190 باب الشركة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 13 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 900 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

الشركة هي اجتماع في استحقاق أو تصرف .

قوله " الشركة " بوزن نمرة وهي في الأصل الاختلاط فالاختلاط يسمى شركة ويقول المؤلف في تعريفها " هي اجتماع في استحقاق أو تصرف " بمعنى أن يكون شيء بين شخصين فأكثر اشتركا فيه باستحقاق وهذه تسمى شركة الأملاك .

مثاله ورثة ورثوا من أبيهم عقارا فهؤلاء اجتمعوا في استحقاق ليس بينهم عقد وكذا اشتراك المجاهدين في الغنيمة وقد تكون في المنافع لا في الأعيان كما لو منحت رجلين الانتفاع بسيارة ودليلها قول الله تعالى " فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث " النساء 12 ، هذا اجتماع في استحقاق والاجتماع في الاستحقاق يسمى شركة أملاك .

وقوله " أو تصرف " وتسمى شركة عقود بمعنى أن يتعاقد شخصان في شيء يشتركان فيه وهذه لا تثبت إلا بعقد بين المتعاقدين .

ومن رحمة الله عز وجل وتوسيعه على عباده أنه أباح عقود الشركة لأن الإنسان قد لا يستطيع الاستقلال باستغلال ملكه فهذا رجل تاجر لكنه مشلول أو أعمى فيعطي غيره من هذا المال لينتفع به ويتجر به ويكون الربح بينهما .

فهذه الشركة جائزة لأن الأصل في المعاملات الحل قال الله تعالى " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه " الكهف 19 ، وهذه الآية دليل على جواز شركة العقود فأضاف الورق إليهم جميعا وهذا اشتراك في تصرف فهم ليسوا ورثة ورثوا هذه الدراهم بل شركة تصرف ، فهذه الشركة اجتماع في استحقاق كالورثة أو تصرف كالمشلول يشاركه آخر في الاتجار بماله .

ودليل الجواز في الشرع على شركة الاستحقاق قوله تعالى " فهم شركاء في الثلث " النساء 12 ، وأما شركة العقود قوله تعالى " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء " الروم 28 فدل على جواز الشركة .

وحكمها الوضعي أنها ليست من العقود اللازمة بل من الجائزة أي أنه يجوز لكل واحد من المشتركين أن يفسخ الشركة .

والأولى أن يتصرف الإنسان في ماله بنفسه ولا يجعل معه شريكا ليكون حرا في ماله لا أحد يحاسبه إن شاء تبرع وإن شاء منع وإن شاء تصدق وإن شاء جمع ، وهو أسلم في الغالب لكن قد يكون الإنسان لا يستطيع أن يتصرف في ماله بنفسه إما لعجز في بدنه أو فكره أو لانشغاله في علمه وما أشبه ذلك فيعطي هذا المال الكثير لحاذق في البيع والشراء ويتجر به بنصف الربح مثلا أو أقل أو أكثر .

قوله " وهي أنواع " أي شركة العقود وهي التي قسمها المؤلف إلى خمسة أقسام .

قوله " فشركة عِنان " مشتقة من أعنة الخيل فالشريكان كالمتسابقين كل منهما قد أمسك بعنان فرسه .

قوله " أن يشتركا بدنان " يعني شخصين .

قوله " بماليهما المعلوم ولو متفاوتا ليعملا فيه ببدنيهما " إذاً هناك مال وهناك بدن .

مثاله : محمد وعلي أرادا أن يشتركا في المال والتصرف كل واحد جاء بماله وقال للآخر نحن شركاء فهذه نسميها شركة عِنان لأنها جامعة بين المال والبدن وفائدتها أن كلا من الشريكين يُنَشط الآخر وربما يكون مال كل واحد منهما لا يكفي في قيام المشروع فيكمل أحدهما الآخر والمؤلف رحمه الله قال " بماليهما " أي لابد أن يكون مملوكا لهما .

قوله " المعلوم " وضده المجهول فلابد أن نعرف مقدار المال لكل منهما عند فسخ الشركة .

وقوله " ولو متفاوتاً " يعني بعضه أكثر من بعض ، الأول مثلا مليون والثاني نصف مليون .

قوله " ليعملا فيه ببدنيهما " بناء على الغالب وإلا فإنه يجوز أن يكون أحدهما شريكا بالمال وببدن عمه أو خادمه أو ما أشبه ذلك .

ولا مانع أن يكون الربح بينهما بالتساوي رغم أن أحدهما عمل ببدنه تبرعا دون الآخر بماله فقط مع تساويهما في رأس المال .

أما إذا اشترط أحدهما أن له نسبة مقابل عمله بماله وبدنه والآخر بماله فقط فله ما شرط .

قوله " فينفذ تصرف كل منهما فيها بحكم الملك في نصيبه وبالوكالة في نصيب شريكه " فعلى هذا يغني عقد الشركة عن الإذن الصريح في التوكيل لأنه من لازم عقد الشركة أن يتصرف في المال المشترك بطريق الأصالة في نصيبه وطريق الوكالة في نصيب شريكه .

مثال ذلك : اشترك اثنان في شركة عِنان أحدهما يبيع أبقار والآخر يبيع أغنام فيجوز لبائع الأبقار أن يبيع شيئا من الأغنام ولو كانت عند صاحبه وكذلك العكس لأن الشركة تقتضي أن كل واحد يتصرف في المال كله مجموعا لأننا لما عقدنا الشركة صار نصف مالك لي ونصف مالي لك فإذا تصرفت فيه يكون بالملك في نصيبك وبالوكالة في نصيب شريكك وإن لم يَخْلُطا المالين .

وقوله " بحكم الملك في نصيبه وبالوكالة في نصيب شريكه " إذا تصرف في نصيب شريكه وتبين أن شريكه قد باعه فإنه ينعزل الوكيل لأن الموكل تصرف تصرفا يمنع الوكيل من أن ينفذ تصرفه فيه .

مثاله : إنسان شارك آخر لأحدهما حظيرة أغنام وللآخر أقمشة فصاحب الأقمشة باع ماعزا من الأغنام من حظيرة صاحبه ثم تبين أن تلك الماعز قد سبق وباعها صاحب الحظيرة فإن الحكم أنه يبطل البيع الثاني لأن بيع صاحب الحظيرة لتلك الماعز صحيح .

فلما باع صاحب الحظيرة تلك الماعز باعها بحكم ملكه في نصيبه وبالوكالة في نصيب شريكه وانتهى البيع وتم العقد ولما جاء الشريك الآخر وباعها بعد بيع الأول لم يصح البيع لأنه وكيل في بيعها وتصرف فيها الشريك قبل أن يبيع هذا .

قوله " ويشترط " يعني مع الشروط السابقة وهي أن يكونا مالكين أو لهما حق التصرف وأن يكون المال معلوما .

قوله " أن يكون رأس المال من النقد من المضروبين " هذا هو الشرط الثالث وهو أن يكون رأس مال الشركة من النقدين وهما الذهب والفضة ، المضروبين وهما الدراهم والدنانير والمضروب هو الذي جُعل سكة ونقدا أي جعل دراهم ودنانير .

وقوله " من النقدين " يشمل ما إذا كان أحدهما أتى بدنانير والآخر أتى بدراهم لكن هذا فيما سبق في زمن العلماء السابقين الدراهم والدنانير لا تتغير اثنا عشر درهما بدينار أما في وقتنا الحاضر فتتفاوت فأحيانا يزيد الذهب وأحيانا ينقص فعلى كلام المؤلف لابد أن يكون النقد من جنس واحد إما من ذهب وإما فضة أي من النقدين المضروبين .

والصواب أنه يصح أن يكون رأس المال من غير النقدين المضروبين ولكن تقدر قيمته بالنقدين عند عقد الشركة ليرجع كل واحد منهما إلى قيمة ملكه عند فسخ الشركة وهذا هو القول الراجح وعليه العمل .

فإنه في الزمن السابق كان الدينار يساوي اثني عشر درهما وعليه تكون ثلاثة دراهم تساوي ربع دينار ولهذا جاء في حد السرقة كما في الحديث في الصحيحين " لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا " وقطع النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة مجن قيمته ثلاثة دراهم " أخرجه البخاري ومسلم .

فدل هذا على أن الدينار في ذلك الوقت قيمته من الفضة اثنا عشر درهما .

وبالله التوفيق

1440-11-23هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر