الدرس 106: الهدي

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 29 رجب 1434هـ | عدد الزيارات: 1807 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الهدي كل ما يهدى إلى الحرم من نعم أو غيرها فقد يهدي الإنسان نعماً إبلاً أو بقراً أو غنماً وقد يهدي غيرها كالطعام وقد يهدي اللباس فالهدي أعم من الأضحية لأن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام

وأما الهدي فيكون من بهيمة الأنعام ومن غيرها فهو كل ما يهدي إلى الحرم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات ص 120 ولا تضحية بمكة وإنما هو الهدي والأضحية ما يذبح في أيام النحر تقرباً إلى الله عز وجل وسميت بذلك لأنها تذبح ضحى بعد صلاة العيد

والأضحية سنة أجمع المسلمون على مشروعيتها وهي في كل ملة لقوله تعالى " ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " سورة الحج آية 34

قال ابن القيم رحمه الله كما في تحفة المولود ص 65 ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرها مقامها ولهذا لو تصدق عن دم المتعة بأضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية

ومن نعمة الله على المسلم أن يشرع له ما يشارك به أهل موسم الحج لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي وأهل الأمصار لهم الأضحية ولهذا نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيباً مما لأهل المناسك مثل ترك الأخذ من الشعر والظفر في أيام العشر من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله بترك الأخذ من هذه الفضولات

ولأجل أن يشاركوا أهل الحج بالتقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها بدعة ونهي الإنسان عنها ولكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة

والإنسان إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بأنه تسن الأضحية بالنسبة للمكلف المستطيع

والأضحية مشروعة عن الأحياء وأما عن الأموات تعتبر صدقة جارية كما نص على ذلك الشيخ ابن باز رحمه الله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات ص 120 والتضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها

وعلى ذلك فالأضحية عن الأموات ثلاثة أقسام

الأول: أن تكون تبعاً للأحياء كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي ويقول اللهم هذا عن محمد وآل محمد وفيهم من مات سابقاً

الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالاً تبرعاً فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ذلك من الخير وأن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يعتبره صدقة جارية

الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذاً لوصية فتنفذ كما أوصى بها بدون زيادة ولا نقص

والأضحية لا بد فيها من شروط وهي

أولاً: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لقول الله تعالى" على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " سورة الحج آية 28

فلو ضحى الإنسان بحيوان آخر أغلى منها لم يجزه ولو ضحى بفرس تساوي عشرة آلاف ريال عن شاة تساوي 300 ريال لم يجزه

والهدي الأفضل فيه الإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إبلاً مائة بعير وأشرك علياً رضي الله عنه في هديه في الذبح والأجر حيث ذبح صلى الله عليه وسلم 63 وأكمل علي الباقي

أما الأضاحي فالأفضل إبل إن ذبح بعيراً كاملاً ثم بقر ثم غنم إلا في العقيقة فالشاة أفضل من البعير الكامل لأنها التي وردت بها السنة فتكون أفضل من الإبل

قال في الإنصاف 4/73 والأفضل فيها الإبل ثم البقر ثم الغنم يعني إذا أخرج كاملاً وهذا بلا نزاع

وعن الشيخ تقي الدين الأجر على قدر القيمة مطلقاً

إذا الشرط الأول من شروط الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام

الشرط الثاني أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعاً

فإن كانت دونه لم تجزئ لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " أخرجه مسلم

فقوله لا تذبحوا إلا مسنة أي ثنية إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعه من الضأن فإن كان دون ذلك فإنها لا تجزئ ولهذا لما قال أبو بردة بن نيار رضي الله عنه يا رسول الله إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين افتجزئ عني ؟ قال نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك " أخرجه البخاري

والعناق الصغيرة من المعز التي لها أربعة أشهر وهذا يدل على أنه لا بد من بلوغ السن المعتبر شرعاً

واشترط أن يكون من بهيمة الأنعام وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً يدلنا على أنه ليس المقصود من الأضحية مجرد اللحم وإلا لأجزأت بالصغير والكبير

ولا يجزئ في الأضحية إلا جذع ضأن وثني سواه دليله ما ذكرته آنفاً من حديث جابر الذي أخرجه مسلم لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن

فالسن المعتبر لإجزاء الإبل خمس سنين فما دون الخمس لا يجزئ لأن الإبل لا تثني إلا إذا تم لها خمس سنين والبقر سنتان والمعز سنة والضأن ستة أشهر فلو سألك سائل هل يجزئ من الغنم ماله ثمانية أشهر ؟

الجواب فيه تفصيل إن كان من الضأن فنعم وإن كان من المعز فلا لأنه لا بد أن تكون ثنية

وذكر بعض العلماء أن علامات إجزاء الضأن أن ينام الشعر على الظهر لأن الخروف الصغير يكون شعره واقفاً فإذا بدأ ينام فهذا علامة على أنه صار جذعاً

فإذا قال قائل هل يكتفي بقول البائع أو لا بد أن يقول المشتري للبائع ائت بشهود

الجواب : فيه تفصيل

إن كان البائع ثقة فإن قوله مقبول لأن هذا خبر ديني كالخبر بدخول وقت الصلاة أو بغروب الشمس في الفطر وما أشبه ذلك فيقبل فيه خبر الواحد وإن كان غير ثقة من البدو الجفاة الذي يقول أقسم بالله أن لها سنة وشهراً يعني المعز وأتى بالشهر للدلالة على الضبط وليكون أقرب للتصديق فإنه لا يصدق لا سيما إذا وجدت قرينة تدل على كذبه كصغر البهيمة وإذا كان الإنسان نفسه يعرف السن بالإطلاع على أسنانها أو ما أشبه ذلك فإنه كافي

الشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وسيأتي بيانها

الشرط الرابع: أن تكون في وقت الذبح وسيأتي بيان ذلك

فالشروط في الأضحية أربعة الأول أن تكون من بهيمة الأنعام

الثاني أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعاً

الثالث السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء

الرابع أن تكون وقت الذبح

وتجزئ الشاة عن واحد أي يضحي الإنسان بالشاة عن نفسه وتجزئ عنه وعن أهل بيته أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ولحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون . أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح كما أخرجه ابن ماجه ومالك

والبدنة والبقرة عن سبعة والدليل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال " نحرنا في عام الحديبية البدنه عن سبعة والبقرة عن سبعة " أخرجه مسلم

والمراد عن سبعة أي سبعة رجال فإذا كان الإنسان يضحي بالواحدة عنه وأهل بيته فإنه بالسبع يضحي عنه وعن أهل بيته لأن هذا تشريك في الثواب والتشريك في الثواب لا حصر له فها هو النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن كل أمته وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ولو كانوا مائة أما التشريك في الملك فلا يزيد على سبعة ولو أشترك ثمانية في بعير قلنا لا يجوز فلا بد أن يخرج واحد منكم

ولا تجزئ العوراء والعجفاء والعرجاء والمريضة هذه الأربع نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أربع لا تجوز وفي رواية لا تجزئ في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تنقي. وعند الترمذي وغيره والعجفاء التي لا تنقي

فقوله صلى الله عليه وسلم "العوراء البين عورها" فهل هناك عوراء غير بين عورها ؟

الجواب نعم فلو فرضنا أنها لا تبصر بعينها ولكن إذا نظرت إلى العين ظننتها سليمة فهذه عوراء ولم يتبين عورها فتجزئ ولكن السلامة من هذا العور أولى ويقاس عليها العمياء من باب أولى

لأنه إذا كان فقد العين الواحدة مانعاً ففقد العينين من باب أولى والعجفاء وهي الهزيلة التي لا مخ فيها والهزيلة التي فيها مخ أي يصل الهزال إلى داخل العظم تجزئ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " ولا العجفاء التي لا تنقي " قال العلماء معنى لا تنقي أي ليس فيها نقي والنقي المخ يقول أهل الخبرة أنه إذا جاء الربيع بسرعة وكانت الغنم هزالاً ورعت من الربيع فإنها تبني شحماً قبل أن يكون فيها المخ فهذه التي بني الشحم عليها دون أن يكون لها مخ تجزئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " العجفاء التي لا تنقي " وهذه الآن ليست عجفاء بل هي سمينة لكن لم يدخل السمن داخل العظم حتى يكون المخ إذا تجزئ

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-7 -28

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي