الحكمة في تباين الأرزاق

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 23 ربيع الثاني 1440هـ | عدد الزيارات: 1617 القسم: خطب الجمعة

الحمدلله الواحد القهار الحكيم في خلقه وشرعه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الكريم الجواد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد وأبلغ الناس في الزهد والورع والشكر والصبر على أحكام الملك الجبار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان آناء الليل وأطراف النهار وسلم تسليماً.

أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله له الحكمة البالغة في الخلق والتقدير والحكم والتشريع فأحكام شريعته كلها عدل ورحمة ومصلحة للعباد في دنياهم وأخراهم قال تعالى "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ"المائدة:50.

وعلى العباد إذا وسع عليهم أرزاقهم أن يشكروه ويقوموا بما يجب عليهم في هذه الأرزاق وإذا قدرت عليهم أرزاقهم أن يصبروا على تقدير الواحد الخلاق فهو أعلم بمصالحهم وهو أرحم بهم من أمهاتهم.

عباد الله:

لقد قسم العليم الحكيم الرزق على عباده فمنهم من بسط له في رزقه ومنهم من قدر عليه رزقه وذلك لحكم عظيمة باهرة قسم الله الرزق على عباده ليعرفوا بذلك أنه المدبر لجميع الأمور وأن بيده مقاليد السماوات والأرض فهذا يوسع عليه والآخر يضيق عليه ولا راد لقضائه وقدره قال تعالى "اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"العنكبوت:62.

بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد وضيقه على بعضهم ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا التفاوت فيما بينهم في درجات الآخرة فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية ويركب المراكب الفخمة الغالية ويتقلب في ماله وأهله وبنيه في سرور وحبور ومنهم من لا مأوى له ولا أهل ولا مال ولا بنون ومنهم ما بين ذلك على درجات مختلفة فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبر وأجل وأبقى قال تعالى "انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا"الإسراء:21.

فإذا كانت الآخرة أكبر الدرجات وأكبر تفضيلا فإنه ينبغي أن نتسابق إلى درجاتها العالية وحياتها الباقية فقال تعالى "ذلك خير وأحسن تأويلا"الإسراء:35. لقد قسم الله الرزق بين عباده ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه بالإيسار فيشكره عليها ويلتحق بالشاكرين ويعرف الفقير ما ابتلاه الله به من الفقر فيصبر عليه وينال درجة الصابرين قال تعالى "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ"الزمر:10.

وهو مع ذلك لا يزال يسأل ربه اليسر وينتظر الفرج من رب العالمين وقد أكد الله له ذلك بتكرار قوله تعالى"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" الشرح:5-6.

وقد قسم الله الرزق بين عباده لتقوم مصالحهم الدينية والدنيوية فلو بسط الرزق لجميع العباد لبغوا في الأرض بالكفر والطغيان والفساد ولو ضيق الرزق على جميعهم لاختل نظامهم وتهاوت من معيشتهم الأركان كما لو كان الناس في الرزق على درجة واحدة لم يتخذ بعضهم بعضا سخريا ولم يعمل أحدهم للآخر صنعة ولم يحترف له بحرفة لأن الكل في درجة واحدة فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر فإذا قدرنا أن الناس كلهم في درجة واحدة فأين الرحمة والعطف من الغني للفقير وأين الموقع العظيم الذي يحصل بصلة الأقارب بالمال إذا كان الكل في درجة واحدة إن هذا وأضعافه من المصالح يُفقد لو تساوى الناس في الأرزاق ولكن الحكيم العليم قسم بينهم أرزاقهم وأمر الأغنياء بالشكر والإنفاق وأمر الفقراء بالصبر وانتظار الفرج من الكريم الرزاق فعلينا معشر المسلمين أن نرضى به ربا فنرضى بقسمته وأقداره وأن نرضى به حكماً فنؤمن بحكمه وأسراره قال تعالى"اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "العنكبوت:62.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ..

هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية.

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد عباد الله:

اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون آل عمران:102 .واعلموا أن الجنة على درجات قال تعالى عن درجة السابقين "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ*فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ*وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ*عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ*مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ*يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ*بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ*لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ*وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ*وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ*وَحُورٌ عِينٌ*كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ*جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" الواقعة:10-24.نسأل الله أن نكون منهم. ثم ذكر درجة أصحاب اليمين فقال تعالى"وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ*فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ*وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ*وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ*وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ*وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ*وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ*إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا*لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ"الواقعة:27-38.

أيها الأحبة :

أوصيكم بكثرة الاستغفار وتأملوا فوائده في قوله تعالى "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا" نوح:10-12.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم ربكم بالصلاة عليه فقال عز من قائل "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" الأحزاب:56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين واحفظ لنا ولي أمرنا ومتعه بالصحة والعافية وانفع به الإسلام والمسلمين اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا واغفر اللهم لنا ولوالدين ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين يا رب العالمين.

عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمَرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وإيتاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ وَالْبَغِيِّ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. النحل:90 فَاِذكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذكُركُمْ وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكرُ اللهُ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ العنكبوت:45.

1440-4-24

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي