيك بسحر مثلِ سحرك ، فاجعل بينا وبينك موعدا محددا لا نخلفه نحن ولاأنت في مكان ووقت معينين

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴿59﴾

فقال موسى: "مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ " وهو عيدهم, الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم." وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى " أي: يجمعون كلهم في وقت الضحى. وإنما سأل موسى ذلك, لأن يوم الزينة ووقت الضحى فيه يحصل كثرة الاجتماع, ورؤية الأشياء على حقائقها, ما لا يحصل في غيره.

" فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ "

شرع في جمع السحرة من مدائن مملكته ، ثم جاء بعد ذلك لموعد الاجتماع.

قَالَ لَهُمْ مُوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ

قال موسى لسحرة فرعون يعظهم :" وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا" احذروا لا تختلقوا على الله الكذب فتخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة وهي ليست مخلوقة فتكونون قد كذبتم على الله " فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ " فيستأصلكم بعذاب من عنده ويبيدكم " وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ " أي وقد خسر من اختلق على الله كذباً .

" فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ "

اختلف السحرة فيما بينهم وتحادثوا سرا ، " قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ

قالوا إن موسى وهارون لساحران يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس وتتبعهما العامة ويقاتلا فرعون وجنودَه فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم ، وقوله :"وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ " أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر فإنهم كانوا معظمين بسببها ، لهم أموال وأرزاق عليها .

" فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ

أي اجتمعوا كلكم صفا واحدا وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار وتغلبوا هذا وأخاه " وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ " ،وقد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فغلبه وقهره .

" قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَ

فما أصلَبَهم في باطلهم ! ، حيث أتوا بكل وسيلة, ومكيدة يكيدون بها الحق ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره, ويظهر الحق على الباطل ، فلما تمت مكيدتهم , ولم يبق إلا العمل ،" قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ " ، عصاك ، " وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ "

نْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ "

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ (66)

قال لهم موسى : بل ألقوا أنتم ما معكم أولا ، فألقوا حبالهم وعصيهم فتخيل موسى من قوة سحرهم أنها حيات تسعى

" فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَىٰ "

فشعر موسى في نفسه بالخوف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه .

" قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَىٰ "

" قُلْنَا " له تثبيتا وتطمينا : " لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى " أي ستعلو عليهم .

وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ

قوله :" وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ " أي: عصاك " تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا " أي تبتلع حبالهم وعصيهم " إِنَّمَا صنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ " ما هو إلا مكر ساحر وتخيل سحر ، "وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ " ولا يظفر الساحر بسحره أينما كان

" فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ "

فوقع الحق ، وبطل السحر، والكيد, في ذلك المجمعِ العظيمِ ، حيث ألقى السحرة سجدا قائلين آمنا برب هارون وموسى

قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ

قال فرعون للسحرة : أصدقتم بموسى واتبعتموه وأقررتم له "قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ "بذلك ؟ ، " إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ "إن موسى لعظيمكم " الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ" ، فلذلك تابعتموه ،" فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ" مخالفا بينها يدا من جهة ورجلا من الجهة الأخرى ، "وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ"بربط أجسادكم على جذوع النخل ،" وَلَتَعْلَمُنَّ" أيها السحرة " أَيُّنَا "،أنا أو رب موسى ،"أَشَدُّ عَذَابًا" من الآخر وَأَبْقَىٰ " ، وأدوم له

"قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا "

لما عرف السحرة الحق, ورزقهم الله من العقل, ما يدركون به الحقائق, أجابوا بقولهم: " لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ " الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده, المعظم المبجل وحده, وأن ما سواه باطل, "وَالَّذِي فَطَرَنَا " ، معطوف على البينات ، أي لا نختارك على خالقنا الذي أنشأنا من عدم ، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت ، "فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ " مما أوعدتنا به من القطع, والصلب, والعذاب.
" إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " أي: إنما توعدنا به, غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا, ينقضي ويزول ولا يضرنا ، بخلاف عذاب الله, لمن استمر على كفره, فإنه دائم عظيم.

إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ

قوله " إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا " أي ما كان منا من آثام

وقولهم " وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ " لنعارض به آيات الله ومعجزة نبيه

وقوله :" والله خير " أي خير لنا منك ، يا فرعون ، " وأبقى " أي أدوم ثوابا لمن أطاعه مما كنت وعدتنا

"إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ "

يخبر تعالى أن من أتاه ، وقدم عليه و وصفه الجرم من كل وجه ، وذلك يستلزم الكفر " فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ " الشديد نكالها, العظيمة أغلالها, البعيد قعرها, الأليم حرها ومن شدة ذلك أن المعذب " لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ " لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة يتلذذ بها .

قوله : وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ

ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله " قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ" أي الأعمال الصالحة " فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ " أي: الجنة ذات الدرجات العاليات ، والغرف الآمنات والمساكن الطيبات ، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن أهل الجنة يتراءون أهلَ الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكبَ الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " رواه البخاري

قوله:" جَنَّاتُ عَدْنٍ "أي: الإقامة الدائمة،" تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ"، أي من تحت قصورها وأشجارها " خَالِدِينَ فِيهَا " أي ماكثين فيها أبدا قوله :" وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ " وذلك النعيم المقيم ثواب من الله لمن تطهر من الشرك, والكفر, والفسوق, والعصيان.

"وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ"

يقول الله تعالى :"وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي"أن اخرج ليلا بعبادي من بني إسرائيل من مصر" فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا " فاتخذ لهم في البحر طريقا يابسا "لَا تَخَافُ دَرَكًا "لا تخاف من فرعون وجنوده أن يلحقوكم فيدركوكم "ولا تخشى" من البحرأن يغرق قومك.

" فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ "

فأسرع موسى ببني إسرائيل وعبر بهم طريقا في البحر ، فأتبعهم فرعون بجنوده " فغشيهم من اليم ما غشيهم " فغمرهم من الماء ما لا يعلم كنهه إلا الله فغرقوا جميعا ، ونجا موسى وقومَه .

"وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ"

قوله " وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ " بما زيّنه لهم من الكفر والتكذيب ، " وَمَا هَدَىٰ" ، وما سلك بهم طريق الهداية

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ

يذكر الله تعالى نعمه العظام على بني إسرائل، ومننه الجسامَ حيثُ نجَّاهم من عدوهم فرعونَ و أقر أعينهم منه وهم ينظرون إليه وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة لم ينج منهم أحد

وفي الصحيحين عن ابنِ عبّاس لمّا قدم رسولُ اللهِ المدينةَ واليهودُ تصوم عاشوراءَ فسألهم ، فقالوا: هذا اليومُ الّذي أظْفَرَ اللهُ فيه موسى على فرعونَ ، فقال : " نحنُ أولى بِموسى فَصُومُوهُ ".

قوله "وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وجعلنا موعدكم الجانب الأيمن من جبل الطور لإنزال التوراة عليكم وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ نزلنا عليكم في التيه ما تأكلونه مما يشبه الصمغ طعمه كالعسل وَالسَّلْوَىٰ : طير يشبه السُّمانِي

كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ

قوله :كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أي كلوا من هذا الذي رزقناكم وَلَا تَطْغَوْا فيه أي لاتطغوا في رزقي فتأخذوا من غير حاجة وتخالفوا ما آمركم به فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أي أغضب عليكم وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ أي هلك

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ

قوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ أي رجع عمَّا كان فيه من كفر أوشرك أونفاق أو معصية "وءامن" بقلبه"وعمل صالحا"بجوارحه"ثم اهتدى"إلى الحق واستقام عليه

وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ

وأي شيء أعجلك عن قومك يا موسى فسبقتهم إلى جانب الطورالأيمن وخلفتهم وراءك

قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ

إنهم خلفي سوف يلحقون بي وسبقتهم إليك ياربي لتزداد عني رضى

قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري (85)

أخبر تعالى نبيه موسى بماكان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامريُّ فأضلهم .

"فرجع موسى إلى قومه غضبانَ أسِفَا قال يا قومِ ألم يَعِدْكُمْ ربُّكم وعدا حسنا أفطال عليكمُ العهدُ أم أردتم أن يحل عليكم غضبٌ من ربكم فأخلفتم موعدي(86)

قوله:"فرجع موسى إلى قومه غضبانَ أسِفَا بعد ما أخبره الله تعالى أن قومه عبدوا العجل رجع إلى قومه في غاية الغضب والحنق عليهم فالأسف شدة الغضب، وقد رجع إليهم بعد تسلم التوراة التي هي شريعتهم وهي شرف لهم ، وعبادتُهم لغير الله دليلٌ على سخافة عقولهم،" قال يا قومِ ألم يَعِدْكُمْ ربُّكم وعدا حسنا" أي ما وعدكم على لساني كلَّ خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإنزال التوراة عليكم ،"أفطال عليكمُ العهدُ"أي أسْتبطأتم الوعد؟ ،"أم أردتم أن يحل عليكم غضبٌ من ربكم"أم أردتم أن تفعلوا فعلا يحل عليكم بسببه غضب من ربكم "فأخلفتم موعدي" وعبدتم العجل وتركتم الالتزام بأوامري .

"قالوا ما أخلفنا موعدك بِمَلْكِنَا ولكنَّا حُمِّلْنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري"(87)

قوله:"ماأخلفنا موعدك بِمَلْكِنَا"أي لاعن اختيارنا وقدرتنا،":ولكنَّا حُمِّلْنا أوزاراً من زينة القوم "، فشرعوا يعتذرون بالعذر البارد يخبرونه عن تورعهم عمَّا كان بحوزتهم من حُليّ القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوامن مصرَ،"فقذفناها" فألقيناها في حفرة فيها نار " فكذلك ألقى السامري" ما معه من الحُليّ .

"فأخرج لهم عجلاً جسداً له خُوارٌ فقالوا هذا إِلهُكُمْ وإله موسى فَنَسِيَ"(88)

فصنع السامريُّ لبني إسرائيل من الذهب المنصهرِ على هيئة عجل يخور خُوارَ البقر وما كان خُواره إلا أن يدخل الريح في دبره فيخرج من فيه فيسمع له صوت فقال السامري ومن افتتن بهذا العجل وانخدع به ؛ لغيرهم : هذا العجل هو إلهكم وإله موسى"فَنَسِيَ" ، المراد بالنسيان الترك ، فالعرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمداً ، فالناسي هو السامري أي ترك عمداً ما أمر به موسى من الإيمان فصار كافرا بادّعاء ألوهية العجل وعبادته .

أفلا يَرَوْنَ أَلّا يرْجِعُ إليهم قولاً ولا يَمْلِكُ لَهُمْ ضرَّاً ولا نَفْعَاً (89)

أفلا يرى الذين عبدوا العجل أنه لا يكلمهم ابتداءً ولا يرد عليهم جواباً ولا يقدر على دفع ضرٍ عنهم ولا جلب نفعٍ لهم !.

"ولقد قال لهم هارونُ من قبْلُ يا قوم إنما فتنتم به وإن ربَّكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري "(90)

أي إنهم باتخاذهم العجل ليسوا معذورين فيه.فإنه, وإن كانت عرضت لهم الشبهة في أصل عبادته ، فإن هارون قد نهاهم عنه, وأخبرهم أنه فتنة ، وأن ربهم الرحمن, الذي منه النعم الظاهرة والباطنة ، الدافع للنقم ، وأنه أمرهم أن يتبعوه ، ويعتزلوا العجل ، فأبوا.

"وقالوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى "(91) .

قال عُبَّادُ العجْلِ منهم : لن نزال مقيمين على عبادة العجلِ حتى يرجع إلينا موسى .

"قال ياهارونُ ما مَنَعَكَ إذْ رأيتَهم ضلوا .(92) أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي"(93)

يخبر الله تعالى عن موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه فرأى ما حدث فيهم من أمر عظيم فامتلأ عند ذلك غضبا فأخذ بلحية ورأس أخيه يجره إليه : " قال يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي " أي تلحق بي فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع ؟ " أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي " فيما أمرتك به من خلافتي والإصلاح بعدي؟ .

قال يَبْنؤُمَّ لا تأخذْ بلحيتي ولابرأسي إنَّي خَشِيتُ أن تقولَ فرقتَ بينَ بني إسرائيل ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلي (94)

قوله: "قال يَبْنؤُمَّ" ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه ؛ لأن ذكر الأم ،هاهنا، أرق وأبلغ في الحنو والعطف، " لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي" ، هذا اعتذار من هارون عند موسى بسبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم ، قال " إِنِّي خَشِيتُ" إني خفت إنْ تركتُهم ولحقتُ بك لأخبرك بهذا، "أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بينَ بني إسرائيل " حيثُ تركتَهم وليس عندهم راعٍ ولا خليفةٍ فإنَّ هذا يفرقهم ويشتتُ شَمْلَهمْ " ولم ترقب قولي " ولم تحفظ وصيتي بحسن رعايتهم.

" قال فما خطبك يا سامريُّ "(95)

قال موسى للسامري: ما حملك على ما صنعتَ ؟ ،وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلتَ ؟

"قال بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فقبضتُ قبضةً من أثر الرسول فنبذتُها وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي"(96)

قوله :" بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ " أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق، " فقبضتُ قبضةً من أثر الرسول فنبذتُها" ما أخذته من أثر الرسالة هو قليل ، وهذا القليل طرحته .

"وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي "أي حسَّنته وأعجبها .

" قال فاذهب فإنَّ لك في الحياة أن تقول لا مساسَ وإن لك موعداً لن تُخْلَفَه وانظر إلى إلهك الذي ظَلْتَ عليه عاكفاً لنحرقنَّه ثم لننسفنَّهُ في اليم نسفاً "(97)

قال موسى للسامري: " فَاذْهَبْ " أي ابتعد عني فإن عقوبتك في الحياة الدنيا أن تعيش طريدا شريدا منبوذا وأن تقول لكل من يدنو منك :" لا مساسَ: أي لاتمس النَّاسَ ولا يمسونك "وإن لك موعداً " أي يوم القيامة :"لن تُخْلَفَه " أي لا محيد لك عنه ،" وانظر إلى إلهك" معبودك ،" الذي ظلتَ عليه عاكفاً " أي أقمت على عبادته وهوالعجل ، "لنحرقنَّه "في النار، "ثم لننسفنَّهُ في اليم نسفاً" ثم لنذرَوُنَّه في البحر ذرواً لتذهب به الريح حتى لا يبقى منه أثر

" إنَّما إلهُكُمُ اللهُ الَّذي لا إلهَ إلا هو وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً "(98)

يقول لهم موسى عليه السلام : ليس هذا إلهكَم إنما إلهكُم الله الذي لا إله إلا هو ، ولا تنبغي العبادة إلا له ، وقوله " وسع كل شيء علما " المحيط علمه بجميع الأشياء .

" كذلك نَقُصُّ عليكَ من أنْبَاءِ ما قد سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ مِن لَدُّنَا ذِكْراً "(99)

كما قصصنا عليك أنباء موسى وفرعون وقومِهما نخبرُكُ بأنباءِ السابقين " وقد ءاتيناك من لدُّنا" من عندنا " ذكراً " وهوالقرآن الذي لم يُعْطَ نبيٌ من الأنبياء كتاباً مثلَهُ ولا أكْمَلَ منه

" مَنْ أعْرَضَ عنهُ فإنَّهُ يَحْمِلُ يومَ القيامة وزرا "(100)

من أعرض عن هذا القرآن ولم يصدق به ولم يعمل بما فيه فإنه يأتي يوم القيامة يحمل إثما عظيما .

" خالدين فِيهِ وَسَاَءَ لَهُمْ يومَ القيامةِ حِمْلاً "(101)

قوله: خالدين فيه باقين في العذاب وساءَ لهم يومَ القيامةِ حِمْلاً أي بئس الحمل حملهم

" يوم يُنْفَخُ في الصورِ ونحشرُ المجرمين يومئذٍ زُرْقَاً "(102)

ورد في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال،قال أعرابي : يا رسول الله : ما الصور ؟ قال : قرنٌ يُنْفَخُ فيه " رواه الترمذي ( وصححه الألباني)

يوم ينفخ الملكُ إسرافيل في القرن لصيحة البعث "ونحشرُ المجرمين يومئذٍ زُرْقَاً " ونسوق الكافرين ذلك اليوم وهم زرق تغيرت ألوانهم من شدة الأحداث والأهوال

" يتخافتونَ بينهمْ إن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرَاً " (103)

يتهامس الكفار فيما بينهم بصوت خافتٍ يقول بعضهم لبعض : ما بقيتم في الدنيا إلا عشرة أيام .

"نحن أعلمُ بما يقولون إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا " (104)

قوله :"نحن أعلم بما يقولون " أي في حال تهامسهم فيما بينهم " إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً"أي أوفاهم عقلا" إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا " لِقِصَرِ مدة الدنيا في أنفسهم يوم القيامة

" ويسألونك عن الجبالِ فقلْ يَنسفها ربي نسفاً "(105)

ويسألك قومُك عن مصير الجبال يومَ القيامة فقل لهم : يزيلها ربي عن أماكنها فيجعلها هباءً منبثا

"فَيَذَرُها قَاعَاً صَفْصَفاً "(106) ، فيترك الأرض منبسطةً مستويةً

"لا تَرَى فيها عِوَجَاً ولا أمْتاً "(107) لا يرى الناظر إليها من استوائها ميلاً ولا ارتفاعاً ولا انخفاضاً

" يومئذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ له وَخَشَعَتِ الْأصْوَاتُ للرحمن فلا تسمع إلا هَمْساً "(108)

قوله " يومئذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ له " أي يوم يرون هذه الأحوال والأهوال يستجيبون مسرعين إلى الداعي ،حيث ما أمروا بادروا إليه "وَخَشَعَتِ الْأصْوَاتُ للرحمن "وسكنت الأصوات خضوعا للرحمن "فلا تسمع إلا هَمْساً" أي لا تسمع منها إلا صوتاً خفياً

يومئذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلَّا مَنْ أَذِنَ له الرحمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109)

قوله :"يومئذٍ " أي يوم القيامة ، " لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ " أي عنده ، " إلَّا مَنْ أَذِنَ له الرحمَنُ " وهوالشافع من الأنبياءِ والمرسلين وعبادِهِ المُقَرَّبِينَ، وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ، وهو المشفوع له مِمَّن قال : لا إله إلا الله من المؤمنين المخلصين .

" يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أيْدِيهمْ وما خَلْفَهم وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً " (110)

قوله : "يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أيْدِيهمْ " ، يعلم الله ما بين أيدي الناس من أمر القيامة ، " وما خلفهم " من أمر الدنيا ، قوله : " وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً "أي لا يحيط خَلْقُهُ بعلم الله سبحانه وتعالى .

" وعنتِ الوجوهُ للحي القيومِ وقد خاب مَنْ حَمَلَ ظُلْماً " (111)

قوله : وعنت الوجوه للحي القيوم ،أي خضعت وذلَّتْ واسْتَسْلَمَتْ الخلائق للحي الذي لا يموت ، و"القيوم" الذي لا ينام ، وهو قيِّم على كل شيء يدبِّرُهُ ويحفظُهُ ، وهو الكامل في نفسه الذي كلُّ شيء فقيرٍ إليه لا قوامَ له إلا بهِ ، وقوله : وقد خاب مَنْ حمل ظلماً ، وقد خسر يوم القيامة من أشرك مع الله أحدا من خلقه .

" وَمَن يَّعْملْ من الصالحاتِ وهو مؤمنٌ فلا يخافُ ظُلْماً ولا هَضْماً "(112)

قوله : ومن يعمل صالحات الأعمال ، وهو مؤمن بربِّه ، فلا يخافُ ظُلْماً بزيادة سيئاته ، ولا هَضْماً بنقص حسناته .

" وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصَرَّفْنَا فيه من الوعيدِ لعلَّهم يتقون أو يُحْدِثُ لهم ذِكْراً " (113)

لمَّا كان يومُ المَعَاد والجزاء بالخير والشر واقعاً لا مَحَالَةَ أنزلْنا القرآنَ بشيراً ونذيراً بلسان عربي مبين . وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون ، وفصَّلْنَا فيه أنواعاً من الوعيد لعلهم يتقون ، رجاءَ أن يتقوا ربهم ، وذلك بترك المآثم ، أو يحدث لهم ذكراً ، أي يحدث لهم هذا القرآن تذكرةً فيتعظون ويعتبرون

"فَتَعَالَى اللهُ الملكُ الحقُّ ولا تعجلْ بالقرآنِ مِن قَبْلِ أن يُقْضَى إليكَ وَحْيُهُ وقل ربِّ زدني علماً "(114)

قوله : فَتَعَالَى اللهُ الملكُ الحقُّ ،أي تنزّه وتقدّس الملكُ الحقُ الذي هو حق ووعده حق ووعيده حق ورسله حق ، وكُلُّ شيءٍ منه حق ولا تعجلْ بالقرآنِ مِن قَبْلِ أن يُقْضَى إليكَ وَحْيُهُ كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه جبريل بالوحي كلما قال جبريل آية قالها معه من شدة حرصه على حفظ القرآن فأرشده الله تعالى إلى الأسهل والأخف في حقه لئلّا يُشَقَّ عليه ،وثبت في صحيح البخاري عن ابن عبّاس رضى الله عنهما أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يُعالِجُ من الوحي شدةً وكان مِمَّا يحرك لسانه فأنزل اللهُ هذه الآية .

وَقُل رَّبِّ زدني علماً أي زدني منك علماً

" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ولم نجدْ لَهُ عَزْماً" (115)

قوله : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ولقد وصينا آدم من قبل أن يأكل من الشجرة ألا يأكل منها وقلنا له : إن إبليس عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى أنت وزوجك في الدنيا ، فوسوس إليه الشيطان فأطاعه ، وترك الوصية ، وكما أسلفنا في القول عن نسيان السامري فإن النسيان في لغة العرب يأتي بمعنى الترك كما هنا . ولم نجدْ لَهُ عَزْماً ولم نجد له قوةً في العزم يحفظ بها ما أُمِرَ به .

" وإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ أَبَى "(116)

يذكر تعالى تشريفَ آدمَ وتكريمَه وما فضَّلَهُ به على كثير ممَّن خلق تفضيلاً، فأمرَ الملائكةَ بالسجود له إكراماً فبادروا بالسجود ممتثلين وكان بينهم إبليس ، فاستكبر عن أمر ربه وامتنع عن السجود.

" فَقُلْنَا ياآدمُ إِنَّ هَذا عدوٌ لكَ ولزوجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى "(117)

قوله : فَقُلْنَا ياآدمُ إِنَّ هَذا عدوٌ لكَ ولزوجِكَ أي : حواء عليهما السلام ، فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى أي إياك أن يسعى إبليسُ في إخراجكما منها فتتعب في طلب رزقك .

" إن لك ألَّا تجوعَ فيها ولا تَعْرَى "(118)

إن لك ياآدم في الجنة أن تأكل فلا تجوع وأن تلبس فلا تَعرى وقد قرن بين الجوع والعُري ؛ لأن الجوع ذل الباطن والعُري ذل الظاهر

" وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى " (119)

وأنك لا تعطش في هذه الجنة ولا يصيبك حرُّ الشمس ، ثم إنَّ هذين متقابلان ، فالظمأ حر الباطن ، وهو العطش ، والضحى حرُّ الظاهر.

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قالَ ياآدمُ هَلْ أدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120)

قوله : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ الوسوسة هي الصوت الخفي ، والمعنى أي كلمه كلاما خفيا ، فسمعه منه آدم وفهمه : قالَ ياآدمُ هَلْ أدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخُلْدِ أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود ؛ لأن من أكل منها يكون في زعمه الكاذب خالدا لا يموت وَمُلْكٍ لا يَبْلَى وكذلك يقول له في زعمه : ملك لا يفنى ولا ينقطع .

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفضانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّة وَعَصَى آدَمُ ربَّهُ فَغَوَى (121)

فأكل آدم وحواءُ من الشجرة التى نهاهما الله عنها فانكشفت لهما عوراتُهُمَا وكانت مستورةً عن أعينهما فشرعا ينزعان من ورق أشجار الجنة ويلصقانه عليهما ليسترا ما انكشف من عوراتِهما ، فخالف آدمُ ربَّه فضل عن طريق الصواب بأكْلِهِ من الشجرة التي نهاه اللهُ عن الاقتراب منها .

ثمَّ اجْتَبَاهُ ربُّه فَتَابَ عَليه وَهَدَى (122)

الاجتباء: هو الاصطفاء ، أي بعد ما أكل آدمُ من الشجرة أمهله اللهُ ثُمَّ اصطفاه فتاب عليه وهداه إلى ما يرضيه ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حاجَّ موسى آدمَ فقال له أنت الذي أخرجتَ النَّاسَ من الجنة بذنبك ، وأشقيتَهم ؟!، قال آدمُ : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر قد كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني ، أوقدره الله عليَّ قبل أن يخلقني ؟! قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فحجَّ آدمُ موسى .

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لبعضٍ عَدُوٌّ فإمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مني هُدًى فمنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فلا يضلُّ ولا يَشْقَى (123)

قوله تعالى :قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً المراد بهما : آدم وحواء ، بَعْضُكُمْ لبعضٍ عَدُوٌّ أتى بصيغة الجمع باعتبارآدم وحواء مع ذريتهما ، والمعنى أن بعض بني آدم عدو لبعضهم فإمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مني هُدًى ،الخطاب لبني آدم ، أي فإنْ يأتِكم مني رسولٌ أرسله إليكم فمن اتَّبَعَ هُدَاي أي مَنْ آمنَ برسلي وصدَّق بكتبي وامتثل ما أمرتُه به واجتنب ما نهيتُه عنه على ألسنة رسلي فلا يضلُّ فلا يزيغ في الدنيا عن طريق الحق ولا يَشْقَى في الآخرة بعقاب الله.

ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكاً ونحشرُه يوم القيامة أعمى (124)

قوله تعال " ومن أعرض عن ذكري" أي خالف أمري وما أنزلت على رسولي فأعرض عنه وتناساه فإنَّ له معيشةً ضنكاً أي في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره فهو في قلق وحيرة وشك ونحشرُه يوم القيامة أعمى أي أعمى البصر لا يرى شيئا

" قال ربِّ لمَ حشرتَنِي أعمى وقَدْ كنتُ بصيراً " (125)

قال على وجه الذل والتألم من هذه الحالة :رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى أي أعمى البصر لا يرى شيئا وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا في دار الدنيا .

" قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتها وكذلكَ اليومَ تُنْسَى "(126)

قوله: قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا بإعراضك عنها، وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى أي تترك في العذاب ، والجزاءُ من جنس العمل.

وكذلك نجزي مَنْ أسرفَ ولم يؤمن بآيات ربِّه ولعذابُ الآخرةِ أشد وأبقى (127)

قوله : وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ولم يؤمن بآيات ربِّه وهكذا نجازي المسرفين لعلة إسرافهم على أنفسهم بالطغيان والكفر بعقوبات في الدنيا ولعذابُ الآخرةِ المعدُّ لهم أشدُّ ألماً وأبقى وأثبت ؛ لأنه لا ينقطعُ ولا ينقضي .

" أفلم يهدِ لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنَّ في ذلك لآياتٍ لأولي النُّهَى "(128)

يقول تعالى : أفلم يهدِ لهم كَمْ أهلكنا قبلَهم من القرون يمشون في مساكنهم أفلم يدلَّ قومَكَ ، أيها الرسولُ ، على طريق الرشاد كثرةُ من أهلكنا من الأمم المكذِّبة قبلهم وهم يمشون في ديارهم إنَّ في ذلك لآياتٍ لأولي النُّهَى لعبراً وعظات لأصحاب العقول المستقيمة .

"ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربِّك لكان لزاماً وأجلٌ مسمى " (129)

قوله تعالى ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربِّك. أي ولولا الكلمة السابقة وهي وعد الله سبحانه بتأخير العذاب عنهم.لكان عقابُ ذنوبِهم لزاماً أي:لازماً لهم لا يتأخر، وأجل مسمَّى .إلى مدة معينة .

فاصبرْ على ما يقولون وسبِّحْ بحمد ربِّك قبْلَ طُلُوعِ الشمسِ وقبل غروبِها ومن آناءِ الليلِ فسبحْ وأطرافَ النهار لعلك تَرْضَى (130)

قال تعالى لنبيه مسلياً له : فاصبر على ما يقولون أي فاصبرأيها الرسول على ما يقوله المكذبون بك من أوصاف وأباطيل ،وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس أي صلاة الفجر وقبل غروبها صلاة العصر ، لما روى الإمام مسلم عن عِمارة بنِ رُؤَيْبَة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لن يلجَ النارَ أحدٌ صلى قبل طلوعِ الشمس وقبل غروبِها " يعني صلاتَيْ الفجر والعصر ومن آناء الليل فسبّح ، صلاة المغرب والعشاء وأطراف النهار صلاة الظهر إذ وقتها طرف النصف الأول والنصف الثاني من النهار قولُه : لعلك ترضى كي تثابَ على هذه الأعمال بما ترضى به .

" ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما متَّعْنَا به أزواجاً منهم زهْرَةَ الحياة الدنيا لِنَفْتِنَهُمْ فيه وَرِزْقُ ربِّكَ خيرٌ وأبْقى "(131)

قوله : ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما متَّعْنَا به يقول تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم : لا تنظر إلى ما متعنا به هؤلاء المشركين المترفين وما هم فيه من النعم أزواجاً منهم أي الأغنياء منهم زهْرَةَ الحياة الدنيا أي زينتها الزائلة لِنَفْتِنَهُمْ فيه أي لنبتليهم به وَرِزْقُ رَبِّكَ أي ما لكَ عند الله من أجر ومثوبة خيرٌ لك مما متعناهم به، وأبقى وأدوم حيث لا انقطاع له ولا نفاد

" وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " (132)

قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة أي استنقذهم من عذاب الله بإقامة الصلاة واصطبر عليها أي على أدائها لا نسألك رزقاً أي لا نكلفك الطلب فقد روى الترمزي عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : يابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلَّا تفعل ملأتُ صدرك شغلا ولم أسد فقرك " (صححه الألباني)

نحن نرزقك أي نعطيك ، روى ابن ماجه عن زيد بن ثابت قال : سمعتُ رسولَ الله ، صلى الله عليه وسلم يقول ، : مَنْ كانت الدنيا همَّه فرق الله عليه أمرَه وجعل فقره بين عينيه ولم يأتِه من الدنيا إلا ماكتب له ومن كانت الآخرةُ نيتَهُ جمع الله له أمرَه وجعل غناه في قلبه وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ ( صححه الألباني )

والعاقبة للتقوى أي العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى من عبادنا وهم الذين يخشوننا ويؤدون ما أوجبناه عليهم ويجتنبون ما حرمنا عليهم رهبة منا ورغبة فينا.

" وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى "(133)

قوله تعالى وقالوا لولا أي هلَّا يأتينا محمد بآية من ربه أي بعلامة دالة على صدقه في أنَّه رسولٌ أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى أولم يأتهم هذا القرآن مصدقا لما في الكتب السابقة من الحق

ولو أنَّا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربَّنا لولا أرسلتَ إلينا رسولاً فنتبع ءاياتِك من قبل أن نَذِلَّ ونخْزى(134)

قوله :ولو أنَّا أهلكناهم بعذابٍ من قبله أي لو أنَّا أهلكنا هؤلاءِ المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسولَ الكريمَ وننزل عليهم هذا الكتابَ العظيمَ ، لقالوا ربَّنا لولا هلا أرسلتَ إلينا رسولاً قبل أن تهلكنا فنتبع ءاياتِك فنؤمن بها من قبل أن نَذِلَّ ونخْزى أي بعذابك .

" قلْ كلٌّ مُتَربِّصٌ فتربصوا فستعلمون منْ أصحابُ الصراطِ السويِّ ومن اهتدى " (135)

قوله قلْ كلٌّ مُتَربِّصٌ أي منَّا ومنكم فتربَّصوا أي فانتظروا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي أي الطريق المستقيم ومن اهتدى إلى الحق وسبيل الرشاد .

تم تفسير سورة طه ، ولله الحمد والمنة .

1441/9/13هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر