الدرس 148: باب: قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 5 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1959 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف : باب: قول الله تعالى:" وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأعراف 180)

بيَّنَ اللهُ تعالى أن له سبحانه الأسماء الحسنى أي البالغة في الحسن أعلاه ، فالحسنى هي المتناهية في الحسن ، وكل أسماء الله حسنى لا شيء أحسن منها ، لا يعتريها نقص، بل هي كمال كلها تدل على معانٍ عظيمةٍ يوصف بها على الوجه اللائق به ، وفي الآية مشروعية التوسل إلى الله تعالى بها ودعاؤه بها "فَادْعُوهُ بِهَا " ، أي توسلوا إلى الله بها ، فيقال : يا رحمن ارحمنا، ويا غفور اغفر لنا، وهكذا، فالأسماءُ الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد ، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، كما في الحديث : " أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك " أخرجه أحمد عن عبد الله بن سعود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وأمَّا قولُه :"إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ."- أخرجه البخاري عن أبي هريرة - ، فليس المراد الحصر، إنما هذه التسعة وتسعين موصوفةٌ بأنَّ من أحصاها دخلَ الجنَّةَ، وليس المعنى أنَّها منتهى أسماءِ اللهِ ، وأنَّ أسماءَ اللهِ محصورةٌ فيها.

نقل النووي رحمه الله – الاتفاق على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد فقال رحمه الله: واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة ,فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء .(شرح مسلم )(6/177) . وقال شيخ الإسلام(ابن تيمية) رحمه الله :(فإن الذي عليه جماهير المسلمين أن أسماء الله أكثر من تسعة وتسعين ، قالوا- ومنهم الخطابي- في قوله(إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها): التقييد بالعدد عائد إلى الاسماء الموصوفة بأنها هي هذه الاسماء .

قوله :"وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ"(الأعراف 180)، أي اتركوهم واعرضوا عن مجادلتهم، فالإلحاد في أسمائه : الميل عن الحق والإشراك فيها مع الله ، كمن جعل لغير الله شيئا من العبادة ، فقد أشرك فيها مع الله غيره ، وجعلها إلهاً وصار كافرا بذلك ، وهكذا من ألحد فيها بأن أمالها عن الحق، وزعم أنه لا معنى لها ، كالجهمية والمعتزلة الذين نفوا الأسماء والصفات جميعا فقد ألحدوا أي مالوا عن الحق.

قوله :"ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس "يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ" يشركون ، وعنه سمُّوا (اللات) من الإله و(العزى) من العزيز"

قوله "ذكر ابن أبي حاتم" ، أخرجه ابن أبي حاتم في الدر المنثور.

قوله"ابن أبي حاتم " هو : أبو عبد الله محمد بن أبي حاتم الرازي الورّاق النحوي، أحد العلماء ومن رواة الحديث، كان من أخصّ تلاميذ البخاري وأكثرهم ملازمة له ورواية لأخباره. وكان ينسخ له ويكتب كتبه. قال ابن حجر العسقلاني: "الإمام الجليل أبو عبد الله محمد بن أبي حاتم الوراق وهو الناسخ وكان ملازمه سفرا وحضرا فكتب كتبه." حدّث وأكثر عن شيخه الإمام البخاري، كما روى عن غالب بن جبريل، ويحيى بن جعفر البيكندي وعمر بن حفص الأشقر، وسليم بن مجاهد ، وغيرهم. وروى عنه محمد بن يوسف بن مطرالفربري وغيرهم. له كتاب: "شمائل البخاري" جمعه، وهو جزء ضخم.

قوله"يشركون" أي يشركون في أسماء الله ، قوله"وعنه"أي ابن عباس.

قوله" سمُّوا (اللات) من الإله و(العزى) من العزيز" أي أنهم سموا الأصنام الكبار المعروفة عند العرب (اللات) و(العزى) اشتقوا لها اسما من أسماء الله.

قوله"وعن الأعمش : يدخلون فيها ما ليس منها".أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير.

قوله"عن الأعمش"هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الأسدي الكاهلي ولد سنة 10 محرم تابعي من حفَّاظ الحديث، ومُحدّث من الثقات، لقَّبه شمسُ الدين الذهبي بـ "شيخ المُحدّثين"، وأعده أصحاب الطبقات من الطبقة الرابعة من التابعين. وعاش الأعمش في الكوفة، وكان محدثها في زمانه.أدرك الأعمش جماعة من الصحابة، وعاصرهم ورأى أنس بن مالك، وسمعه يقرأ ولم يحمل عنه شيئًا مرفوعًا، وأرسل عن ابن أبي أوفى، وتعلم من زيد بن وهب، وسمع من المعرور بن سويد وأبا وائل شقيق ابن سلمة وعمارة بن عمير وإبراهيم التيمي وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وإبراهيم النخعي والزهري وكان عالمًَا بالقرآن والقراءات والفرائض ، وتوفي رحمه الله سنة 148هـ

قوله :" وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها" أن المشركين سموا الله بما لم يسمِّ به نفسه، وهذا من الإلحاد في أسماء الله ، كما سمت النصارى الله جل وعلا بـ (الأب)

قوله "فيه مسائل" :

الأولى : إثبات الأسماء ، يعني لله تعالى ، تؤخذ من قوله " ولله الأسماء "

الثانية :كونها حسنى ، أي بلغت في الحسن أكمله.

الثالثة : الأمر بدعائه بها ، والدعاء نوعان: دعاء مسألة ، ودعاء عبادة.

الرابعة : ترك من عارض من الجاهلين الملحدين، أي ترك سبيلهم .

الخامسة : تفسير الإلحاد فيها، والإلحاد قسمان : إلحاد أكبر وهو ما يقع من الكفرة . وإلحاد ناقص ، وهو ما يقع من بعض المسلمين في عدم انقيادهم للحق على التمام .

السادسة: وعيد من ألحد ، وتؤخذ من قوله تعالى"سيجزون ما كانوا يعملون"

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/6/5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر