الدرس139 باب قول ما شاء الله وشئت 2

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف :" ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله. قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال: هل أخبرت بها أحدا؟. قلت: نعم".قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال "أما بعد فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده."

هذا الحديث رواه ابن ماجه والطبراني والحاكم . قال أحمد شاكر في (عمدة التفسير): إسناده صحيح، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة) (138).

قوله :"ولابن ماجه" هو : أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي (بالولاء) القزويني (209 - 273هـ ) هو محدث ومفسر ومؤرخ، وأحد الأئمة في علم الحديث. من أهل قزوين، مولده ووفاته فيها. رحل إلىالبصرة وبغداد والشام ومصر ومكة والمدينة والري، في طلب الحديث. وصنف كتابه (سنن ابن ماجه)، وهو أحد الكتب الستة ، وله (تفسير القرآن) وكتاب في (تاريخ قزوين).

قوله:"عن الطفيل "هو الطفيل بن عبد الله بن سخبرة الأزدي نسبة إلى الأزد قبيلة عربية مشهورة وأبوه عبد الله بن سخبرة جاء إلى مكة قبل البعثة وحالف أبا بكر الصديق كما كان عليه الأمر في الجاهلية أنهم يتحالفون ويصبح الحليف أخاً لحليفه يدافع عنه ويناصره ويحميه وإذا مات يرثه ويصبح الحليف مختلطا بحلفائه ثم نسخ الإسلام الأحلاف وأبطل الميراث الذي يكون بالحلف فجاء الميراث لأولي الأرحام ثم مات عبد الله بن سخبرة وكانت زوجته يقال لها أم رومان فتزوجها أبو بكر الصديق بعد حليفه عبد الله بن سخبرة ، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فهما أخوا الطفيل هذا لأمه.

قول الطفيل: "رأيتُ" أي: رؤيا في المنام، والرؤيا حق وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (الروح) أن الرؤيا على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حق ، وهو ما يجري على يد مَلَك الرؤيا ، يأتي إلى النائم يريه أشياء عجيبة فيستيقظ النائم وقد رأى هذه الرؤيا فتقع كما رآها.

القسم الثاني: يكون من الشيطان، وذلك أن الإنسان إذا نام ولم يذكر الله عند النوم ولم يقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين ولم يتعوذ من الشيطان الرجيم ولم يأت بالأدعية المشروعة عند النوم فإن الشيطان يتسلط عليه ويكدر عليه نومه ويريه أشياء باطلة لا حقيقة لها.

القسم الثالث : حديث نفس ؛ وذلك أن الإنسان يفكر في أشياء في اليقظة فإذا نام فإن هذه الأشياء تعرض له في نومة .

قوله:"أتيت على نفر من اليهود" النفر من الثلاثة إلى التسعة ، واليهود هم أتباع موسى عليه السلام في الأصل ، وسموا يهودا أخذا من قول موسى " إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ " (الأعراف رقم 156)، يعني : تبنا إليك من الهود وهو التوبة و الرجوع إلى الله هذا في الأصل ، ثم صار يطلق لفظ اليهود على المنتسبين إلى اتباع موسى وإن كانوا قد خالفوه ، وكذبوا عليه وأحدثوا في دينه الأشياء القبيحة من الشرك بالله
قوله: "لأنتم القوم": كلمة مدح ؛ لأنهم كانوا في الأصل على دين صحيح
قوله " لولا أنكم تقولون:عزير ابن الله."

عزير نبيٌّ بعثه الله إلى بني إسرائيل في فلسطين ، وهو الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه كما ذكر الله قصته في سورة البقرة وادعى اليهود أنه ابن الله، وهذا من كذبهم، وهو كفر صريح.
قوله: "ما شاء الله، وشاء محمد":فيه قبول الحق ممن جاء به ولو كان غير مسلم

قوله :" ثم مررت على نفر من النصارى" النصارى هم أتباع عيسى عليه السلام في الأصل؛ وسموا نصارى نسبة إلى البلد (الناصرة) بفلسطين،واليهود والنصارى هم من يعقوب عليه السلام بن إسحاق بن إبراهيم ، ويعقوب هو إسرائيل.

قوله " فقلت: إنكم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله،" وهو عيسى بن مريم ، سمّي بالمسيح ؛ لأنه يمسح بيده على ذي العاهة فيبرأ بإذن الله.

قوله "قال فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد"، هذا فيه دليل على مشروعية حمد الله والثناء عليه في بداية الكلام ، وفيه الاستحباب الأتيان بـ (أمَّا بعدُ)وهي كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر.

قوله "وإنكم قلتم كلمة يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها" كان يمنع النبيَّ صلى الله عليه وسلم الحياءُ ؛ لأنه لم يأتِ فيه من الله نهيٌّ

قوله " فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده" لمَّا نبههم على خطأ هذه الكلمة أرشدهم إلى البديل الصالح منها وهو أن يقولوا : ما شاءَ اللهُ وحدَهُ

فيه مسائل:
الأولى: معرفة اليهود بالشرك الأصغر، في قولهم "إنكم لتشركون".

الثانية : فهم الإنسان إذا كان له هوى، أي إذا كان له هوى فهم شيئا وإن كان هو يرتكب مثله أو أشد منه . فاليهود أنكروا على المسلمين : ما شاء الله وشئت وهو يقولون : عزير ابن الله.

الثالثة : قوله صلى الله عليه وسلم :"أجعلتني لله ندا " فكيف بمن قال:

يَا أكْرمَ الْخلْقِ مَا لِيْ مَنْ ألُوْذ بهِ * سِوَاكَ ...... ، والبيتين بعده

يشير رحمه الله إلى أبيات للبوصيري في البردة ، وهذا غاية الكفر والغلو ، فلم يجعل لله شيئا ، والنبي شرفه بكونه عبد الله ورسوله.

الرابعة : أن هذا ليس من الشرك الأكبر؛ لقوله يمنعني كذا وكذا ؛ لأنه لوكان من الشرك الأكبر ما منعه شيء من إنكاره.

الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي، تؤخذ من حديث الطفيل "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود..." ، وهذه رؤيا حقٌّ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" أخرجه البخاري.

سادسا: أنها قد تكون سببا لشرع بعض الأحكام، من ذلك رؤيا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه فشرعت الأضحية .

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/25هـ