عشر ذي الحجة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 17 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1283 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، أتاح لعباده مواسم الخير ونوعها ليتزودوا منها بصالح الأعمال، ويستدركوا ما يحصل من الغفلة والإهمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم في هذه الدنيا في دار ممر، وما زلتم في سفر، وإن إلى ربكم المستقر، وإنها تمر بكم مواسم عظيمة تضاعف فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة، فقد جمع الله فيها من الفضائل، ونوع فيها من الطاعات ما لا يخفى إلا على أهل الغفلة والإعراض، ففي هذه العشر المباركة التي نوه الله بها في كتابه الكريم، حيث قال سبحانه (والفجر وليال عشر) الفجر: 1

فالمراد بها عشر ذي الحجة، أقسم الله بها تعظيما لشأنها، وتنبيها على فضلها، فقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ."

فدل هذا الحديث على أن العمل في هذه العشر، أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا، وأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله إلا جهادا واحدا، وهو جهاد من خرج بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء، فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في هذه العشر، وأما بقية أنواع الجهاد، فإن العمل في هذه العشر أفضل وأحب إلى الله منها.

وقد شرع الله لعباده صيام هذه الأيام، ما عدا اليوم العاشر، وهو يوم النحر، ومما يشرع في هذه الأيام الإكثار من ذكر الله، ولا سيما التكبير، قال الله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) الحج: 28

وهي أيام العشر ، وأما الأيام المعدودات، فهي أيام التشريق، ويستحب الإكثار من ذكر الله في هذه العشر المباركة من التهليل والتكبير والتحميد، وأن يجهر بذلك في الأسواق، فقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وهذا من رحمة الله بعباده.

فلما تعذر الحج على كل واحد جعل موسم العشر مشتركا بين الحجاج وغيرهم، فمن لم يقدر على الحج، فإنه يقدر على أن يعمل في العشر عملا يفضل على الجهاد، وفي هذه العشر المباركة يوم عرفة فقد روى الإمام مسلم عن أبي قتادة قال :

(وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ.) فيستحب صيامه لغير الحاج، أما الحاج، فلا يصومه لأجل أن يتقوى على الوقوف، وذكر الله تعالى، وهو يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)

وفي هذه العشر المباركة يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، يكمل المسلمون حجهم الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام بعد ما وقفوا بعرفة، وأدوا الركن الأعظم من أركان الحج، شُرع لهم فيه ذبح القرابين من هدي وأضاحٍ، والحجاج يستكملون مناسك حجهم في هذا اليوم المبارك من الرمي، والحلق أو التقصير، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة للمتمتع ولمن لم يسع مع طواف القدوم من مفرد أو قارن، وأهل الأمصار في هذا اليوم يؤدون صلاة العيد لإقامة ذكر الله

وبعد هذه العشر المباركة أيام التشريق التي هي أيام منى، روى مسلم في صحيحه من حديث نُبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. [وفي رواية : زاد فيه «وذكرٍ لله»] ) وهي الأيام المعدودات التي قال الله تعالى فيها: (واذكروا الله في أيام معدودات) البقرة: 203

وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وقد أمر الله تعالى بذكره في هذه الأيام المعدودات، وذِكر الله في هذه الأيام أنواع متعددة

منها: ذِكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير المقيد في أدبارها

ومنها: ذِكر بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك

ومنها: ذِكر الله عز وجل على الأكل والشرب، فأيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله، فإنه يسمي الله عند بداية أكله وشربه، ويحمده عند نهايتهما

ومنها: ذكر الله تعالى بالتكبير عند رمي الجمار

فاشكروا الله أيها المسلمون على هذه النعمة العظيمة، واغتنموا هذه الخيرات، ولا تكونوا من الغافلين (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) البقرة: 198-203

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار المهاجرين منهم والأنصار، وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس:

اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه إذا دخلت عشر ذي الحجة فلا يجوز لمن اراد أن يضحي أن يأخد من شعره أو أظافره أو بشرته شيئاً حتى يضحي وقد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما من يضحى عنه من أولاد وزوجات فلا حرج في ذلك.

وأيام التشريق يحرم صيامها ، قال صلى الله عليه وسلم (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) رواه مسلم

وعن عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما قالا ( لَمْ يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ، إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ.) رواه البخاري

وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل والشرب فيها حكمة بالغة، وذلك أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الحجاج من مشاق السفر، وتعب الإحرام، وجهاد النفس على قضاء المناسك، شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم، فهم في ضيافة الله عز وجل، ويشاركهم أهل الأمصار غير الحجاج في ذلك، لأنهم شاركوهم في الذكر، والاجتهاد في العبادات وشاركوهم في التقرب إلى الله بذبح الأضاحي، فاشترك الجميع بالعيد، والأكل والشرب والراحة، فصار المسلمون كلهم في ضيافة الله عز وجل

وفي هذه الأيام يأكلون من رزقه، ويشكرونه على فضله، ونهوا عن صيام هذه الأيام من أجل ذلك

فاتقوا الله أيها المسلمون واشكروه على نعمه

ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)الأحزاب:56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك .

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته .

اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعث والنشور

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون

1439/3/17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة