الدرس 340: بر الوالدين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 25 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1279 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

انصح والدك لشربه المسكر وسبه للدين، واستمر في نصحه بالحكمة والموعظة الحسنة وجادله بالتي هي أحسن في بيان حكم هذه المنكرات، عسى أن تنفعه النصيحة ويتوب الله عليه، فإذا أصر على المنكرات فاعتزله فيها، ولا تعنه عليها، وصاحبه في الدنيا بالمعروف، لقوله تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) إلى قوله سبحانه (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لقمان: 15

من نصح إخوانه، فغضبت عليه أمه فلا إثم عليه

من سب والديه وإخوانه فقد ارتكب ما حرم الله من عقوق الوالدين وإيذاء إخوانه، وذلك من كبائر الذنوب، فعليه الاستغفار، والتوبة إلى الله، وطلب الرحمة والمغفرة لهم، مع برهم بالصدقة عنهم والإحسان إلى من له بهم صلة من الأحياء، أقارب أو أصدقاء، عسى أن يعفو الله عنك ويغفر ذنبك، ولاسيما وأنهم قد توفوا

صلة الوالدة مشروعة، وقد أحسنت صنعا ببرك إياها، إذا كان ما أرسلتِ من النقود من مالك، أما إذا كان من مال زوجك فلا يجوز أن تصليها بشيء منه إلا بطيب نفس زوجك

إذا كانت طاعة الوالد تخالف أمرا من أوامر الله، أو توجب ارتكاب ما حرم الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا يجوز لك أن توافق والدك على ما فيه طاعة له وهو معصية لله

وعلى الولد أن يبر أباه وأمه، ويحرم عليه عقوقهما وإيذاؤهما، ولو بالتأفف وإظهار الاشمئزاز والضجر، وأن يقوم بمعونة كل منهما قدر الطاقة فيما يحتاجان إليه مالاً أو عملاً، أما الانفصال عنهما أو عن أحدهما بسفر ونحوه، فإذا كانت المشاكل لا تحل إلا بذلك فلا حرج على الولد في ذلك للضرورة، ولو لم يأذن الوالد أو الوالدة أو هما جميعا، مع القيام بما يقدر مما يحتاجان إليه من مال أو خادم، أداءً لحقهما عليه

الواجب على المسلم أن يخاطب والديه ويناديهما ويتحدث معهما بما فيه لطف وأدب، مثل: يا أمي، يا أبي، يا والدي، يا والدتي، ونحو ذلك مما فيه إشعار بالحنان والتوقير والاحترام

يجب عليك بر والديك جميعا، والإحسان إليهما قدر استطاعتك، وليس لواحد منهما أن يمنعك من بر الآخر، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم (إنما الطاعة في المعروف) وليس من المعروف أن يمنعك من بر أمك، وعليك أن تعالج الموضوع بحكمة، حتى تكسب رضاهما جميعا، وذلك حسب الإمكان

يجوز أن تتصدق على أبيك وأمك بذبيحة دون أن تحدد لها وقتا تعتاده، كرأس كل أسبوع أو سنة، فإن ذلك التحديد بدعة، أما الضحية عنهما فتذبح في وقتها الشرعي

أطيعي زوجك في المعروف، وتعاوني معه على البر والتقوى، وزوري والديك ومعك زوجك، برا بهما وصلة لهما، مع النصح لهما بالمعروف، واجتناب ما يرتكبان من المعاصي، وانصحي لإخوتك بالمعروف، فمن هداه الله واستجاب للنصيحة فالحمد لله، ومن أبى وأصر على غيه فأمره إلى الله، فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وليس إليكِ تحويل القلوب عن مجراها والله المستعان، وبهذا تبرأ ذمتك، وسوف لا يصيبك شيء من دعاء الوالدة إن شاء الله

ودلت الأدلة الشرعية على وجوب الإحسان إلى الأبوين ومعاملتهما بالمعروف، والمساعدة بحمل المتاع عنهما من الإحسان إليهما، ولا يجوز احتقارهما، لكن إذا كانا كافرين فلا يطعهما في معصية الله من الشرك به، ونحو ذلك، قال تعالى (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي) لقمان: 15

ويأثم بنهرهما، ويعتبر عقوقاً، ولو كان قلبه مملوءا بالحب لهما، ويكره إصابتهما بأدنى أذى، لقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) الإسراء: 23

وإذا كان ما تدفعه لوالدك ينفقه في حرام أو يستعين به في حرام فاقطعه عنه، كفاً له عن الحرام، وإلا فاستمر في صلته

إذا كنت غير مرتاح السكنى مع الأسرة في بيت والدك، فلا إثم عليك في انفرادك عن الأسرة في بيت مستقل، تحقيقاً للراحة والاستقرار، مع القيام بحقوق الوالدين، وصلة الرحم، وعدم القطيعة

وقد أسأت في رفعك صوتك على والدتك، وكلامك عليها كلاماً غير لائق، لأن ذلك من العقوق، وقد أوجب الله بر الوالدين، وحرم حقوقهما في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أحسنت في ندمك على ما حصل من ذلك وتوبتك منه كله، ونرجو أن يتقبل الله توبتك ويغفر ذنبك

والتوبة النصوح هي التي تشتمل على الندم على ما وقع من الذنب، والعزم على عدم العودة إليه

وقد أحسنت في الحج عن أمك، وحجك أخرى عن أمها، وفي الصدقة عنها، ونرجو أن يكفر الله بذلك ذنوبك ويثيبك على ذلك، وهذا مما ينفع الله به والدتك ووالدتها

لا شيء في مناداة الأم بلفظة (ماما)، إلا إذا كرهتها الأم فتنادى بأحب الأسماء إليها، ولا يجوز طاعة الأم في كشف الوجه والتبرج في الملابس ونحوها، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما لا يجوز تطليق زوجتك لطلب أمك، ولاسيما وأن زوجتك مطيعة لك، وعلى خلق حسن ولك منها أولاد

وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب، وليس لولدهما أن يقابل سيئتهما بسيئة، بل يقابلها بالحسنة، وعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره مما فرط منه، عسى أن يغفر له ما مضى

فعقوق الوالدين إيذاؤهما ولو بالتأفف وعبوس الوجه وعصيانهما، إلا إذا أمرا بمنكر أو نهيا عن معروف، فلا طاعة لهما في ذلك ولو تألما في المخالفة، ولا يعتبر مجرد هذا عقوقاً لهما فإن طاعة الله أحق

إرسالكِ مبلغاً من مالك لوالدك الكبير من الإحسان إليه والبر به، لاسيما إن كان محتاجاً، وليس لزوجكِ أن يمنعكِ من أن تصلي والدك من مالك، ولا طاعة له في منعك من بره

دلت السنة على مشروعية بر الوالدين بعد وفاتهما، بالدعاء لهما وتنفيذ وصيتهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما، ففي سنن أبي داود عن أبي أُسيد الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما، فقال: نعم: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما. أخرجه أحمد

لا يجوز للرجل منع زوجته من زيارة والديها ولو كان مهرها قنطاراً من الذهب، لأن بر الوالدين حق من الحقوق الواجبة في الشرع. قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) الإسراء: 23

وصلة الأرحام من أوجب الواجبات، وقطعها من كبائر الذنوب، وأقرب الأرحام الوالدان، فصلتهما واجبة حسب الاستطاعة، لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن: 16

لا يجوز لك أن تعين والدك على فعل محرم، سواء كان غاية أو وسيلة، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله جل وعلا عنه فقال (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: 2

وأطع والدك في المعروف، وانصح له في العقيدة مع الأدب، والزم كتاب الله وسنة رسوله، واعمل بهما وتعاون في ذلك مع أهل السنة

والأصل الشرعي أن الزوجة تكون في طاعة زوجها، وأن الولاية على الأولاد في دائرة الزوجين، وليس لوالد الزوج ولا لغيره حق التدخل في ذلك، ما لم يكن هناك مقتضى شرعي يقدر من المفتي، أو القاضي

لا يجوز لك إحضار الدخان لوالدك وإن طلب منك ذلك، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

إذا شرع المصلي في صلاة فإن كانت فرضا لم يجز له أن يقطعها ليجيب أمه أو أباه، أما إذا كانت الصلاة نفلا فيجوز له قطعها لإجابة والديه، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإلا لا يقطعها بل يخففها بحيث لا يسرع سرعة تفسد صلاته

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/5/24 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي