الدرس الثالث والخمسون باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 2 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 2831 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف : " باب من الشرك الاستعاذة بغير الله "

قوله "من الشرك " (مِن) للتبعيض ، أي من الشرك الأكبر كبقية العبادات التي صرفها لغير الله شركٌ أكبر ؛ لأن الاستعاذة عبادة ، كما قال تعالى :" فاستعذ بالله" (الأعراف 200) .

فـ"الاستعاذة " الالتجاء إلى الله والالتصاق بجانبه من شر كل ذي شر ، ولهذا يسمَّى المستعاذ به معاذاً وملجأً ، فالعائذ بالله قد هرب ممَّا يؤذيه أو يهلكه إلى ربِّه ومالكه ، واعتصم واستجار به ، والتجأ إليه ، وهذا تمثيل وإلا فما يكون بالقلب من الالتجاء إلى الله والاعتصام به والانطراح بين يدي الرب والافتقار إليه والتذلل له أمرٌ لا تحيط به العبارةُ ، وهي من العبادات التي أمر الله بها عباده كما قال تعالى :" وإمَّا ينزغنَّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " (فصلت 36).
قوله :" وقول الله تعالى " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (سورة الجن 6)

هذه الآية نزلت في أناس كانوا يعوذون بسادات الجن ، فأخبر الله عز وعلا : أنهم زادوهم رهقا، وهذا على سبيل الذم لهم.

قوله تعالى:"فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" ، يعني : زادوهم خوفا وذعرًا لَمَّا استعاذُوا بهم؛ عقوبة من الله لهم على سوء صنيعهم.واستعاذتهم بغير الله.

قوله :" وعن خولة بنت حكيم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " مَن نَزَلَ مَنْزِلًا، فقالَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ، حتَّى يرحل مِن مَنْزِلِهِ ذلكَ." رواه مسلم "

في رواية مسلم باختلاف يسير:(ثمَّ قال)بدلا من (فقال)( يَرْتَحِلَ).بدلا من (يرحل)

قوله :"عن خوله"، هي أم شريك خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ثعلبة بن ذكوان بن امرئ القيس بن بهتة بن سليم السلمية. صحابية مشهورة من المهاجرات.

قوله :"أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ"، هذا ما شرعه اللهُ لأهل الإسلام أن يستعيذوا به بدلا عمَّا يفعله أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن، ولما كان ذلك استعاذة بصفات الله والالتجاء إليه كان ذلك من باب المندوب إليه المرغب فيه، فمتى فعلَ ذلك وصل إلى منتهى طلبه ومغفرة ذنبه، وهذا يدل على فضل هذه الاستعاذة، وأنها من أساب العافية، من شر الجن والإنس.

قوله :"من شرِّ ما خلقَ" ، أي من كل شر في أي مخلوق قام فيه الشر من حيوان أو غيره، إنسيًا كان أو جنيا ، أو هامَّة أو دابَّة أوريحًا أو صاعقة، أي نوع من أنواع البلاء، و(ما) هنا موصولة ، والمراد بها التقييد الوصفي، والمعنى من شر كل مخلوق فيه شر لا من شر كل ما خلق الله ، فإن الجنة والملائكة والأنبياء ليس فيهم شر، والشرّ يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضي إليه.

قوله :"لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك"، وهذا يدل على فضل هذه الاستعاذة، وأنها من أساب العافية، من شر الجن والإنس.

قول المصنف:" فيه مسائل :

" الأولى: تفسير آية الجن." سبق شرحها

"الثانية : كونه من الشرك " أي الاستعاذة بغير الله

"الثالثة : الاستدلال على ذلك بالحديث ؛ لأن العلماء استدلوا به على أن كلمات الله غير مخلوقة . لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك. "

"الرابعة فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره." أي: أنه من أسباب العافية من شر الجن والإنس.

الخامسة : أنَّ كونَ الشيء يحصل به منفعةٌ دنيويةٌ من كفِّ شرٍ أو جلبِ نفعٍ لا يدلُّ على أنَّه ليس من الشرك

أي: قد يكون الشيء من الشرك، ولو حصل لك فيه منفعة، فلا يلزم من حصول النفع أن ينتفي الشرك، فالإنسان قد ينتفع بما هو شرك مثال ذلك: ما يحصل لغلاة المداحين من أجل العطاء، فلا يخرجهم ذلك عن كونهم مشركين.

والله الموفق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-3-1هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر