ترابط الأسرة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 15 صفر 1440هـ | عدد الزيارات: 1428 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله، تبارك في ذاته، وعز في صفاته، العلي الكبير العليم القدير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشورى:11 ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،

أما بعد..عباد الله

اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا أمره، ولا تَعصُوه يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء:1.

ففي معرض امتنان الله على عباده بآياته الباهرة ونعمه الظاهرة امتن الله عليهم بمنة الزواج والسكن، وما جعل بين الزوجين من المودة والرحمة فقال جل جلاله وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم:21.

وإنه في رحاب الأسرة الهادئة والعائلة المترابطة تنمو الخلال الطيبة، والخصال الشريفة، وإنها لنعمة عظيمة تستحق أن تشكر ولا تكفر ، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ النحل:72

وإن الأسرة المتوادة المتحابة تغيظ الشيطان أيما إغاظة، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ.". رواه مسلم .

أيها المسلمون، السكن والطمأنينة في البيوت نعمة عظيمة؛ سلوا عنها من فقدها؛ لتدركوا أهميتها، سلوا المشردين والمفككة بيوتهم عن حالهم؛ لتدركوا منها أي منة أنتم فيها والإلف يغشاكم ويعمكم، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) النحل:80 ،وإن استشعار النعمة حقيق بالمحافظة عليها من الزوال.

إن الإسلام جعل البيت مكاناً للسكينة القلبية والاطمئنان النفسي، فليس البيت في الإسلام مكانا للنزاع والشقاق والخصام، وإن الحكمة البالغة في خلق كل الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ملبياً لحاجاته الفطرية، يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ،وإن نجاح الأسرة يبدأ أولا باختيار الشريك، وهذا باب التوفيق الأول بعد الاستعانة بالله ودعائه،

إنه الخلق والدين؛ حيث يتقرب كل طرف إلى الله بحسن معاشرة شريكه محتسباً ثوابه من الله؛ لأن صاحب الدين والخلق يمنعه دينه وخلقه من الظلم مخافة الله أولا، مستحضراً الوعيد في من ظلم وهتك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة :الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها " رواه مسلم.

عباد الله ،إن ميثاق الزواج غليظ وقدره عظيم ،وإن الإسلام جاء بحسن الصلة والود بين الزوجين وكل مباح يؤكد هذا المعنى ويدخل السرور ويوثق المودة، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم " كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه لفرسه، وملاعبته أهله،فإنهن من الحق".أخرجه الترمذي وصححه الدارمي وابن حبان.

عباد الله، لئن كان الزوج المراد من يُرضى دينه وخلقه، فإن الزوجة المنشودة من غلب صلاحها،فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه وسلم "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم. إنها الزوجة التي سُئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها و مالها بما يكره".رواه النسائي، وصححه الألباني ، والمراد بمالها ، أي ماله الذي بيدها مثل قوله تعالى :" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " (النساء 5)

أيها المسلمون، البيوت المتصافية والأسر الصالحة المتآلفة ميدان رحب للتربية على أصول الإسلام ومكارم الأخلاق؛ ففي ظل الأمومة الحانية والأبوة الرحيمة ينشأ الجيل المطمئن؛ فتنعكس هذه الأخلاق عليه سمواً وصفاء، ولقد قرر الإسلام مبادئ وتعاليم توضح حق الرجل على المرأة وحق المرأة على الرجل؛ ليتحقق السكن والاطمئنان، فقال سبحانه (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)النساء:19. وقال تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)البقرة:228.

والزوجان كل منهما مسؤول عما أوكل إليه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، قالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَحْسِبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: والرَّجُلُ في مَالِ أبِيهِ رَاعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ." رواه البخاري

وأعظم مسؤولياتهم تجاه أسرهم الحفاظ عليهم من كل سبب يؤدي إلى تفكك الأسرة الذي هو السبب الرئيسي في انحراف أفرادها، والإسلام الذي أعطى الرجل القوامة والولاية حثه على الإحسان، وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال "قلت: يا رسول الله : ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".رواه أبو داود وصححه الألباني. والله عز وجل يقول (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء:34.

والقوامة ليست تسلطاً ولا تعسفاً، بل هي الرعاية والقيام بالمصالح وتحمل المسؤولية، وإنها تكليف وأمانة، وإن ما ينفقه الرجل على أهل بيته لعظيم الأجر لمن احتسب،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".رواه مسلم.

ألا فاتقوا الله عباد الله وقوموا بمسؤولياتكم، واعلموا أن من أعظم ما تعمر به البيوت وتصلح به الأسر تحقيق التقوى، التقوى التي تدفع رب الأسرة وربتها للحفاظ على كيان الأسرة العظيم، وحماية كل فرد من أفرادها من الانحراف والزلل؛ بإقامة هذا الكيان على أداء الواجبات، والحفاظ على المودة والرحمة التي هي من مقاصد بناء الأسرة في الإسلام، قال جل جلاله (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق:2-3، وإن بيتا يقوم في الدنيا على البر والتقوى ينتظر اجتماعاً أعظم في يوم القيامة: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) الرعد:23. حتى من قصر من الأبناء فإن الله عز وجل يلحقهم بآبائهم المجدين؛ رحمة بهم وإحساناً من عظيم الفضل والإحسان: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتهُمْ ذُرِّيَّتهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ)الطور :21.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...

الخطبة الثانية .

الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتننانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ...، أما بعد عباد الله

اتقوا الله، واحمدوه، واعلموا أنه قَل أن يسلم بيت من الخلافات، ومن العقل توطين النفس على تحمل بعض المضايقات والتغاضي والتغافل عن الهفوات، وفي الوصايا النبوية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا.". رواه البخاري .

وعلى المرأة أن تحفظ حق زوجها ومعروفه عليها؛ فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الجحود ذريعة لاستحقاق عذاب الله؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل :أيكفرن بالله؟! قال: يكفُرن العشير، ويكفُرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط" رواه البخاري.

ومن الحلول في مواجهة الأخطاء الأسرية التي لا يسلم منها طرف إلا من عصم الله أن تتذكر محاسنه عليك؛ ليستقيم الحكم، وتطيب الحياة، ويحصل الخير الكثير،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يَفرَكُ مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خُلقا رضي منها غيره".رواه مسلم. وصدق الله عز وجل (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء:19.

عباد الله، إن أسركم أمانة بين أيديكم، فاسقوها بماء المودة ، واحفظوها من مظان التفكك وسبل الانحراف، وتذكروا على الدوام قول خير الأنام صلى الله عليه وسلم "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته".

وأخيرا وليس آخراً إن ما تتعرض له المملكة من هجمات شرسة ظالمة تستهدف هذا الوطن في دينه وأمنه وقيادته ومواطنيه ومقدراته لزعزعة الأمن في هذه البلاد المباركة وإذائها في دينها وقادتها ووحدتها ومقدراتها لكونها رأس العالم الإسلامي وتمثل بيضة الإسلام فالواجب على كل مواطن ومسلم الدفاع عن المملكة لما تحويه من مقدسات ورسالة على نهج النبوة وقيادة تخشى الله عز وجل وتحقق العدل وتسعى لرخاء الوطن والمواطن ورعاية المسلمين وخدمة قضاياهم في العالم أجمع ويشهد بذلك لها التاريخ منذ تأسيسها ولا يخفى ما تقوم به من خدمات جليلة وأعمال مباركة للحرمين الشريفين.

فالتفوا حول ولاة الأمر حفظهم الله لتفويت الفرص على الأعداء فيما يهدفون إليه ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله فشكر الله لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله على ما قدموه ويقدمونه من جهود عظيمة لخدمة الإسلام والمسلمين وانجازات تهدف لرخاء وخدمة الوطن والمواطن .

هذا وصلوا على نبيكم خليل الله محمد حفظكم الله ورعاكم وحفظ الله لنا قادتنا وبلادنا ومقدساتنا وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله .

1440/2/17هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي