الدرس125 باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 20 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2106 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدُ

قول المصنف : "باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا "

أراد المؤلف بهذه الترجمة تحقيق التوحيد واتباع الشريعة وتعظيم أمر الله ونهيه والحذر من تقليد الشيوخ والأمراء فيما يخالف شرع الله.

قوله:" باب من أطاع العلماء والأمراء":
المراد بالعلماء: العلماء بشرع الله، وبالأمراء: أولو الأمر المنفذون له، وهذان الصنفان هما المذكوران في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، (النساء 59) فجعل الله طاعته مستقلة، وطاعة رسوله مستقلة، وطاعة أولي الأمر تابعة، ولهذا لم يكرر الفعل " أطيعوا" فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأولو الأمر هم أولو الشأن، وهم العلماء لأنه يستند إليهم في أمر الشرع والعلم به، والأمراء لأنه يستند إليهم في تنفيذ الشرع وإمضائه، وإذا استقام العلماء والأمراء استقامت الأمور، وبفسادهم تفسد الأمور لأن العلماء أهل الإرشاد والدلالة، والأمراء أهل الإلزام والتنفيذ
فقوله: "في تحريم ما أحل الله": في جعله حراما أي: عقيدة أو عملا ، "أو تحليل ما حرمه ": في جعله حلالا عقيدة أو عملا، فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يعظموا أمر الله ونهيه ويحلوا ما أحل الله وأن يحرموا ما حرم الله ورسوله وأن لا يطيعوا أحدا في خلاف ذلك ، فالطاعة إنما تكون في المعروف ، فطاعتهم في خلاف شرع الله حرام ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ لأن التحليل والتحريم حق لله لا يشاركه فيه أحد فمن حلل أو حرم من غير دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد جعل نفسه شريكا لله ، ومن أطاعه فقد أشركه مع الله في التشريع، لذا قال المصنف رحمه الله، "فقد اتخذهم أربابا من دون الله".

قول المصنف: قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!. قلت : ورد هذا الأثر بهذا اللفظ"حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أُرَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ قَالَ يَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"رواه أحمد ، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله والخطيب في " الفقيه والمتفقه " من طريق ‏شريك ، عن ‏‏الأعمش ‏، وإسناده ضعيف ، فيه شريك بن عبد الله قال الحافظ في " التقريب " : صدوق يخطىء كثيرا وفيه سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي الملقب بـ " الأعمش "، مشهور بالتدليس.

وحيث إنه لم يثبت لديَّ هذا الأثر فقد صرفت النظر عن شرحه.

قال المصنف : وقال أحمد بن حنبل: " عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك "

قوله وقال أحمد بن حنبل: هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ) فقيه ومحدِّث ، ورابع الأئمة الأربعة ، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه «المسند» من أشهر كتب الحديث وأوسعها.

قوله رحمه الله، : (عجبت) تعجب استنكار ، (لقوم عرفوا الإسناد وصحته) يعني : عندهم علم بالأدلة والإسناد هو سلسلة الرواة الذين يروون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن الراوي إليه صلى الله عليه وسلم ، والإسناد يحتاج إلى دراسة لمعرفة رواته من حيث الثقة والمعرفة والإتقان ، فإذا توفر في السند أن راويه عدل تام الضبط من بداية السند إلى نهايته مع السلام من الشذوذ والعلل فهو صحيح ، وإن نقص شيء من ذلك نزل عن درجة الصحيح.

وقوله "يذهبون إلى رأي سفيان "يعني يتركون ما صح به الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذهبون لرأي سفيان وهوأبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (97 هـ-161 هـ) فقيه كوفي، وأحد أعلام الزهد عند المسلمين، وإمام من أئمة الحديث، وواحد من تابعي التابعين، قال عنه الذهبي: «هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد مصنف كتاب الجامع»، كما قال عنه بشر الحافي: «سفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانهما». نشأ سفيان الثوري في الكوفة وتلقّى العلم بها، وسمع من عدد كبير من العلماء، حتى صار إمامًا لأهل الحديث في زمانه. طلبه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ومن بعده ابنه المهدي لتولي القضاء، فتهرّب منهما وأعياهما، حتى غضبا عليه وطاردوه حتى توفي متخفيًا في البصرة سنة 161 هـ.

لكن هو كغيره من الأئمة لا يجوز أن يقدم قوله على قول الرسول صلى الله عليه وسلم . وهو رحمه الله لا يرضى بذلك .

قال الإمام أحمد : والله تعالى يقول :فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " (النور 63) ، هذا أمر من الله جل وعلا وتهديد (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) الضمير في (أمره) يرجع للرسول صلى الله عليه وسلم ( أن تصيبهم فتنة) فسرها الإمام أحمد بالزيغ والشرك قال : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أي بعض قول الرسول أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ، فمن رد قول الرسول صلى الله عليه وسلم متعمدا تبعا لهواه أو تعصبا لشيخه الذي يقلده فإنه مهدد بعقوبتين ، الأولى : الزيغ في قلبه ، والثانية : العذاب أليم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/20هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر