الدرس 191 باب الشركة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 1122 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

قوله " ولو مغشوشين يسيرا " الدنانير والدراهم فيما سبق يُتلاعب بها فيغش بعض الناس فيخلط مع الذهب معدنا آخر أو مع الفضة معدنا آخر وإذا كان هذا الخليط شيئا يسيرا من أجل تصليب الذهب أو تصليب الفضة فهذا لا يضر لأنه كالأنفحة مع اللبن من أجل تجبينه وهذا لمصلحة النقدين ولا يضر واليسير يعفى عنه عند قاعدة الفقهاء وكما قال المؤلف وإن كان في بعض المسائل لا يعفى عن اليسير مثل خروج اليسير من البول فإنه ينقض الوضوء وكل ما خرج من أحد السبيلين ولو يسيرا فلا يعفى عنه وينتقض الوضوء بسببه أما إذا كان الغش كثيرا يراد به الترويج فإنه لا يصح أن يكون نقدا يُتعامل به لأنه صار في الحقيقة كعروض التجارة ولا يصح أن يكون رأس مال الشركة .

فالغش في النقدين على قسمين :

الأول : يسير من أجل تصلب النقدين ولا يخلو منه الذهب ولا الفضة غالبا لأنهما لو لم يُصلبا صارا لينين فلا بأس به لمصلحتهما .

الثاني : يراد به الغش ولا يصح أن يكون رأس مال الشركة وفي الدرس السابق ذكرنا أنه لا يشترط أن يكون رأس المال من النقدين لكن يجب أن يُقَوم مال كل واحد منهما عند عقد الشركة بالنقدين على أن يكون التقدير بالأكثر رواجا .

قوله " وأن يشترطا لكل منهما جزءا من الربح مشاعا معلوما " هذا هو الشرط الرابع .

مثال ذلك : اشترك زيد وعمرو فلزيد خمسة آلاف ريال والباقي لعمرو فهذا لا يصح لكن لو قالا اشتركنا في المال ولكل واحد منا من الربح النصف فهذا يصح .

مثال آخر : اشتركتُ أنا وأنت فقلت لي لك بعضه ولي بعضه فهذا لا يصح لأن البعض مجهول فلابد أن يكون معلوما ومشاعا لقول المؤلف " جزءا من الربح معلوما مشاعا " .

والمشاع أي مشتركا يكون المضارِب والمضارَب شريكين في كل جزء .

قوله " فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لأحدهما جزءا مجهولا أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم تصح " كل هذه الصور مخالفة للشرط .

قوله " إن لم يذكرا الربح " بل قالا نحن شريكان شركة عِنان ولم يتعرضا للربح أي كم نسبة كل واحد منهما أو هل الربح بينهما بالأسداس أو الأثمان أو بالأنصاف أو بالأرباع وما أشبه ذلك فالشركة لا تصح لأن الأمر مجهولا فيحصل النزاع والعداوة بين الناس ويكون لكل واحد منهما ربح ماله ولا يرجع على الثاني بشيء حتى لو تلف أحد المالين لأن العقد فاسد لا يترتب عليه أثره .

قوله " أو ربح أحد الثوبين لم تصح " اشتركا فقال أحدهما للآخر لك ربح المواشي ولي ربح المطاعم فهذا لا يصح لأنه ربما يربح في حظائر الأغنام ولا يربح في الأطعمة أو بالعكس والأصل أن الشركة مبنية على التساوي .

قوله " وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة " المساقات عرفها الفقهاء بأنها دفع شجر مغروس أو شجر غير مغروس مع أرض إلى من يغرسه فيها ويقوم بسقيه وما يحتاج إليه حتى يثمر ويكون للعامل جزء مشاع من ثمر ذلك الشجر والباقي لمالكه وهذا يجوز ودليله حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع " أخرجه البخاري ومسلم ، وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها أي نصفه .

والمزارعة أن يدفع أرضا لمن يزرعها بجزء معلوم مشاع من الزرع .

مثاله : إنسان عنده أرض بيضاء وليس فيها زرع فأعطاها مزارعا يزرعها وله ربع الزرع مثلا فهذا يجوز لأن هذا منه العمل وهذا منه الأرض .

قال ابن القيم " وفي قصة خيبر دليل على جواز المساقات والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع فإنه عامل أهل خيبر واستمر على ذلك إلى حين وفاته ولم ينسخ البتة واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه وليس من باب المؤاجرة بل من باب المشاركة وهو نظير المضاربة سواء " انتهى

وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشترط لصحة المساقات أن يكون الشجر المساق عليه له ثمر يؤكل فلا يصح على شجر لا ثمر له أو له ثمر لا يؤكل .

ومن شروط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل أو المالك بجزء معلوم مشاع من الثمر والصحيح الذي عليه الجمهور أن المساقاة عقد لازم لا يجوز فسخها إلا برضا الآخر ولابد من تحديد مدتها ولو طالت مع بقاء الشجر ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي وإزالة ما يضر الشجر والثمرة من الأغصان وتلقيح النخل وتجفيف الثمر وإصلاح مجاري الماء وتوزيعه على الشجر .

" والمزارعة " مشتقة من الزرع وتسمى مخابرة ومواكرة العامل فيها يسمى مزارعا ومخابرا ومواكرا .

والحاجة داعية إلى جوازها لأن من الناس من يملك أرضا زراعية ولا يستطيع العمل فيها ومن الناس من يستطيع العمل في الزراعة ولا يملك أرضا زراعية فاقتضت الحكمة التشريعية جواز المزارعة لينتفع الطرفان هذا بأرضه وهذا بعمله وليحصل التعاون على تحصيل المصلحة ودفع المضرة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المزارعة أصل من الإجارة لاشتراكهما في المغنم والمغرم .

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله " هي أبعد عن الظلم من الإجارة فإن أحدهما غانم ولابد يعني في الإجارة وأما المزارعة فإن حصل الزرع اشتركا فيه وإلا اشتركا في الحرمان " .

" والمضاربة " هي أن يدفع ماله لشخص يتجر فيه وله جزء من الربح .

مثال ذلك : أعطى رجلا نصف مليون يتجر به على أن له ثلث الربح .

كل هذه الثلاث المساقاة والمزارعة والمضاربة لابد أن يشترط لأحدهما جزء مشاع معلوم .

ففي المساقاة لو قال له خذ هذه المزرعة اعمل فيها ولك بعضها فلا يصح لأنه غير معلوم .

ولو قال لك ثمر نخل السلاطين والباقي لي فلا يصح لأنه ربما تثمر هذه ولا تثمر تلك أو قال لي ثمرتها هذا العام ولك العام القادم فلا يصح لأنه مجهول فقد تثمر في هذه السنة ولا تثمر في السنة القادمة ، أو قال لك ثمرة الجزء الشمالي ولي الجزء الجنوبي لا يصح ولو قال لك ألف صاع والباقي لي لا يصح لأنه غير مشاع أو قال لك ما تزرعه من شعير ولي ما تزرعه من ذرة فلا يصح لأنه لابد أن يكون الربح جزءا مشاعا معلوما .

والمضاربة كذلك ، أعطيتك مالا تتجر به وقلت لك : لك بعض الربح ولي بعضه فهذا لا يصح أو قلت لك ربح النصف الأول من السنة ولي ربح النصف الثاني لا يصح أو قلت لك ربح ما تجلبه من الشام ولي ربح ما تجلبه من إفريقيا فلا يصح .

المهم أن كل هذا يخالف القاعدة الأصلية في المشاركة وهي تساوي الشريكين في المغنم والمغرم .

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وعلمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا .

وبالله التوفيق

1440-12-12هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر