الدرس 324: الأدعية والأذكار

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1399 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

حمد العبد لربه وثناؤه عليه من أجل الذكر وأحبه إلى الله، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (ولا أحد أحب إليه المدح من الله) رواه البخاري ومسلم، من أجل ذلك أثنى الله على نفسه فقال في أول سورة الفاتحة (‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقال تعالى (‏فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام: 45، وحمد نفسه في خلق السموات والأرض بقوله (‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ‏) الأنعام: 1، وحمد نفسه بكمال ملكه لما في السموات والأرض، فقال تعالى (‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) سبأ: 1، وحمد نفسه لانفراده بابتداء الخلق من غير مثال سابق في قوله (‏الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ‏) فاطر: 1، وثناء العبد على ربه لا يستغرق جميع المحامد ولا يستطيع أن يحصي أحد الثناء عليه، ونبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق تعظيما لله وحمدا له كان من دعائه (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم، وفي الثناء على الله بعد الرفع من الركوع (اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد).

أما قول ملء نور وجهك وملء ما انتهى إليه بصرك وليس له نهاية وملء الجنة وملء الكرسي والعرش، ليس مشروعاً

إن قرأ المسلم (‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً‏) ليرشد من حوله إلى فضيلة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وينبههم إلى ذلك حتى يحرصوا على العمل بهذه الفضيلة رجاء الثواب فليس ببدعة، بل هو مشكور ومأجور

وإذا صلى المخاطبون عليه صلى الله عليه وسلم كان له مثل أجرهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏ (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم

وإن كان اتخذ قراءة هذه الآية عادة له عند رغبته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا العمل لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أصحابه، ولم يعرف عن أئمة السلف، فينبغي تركه.

الأصل في الأذكار المقيدة وسائر العبادات التوقيف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لما رواه البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل‏:‏ اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به، قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت‏:‏ ورسولك، قال‏:‏‏ لا، ونبيك الذي أرسلت) أخرجه البخاري ومسلم، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم على البراء بن عازب أن يضع كلمة ‏(‏ورسولك‏)‏ مكان كلمة ‏(‏ونبيك‏)‏ في الذكر والدعاء عند النوم

وكلمة‏ ‏(‏إنك لا تخلف الميعاد‏)‏ وإن لم ترد في دعاء طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان في دواوين السنة الستة، ولكن رواها البيهقي في ‏(‏سننه‏)‏ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وذكر الحديث، وزاد في آخره‏ ‏(‏إنك لا تخلف الميعاد‏) وعلى هذا لا تكون زيادتها في دعاء طلب الوسيلة بعد الأذان للنبي صلى الله عليه وسلم بدعة‏

فالأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها، فلا ينقص منها ولا يزاد عليها ولا يغير في كيفياتها، والذي ثبت في كتب السنة الستة من الذكر بعد السلام (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) وفي رواية (تباركت ذا الجلال والإكرام)

وعند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، يجوز ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه سيد الأولين والآخرين، عليه الصلاة والسلام، فالأمر فيه سعة

لكن في الأذان والإقامة لا يقال سيدنا، بل يقال كما جاء في الأحاديث‏ (أشهد أن محمداً رسول الله ) وهكذا في التشهد في الصلاة لا يقال ‏(‏سيدنا‏)‏ بل يقال كما جاء في الأحاديث، لأن ذلك أقرب إلى الأدب مع السنة وأكمل بلا تسييد بالاتباع

والصلاة من الله سبحانه هي ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة والمؤمنين هي‏ الدعاء، وصلاة الله على رسوله تليق به سبحانه

فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في أول الدعاء مع حمد الله والثناء، لحديث فضالة بن عبيد الوارد في ذلك، ولعموم أمر الله بالصلاة على نبيه بقوله تعالى (‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الأحزاب: 56

ومن أسباب إجابة الدعاء‏ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس ذلك شرطا في إجابة الدعاء، والحديث الذي فيه‏ (‏إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلي الداعي على النبي صلى الله عليه وسلم) ضعيف لا تقوم به حجة

والذكر من أفضل العبادات التي يجب صرفها لله تعالى وحده، وهي غير منحصرة بعدد ولا نوع معين.

قال النووي في كتابه ‏(‏الأذكار‏)‏ ص9‏: فصل (‏اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى، كذا قال سعيد بن جبير رضي الله عنه وغيره من العلماء‏)‏ أ.هـ

وقال ابن حجر كما في ‏(‏شرح المشكاة‏)‏‏:‏ ‏(‏مجالس الذكر مجالس سائر الطاعات، ومن قال هي مجالس الحلال والحرام أراد التنصيص على أخص أنواعه‏) أ.هـ

فينبغي لكل مسلم أن يحافظ على أذكار الصباح والمساء الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، لكونها من جوامع الكلم، فهي أولى وأنفع من غيرها

وقد مدح الله تعالى الذاكرين والذاكرات بكثرة الذكر، فقال تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) الأحزاب: 35، وقال تعالى (‏الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) آل عمران: 191

وقد اختلف العلماء في المراد بكثرة الذكر، جاء في ‏الأذكار‏ للنووي ‏ص: 9‏ قال ابن عباس رضي الله عنه: ‏المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه وكلما غدا أو راح من منزله، ذكر الله، وقال مجاهد‏:‏ لا يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً، وقال عطاء‏:‏ من صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قول الله تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) الأحزاب: 35

وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) هذا حديث مشهور رواه أبو داود وغيره

وسئل الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، فقال‏:‏ إذا واظب على الأذكار المأثورة، أي‏:‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم المثْبتة صباحاً ومساء في الأوقات والأحوال المختلفة، ليلاً ونهاراً، وهي مبينة في كتاب‏ (‏عمل اليوم والليلة‏) كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والله أعلم. أ.هـ

وقد ذكر ابن كثير في ‏تفسيره، ‏ج 3 ص 495‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (‏اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً‏) الأحزاب: 41 إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه، فقال (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ) آل عمران: 191 قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم بالليل والنهار، وفي البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال، قال عز وجل (‏وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الأحزاب: 42، فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته. أ.هـ

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، لحديث عائشة رضي الله عنها‏ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) أخرجه مسلم وبذلك يتبين أن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات كل من أطاع الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهو ذاكر لله

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/1/12 هـ

‏‏

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي