الدرس الخامس والأربعون: الحديث 35 أخوة الإسلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 25 رجب 1437هـ | عدد الزيارات: 2047 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

"عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ - بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه" رواه مسلم

أهمية الحديث

يحيط الرسول صلى الله عليه وسلم الأخوة الإسلامية بأوامر ونواهٍ تجعلها حقيقة ملموسة بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا الحديث اشتمل على أحكام كثيرة وفوائد عظيمة لبلوغ هذه الغاية الإسلامية النبيلة، ورعايتها من كل عيب أو خلل حتى لا تصبح الأخوة كلاماً يهتف به الناس، وخيالاً يحلمون به ولا يلمَسُون له في واقع حياتهم أي أثر، ولذلك قال النووي في الأذكار عن هذا الحديث: ما أعظم نفعه، وما أكثر فوائده، قال ابن حجر الهيتمي: هو حديث كثير الفوائد، مشير إلى جل المبادئ والمقاصد، بل هو عند تأمل معناه وفهم مغزاه حاوٍ لجميع أحكام الإسلام منطوقاً ومفهوماً، ومشتمل على جميع الآداب أيضاً إيماءً وتحقيقاً

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم (لا تَحَاسَدوا) أصله لا تتحاسدوا، حذفت إحدى التاءين تخفيفاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الحسد: كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال، فكلام ابن تيمية رحمه الله دقيق فمجرد ما تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد، هذا الكلام أدق من القول بأنه تمن زوال النعمة عن الغير، لأن التمني ناشئ عن الكراهية فمجرد حصول الكراهة في القلب يعتبر حسد وهذا حرام، أما الغبطة فهي: تمني حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين) رواه البخاري، أي لا غبطة

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلا تَنَاجَشوا) أصل النجش: الختل وهو الخداع، ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له

فقوله صلى الله عليه وسلم (لا تَنَاجَشوا) لا ينجش بعضكم على بعض، وهذا في المعاملات، والمناجشة في البيع: أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع، أو الأمرين معاً

قال صلى الله عليه وسلم (وَلا تَبَاغَضوا) أي لا تسعوا بأسباب البغضاء وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلا تَدَابَروا) إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض، أولا تدابروا في الرأي، بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى وهو التقاطع

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ) مثال ذلك: رأيت رجلاً باع على آخر سلعة بمئة، فأتيت إلى المشتري وقلت: أنا أعطيك مثلها بتسعين، أو أعطيك خيراً منها بمئة، فهذا بيع على بيع أخيه، وهو حرام

قوله صلى الله عليه وسلم (وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوانَاً) أي تعاملوا معاملة الإخوة في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه فيصيروا مثل الإخوان قوله صلى الله عليه وسلم (عِبَادَ اللهِ) جملة اعتراضية، المقصود منها الحث على هذه الإخوة

قوله صلى الله عليه وسلم (المُسلِمُ أَخو المُسلِمِ) أي مثل أخيه في الولاء والمحبة

قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ يَظلِمهُ) أي لا ينقصه حقه بالعدوان عليه، أو جحد ماله، سواء في الأمور المالية، أو الدماء، أو الأعراض

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلاَ يَخذُلُهُ) أي ترك الإعانة والنصرة إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي فيدفع عنه الأذى ما استطاع

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلا يكْذِبُهُ) أي لا يخبره بأمر على خلاف الواقع

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلاَ يَحْقِرُهُ) أي لا يستصغر شأنه ويضع من قدره

قوله صلى الله عليه وسلم (التَّقوى هَاهُنا) يعني تقوى الله عزّ وجل في القلب وليست في اللسان ولا في الجوارح، وإنما اللسان والجوارح تابعان للقلب، وفي رواية لمسلم: إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم

قوله (وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاثَ مِرَاتٍ) يعني قال: التقوى هاهنا ثلاث مرات، تأكيداً لكون القلب هو المدبر للأعضاء

قوله صلى الله عليه وسلم (بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ) بحسب الباء زائدة، وحسب بمعنى كافٍ أَن يحقِره مبتدأ والتقدير حقر أخيه كافٍ في الشر، أي يكفيه من الشر أن يحقر أخاه يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب، ففيه نذير عظيم من ذلك

قوله صلى الله عليه وسلم (كُل المُسلِم عَلَى المُسلِم حَرَام) ثم فسر هذه الكلية بقوله (دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ) أي لا يجوز انتهاك دم الإنسان ولا ماله ولا عرضه، كله حرام

فوائد الحديث

أولاً: ينبغي للمسلم أن يسير على هذا الحديث في معاملته إخوانه، لأنه يتضمن توجيهات عالية من النبي صلى الله عليه وسلم

ثانياً: تحريم الحسد لقوله صلى الله عليه وسلم (لاَ تَحَاسَدوا) وما يرد على القلب أحياناً من محبة كون الإنسان أعلى من أخيه، فلا يعتبر من الحسد، لأنه لم يكره نعمة الله على هذا العبد

والحسد على مراتب

الأولى: أن يتمنى أن يفوق غيره، فهذا جائز، وليس بحسد

الثانية: أن يكره نعمة الله على غيره، ولا يسعى في تنزيل مرتبته ويدافع الحسد وغيره أكمل منه

الثالثة: أن يقع في قلبه الحسد ويسعى في تنزيل مرتبة الذي حسده، فهذا هو الحسد المحرم الذي يؤاخذ عليه الإنسان

والحسد من خصال اليهود، ويضر صاحبه لأن الحاسد لا يبقى مسروراً، وهو اعتراض على قدر الله عزّ وجل

ثالثاً: تحريم المناجشة

رابعاً: النهي عن التباغض، وإذا نهي عن التباغض أمر بالتحاب، فابتعد عن أسباب البغضاء وأكثر من أسباب المحبة

خامساً: النهي عن التدابر، بالأجسام بأن يولي الإنسان ظهره ظهر أخيه، لأن هذا سوء أدب، والنهي أيضاً عن التدابر القلبي ووجوب الاجتماع على كلمة واحدة

سادساً: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه ولو كان في زمن الخيار، ومثله تحريم شراء الإنسان على شراء أخيه

سابعاً: وجوب الأخوة الإيمانية، لقوله صلى الله عليه وسلم (وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً) وذلك بالبعد عن التفكير في مساوئ إخوانه ويتذكر محاسنهم مع الهدايا فإنها تذهب السخيمة وتوجب المودة مع الاجتماع على العبادات ولا سيما الصلوات الخمس والجمع والأعياد

ثامناً: المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه

تاسعاً: لا يحل ظلم المسلم بأي نوع من أنواع الظلم

عاشراً: وجوب نصرة المسلم، وتحريم خذلانه، لقوله صلى الله عليه وسلم (وَلاَيَخذلهُ) ويجب نصره لقوله صلى الله عليه وسلم: انصُر أَخَاكَ ظَالِمَاً أَو مَظلُومَاً

الحادية عشرة: وجوب الصدق فيما يخبر به أخاه، ولا يكذب عليه، لأن الكذب محرم ولو كان على الكافر

وأما التورية ففيها تفصيل بحسب ما تؤدي إليه من حرام أو واجب أو مصلحة

مثال التورية الواجبة: يسأل ظالم عن مكان شخص لقتله، فقال لا أدري وينوي لا أدري عن كل أحواله

الثانية عشرة: تحريم احتقار المسلم مهما بلغ في الفقر وفي الجهل

الثالثة عشرة: وجوب احترام المسلم في دمه وعرضه وماله

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/7/25هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر