الدرس 157: باب السَّلم 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 28 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1291 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (بل جيد ورديء) أي: يصح أن يقول: جيد أو يقول: رديء، وإذا اختلفا في كونه جيداً أو رديئاً يرجع إلى أهل الخبرة في ذلك

قوله (فإن جاء بما شرط) يعني من جيد أو رديء

(إن جاء) الفاعل يعود على المسلم إليه، وقوله (بما شرط) أي: المسلم، لزمه أخذه

قوله (أو أجود منه من نوعه) يعني كان المشروط عليه تمراً وسطاً، فحل الأجل وجاء المسلِم إليه بتمر جيد، فقال المسلم: بيني وبينك تمر وسط والآن جئتني بجيد فأنا لا أقبل، فهنا يقول المؤلف: يلزمه القبول، وهذا هو الصحيح لأن المسلِم إليه لم يأت إليه بعين زائدة، يعني ليس الذي عليه مائة صاع جاء بمائتين إنما جاء بزيادة وصف، لأن المبرأ لا يشترط رضاه إذاً يلزمه

وقوله (من نوعه) أي: بأجود منه من نوعه، فلو كان الإسلام في نبوت سيف وأتى إليه بسلج، والسلج أكثر قيمة من نبوت السيف، فلا يلزمه، لأنه ليس من نوعه، فالاختلاف ليس اختلاف صفة بل اختلاف ذات، لأنه أتى بنوع آخر فلا يلزمه، وإذا أتى بغير جنسه مثلاً كان الإسلام في بر، ثم أتى إليه بتمر فهذا لا يجوز

فالأقسام ثلاثة

الأول: إذا أتى بأجود منه من نوعه لزمه القبول

الثاني: إذا أتى بأجود منه من جنسه لم يلزمه القبول، ويجوز له القبول

الثالث: إذا أتى بغير جنسه حرم القبول

قوله (ولو قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه أخذه) محِله بكسر الحاء بمعنى حلول، ومحَل بفتح الحاء بمعنى موضع أي مكان

مثال ذلك: يحل في رمضان وجاء إليه في شعبان قبْل الموعد لزمه قبوله، لكن اشترط المؤلف شرطاً وهو ألا يكون عليه ضرر في قبضه، والذي عليه الضرر هو المسلم، فإن كان عليه ضرر مثل أن يسلم إليه بتمر، أي: أعطاه دراهم على أن يأتيه بتمر في رمضان وجاءه بالتمر في شعبان، فهنا جاء به قبل محله، فقال المسلم لا أقبله، وقال المسلم إليه تقبله، لأن هذا ثبت في ذمتي والتأجيل إرفاق بي، وأنا مسقط لهذا الإرفاق فلا بد أن تأخذه

فقال المسلم التمر الآن يملأ السوق، والتمر يكون رائجاً في رمضان، حيث يحتاج الناس إلى التمر في الإفطار، فالآن السعر نازل فعلي ضرر، ففي هذه الحال للمسلم أن يمتنع من قبضه، لأن عليه ضرر

وكذلك لو حدث خوف في البلد قبل حلول أجله، مثلاً حلول الأجل في محرم، وحدث خوف في البلد في شوال، فجاء المسلَمْ إليه بما أسلم فيه، فقال المسلِمْ لا أقبله، البلد الآن مخوف وأخشى أن يُسطَى عليه ويؤخذ، فلا أقبله إلا في رمضان، فلا يُلزم بالقبض، لأن عليه ضرر

إذاً إذا جاء المسلَمْ إليه بما وقع عليه العقد قبل حلوله لزم المُسلِمَ قبولُه، إلا أن يكون عليه ضرر في قبضه، فلا يلزمه، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه أحمد وحسنه الألباني

قوله (الثالث ذكر قدره بكيل أو وزن أو ذرع يعلم) يعني لا بد أن يذكر قدره بكيل في المكيل، ووزن في الموزون، وذرع في المذروع ولم يقل أو عد، لأن العد فيه تفصيل، إن كان المعدود يختلف فإنه لا يصح الإسلام فيه، وإلا صح ذلك

قوله (يُعلم) يعني يعلم بين الناس ويكون معهوداً بينهم، لا أن يعلم بين الطرفين مثل الصاع والمد والرطل والوزنة والكيلو وما أشبه ذلك، فقوله (يعلم) احترازاً مما لو قيد بشيء لا يعلم، مثل أن يقول ملء هذا الإناء عشر مرات مثلاً لا يجوز، لأن هذا غير معلوم بين الناس، لأن هذا الإناء ربما يضيع

قوله (وإن أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح) لأنه يجب أن يقدر بالمعيار الشرعي، فالبر ونحوه يقدر بالكيل، والسكر واللحم وما أشبه ذلك يقدر بالوزن، فلو أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد

والصواب: أنه يصح أن يُسلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً، لأنه معلوم، والتساوي هنا ليس بشرط، وإنما وجب في بيع الربوي بجنسه أو يقدر بالمعيار الشرعي، لأنه يشترط فيه المساواة، فلهذا لا يصح أن أبيع عليك وزن عشرة كيلوات من البر بعشرة كيلوات من البر، وذلك لأنه لا بد من التساوي في المعيار الشرعي، والمعيار الشرعي للحبوب ونحوها هو الكيل، وأما السلم فالمقصود انضباط الصفات والقدر، وهذا يحصل فيما إذا أسلم في المكيل وزناً أو في الموزون كيلاً

فالصواب: أنه يجوز، وهو أحد القولين في المذهب

أما المعدود فإن كان لا يختلف يسلم فيه عداً، وإن كان يختلف يسلم فيه وزناً

قوله (الرابع ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن) معنى (له وقع في الثمن) يعني: له تأثير، فإن لم يكن له تأثير فإنه لا يصح الأجل، لأنه لا فائدة منه، وقد صرح المؤلف رحمه الله بمفهوم ذلك فقال (فلا يصح حالًّا) هذا مفهوم قوله (إلى أجل)

قوله (ولا إلى الحصاد والجذاذ) هذا مفهوم من قوله (معلوم) أي: لا يصح، لأن الحصاد والجذاذ غير معلومين، والناس منهم من يحصد مبكراً ومنهم من يتأخر، ومنهم من يجذ النخلة مبكراً ومنهم من يتأخر، وحينئذ يبقى الأجل مجهولاً

ولكن الصحيح أنه يصح إلى الحصاد والجذاذ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والمراد إلى زمن الحصاد والجذاذ وليس إلى الجذاذ نفسه أو الحصاد بل إلى زمنه

قوله (ولا إلى يوم) لأنه ليس له وقع في الثمن، لأن هذا هو الفائدة من السَلم، أن المسَلم إليه ينتفع بالثمن المقدم، والمسلِم ينتفع بزيادة المبيع، فإذا لم يكن للأجل وقع في الثمن فاتت فائدة السلم، والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (إلى أجل) فقيد السَلف بالأجل، (ومعلوم) قيد الأجل بكونه معلوماً، وهذا الذي ذكره المؤلف هو ظاهر الحديث، وقد سبق أن الصحيح أن الحديث نص في اشتراط الأجل المعلوم، بمعنى أنه إذا كان مؤجلاً فلا بد أن يكون الأجل معلوماً، ويؤيد ذلك أن الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) أخرجه البخاري ومسلم

واشتراط أن يكون له وقع في الثمن، ليس في الحديث ما يدل عليه، ففي الحديث (إلى أجل معلوم) وليس فيه قيد أن يكون له وقع في الثمن، لذلك لم يشترطه كثير من الفقهاء

قوله (إلا في شيء يأخذه منه كل يوم كخبز ولحم ونحوهما) أي: إلا ما يؤخذ شيئاً فشيئاً، كما لو أسلم إليه في خبز، أو لحم يعطيه إياه تبدأ من الغد، فهذا لا بأس به، لأن غايته ستكون متأخرة إلى وقت يكون له وقع في الثمن

قوله (الخامس أن يوجد غالباً) لأنه لا يمكن أن نقول يقيناً، لأن هذا الأمر مستقبل، والمستقبل لا يمكن لأحد أن يحكم عليه حكماً يقينياً

قوله (في محله ومكان الوفاء) أيضاً لا بد أن يكون المسلم فيه مما يوجد غالباً في محله، أي: في وقت حلوله

وقوله (ومكان الوفاء) هذا مكان الحلول، فاشترط المؤلف أن يوجد المسلم فيه في الزمن والمكان عند الحلول، فإن جعله إلى وقت لا يوجد فيه المسلم فيه فإنه لا يصح، مثل أن يسلم إليه في رمان يحل في الشتاء فهذا لا يصح، لأن الرمان في الشتاء لا يوجد، فمتى وجد في محله ومكان الوفاء فإنه يصح

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

28-03-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة