صدقة الفطر

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 26 شهر رمضان 1438هـ | عدد الزيارات: 1592 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله مقلب الليل والنهار، خلق عباده وأمرهم بعبادته، ويوم القيامة يجازيهم بأعمالهم، نحمده على ما هدانا للإسلام، ونشكره على ما أولانا من النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قضى الصالحون رمضان في محاريبهم، ركعاً سجداً يبتغون فضلاً منه ورضواناً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ كان يقوم من الليل حتى ترم قدماه الشريفتان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعدُ: عبادَ الله ؛ اتقوا الله وأطيعوه، وأحسنوا ختام هذا الشهر العظيم؛ فإن الأعمال بالخواتيم "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا"النحل:92 ، وخذوا العظة من سرعة انتهاء شهركم في استثمار أوقاتكم؛ فإن أعماركم تمضي عليكم كما مضى، ولا يبقى لكم إلا ما قدمتم فيها .

وإن من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أنه سبحانه يأخذهم في أوامره بالتدرج؛ ليكون أدعى لامتثالهم، ولئلا يثقل العمل عليهم، وبعض التشريعات كانت كذلك كالصلاة والزكاة والصيام
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام- جاء التشريع متدرجاً بها على مراحل ثلاث؛ ففي العهد المكي من الإسلام أُمر المسلمون بها مع الصلاة "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ"المزمل:20 لكن لم تُعين أنصبتها ومقاديرها وأهلها، وإنما يزكي المسلم بما يختار قليلاً أو كثيراً
ثم في المرحلة الثانية شُرعت زكاة الفطر من رمضان قبل أن تفرض الزكاة في الأموال؛ وذلك بعد فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة كما دل على ذلك حديث قَيْسِ بنِ سَعْدٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُما قَال أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاة، فَلَما نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَم يَأْمُرْنَا وَلم يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُه"رَوَاهُ النَّسَائِي، وصحيح النسائي للألباني.

ثم في المرحلة الثالثة فُرضت الزكاة في الأموال بأنصبتها ومقاديرها ومصارفها التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، وبقيت زكاة الفطر على الأمر الأول، فأخرجها النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحابته رضي الله عنهم، ومن بعدهم من المسلمين إلى يومنا هذا، حتى صارت زكاة الفطر من الشعائر الظاهرة المشهورة في كل بلاد المسلمين، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها للفطر بعد انقضاء الصيام
وهي عبادة عظيمة بين شعيرتين كبيرتين هما الصيام والعيد؛ فلها تعلق بالصيام من جهة أن فيها شكراً لله تعالى على الإمهال لإتمام رمضان، وتلك نعمة عظيمة، كما أن فيها شكراً لله تعالى على الهداية والإعانة على إتمام شهر رمضان صياماً وقياماً، وقد أمرنا الله تعالى بشكره على ذلك (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة: 185
وهي ترقِّعُ ما تخرق من صيام العبد؛ ذلك أن العبد محل الخطأ والسهو والجهل، وهذا المعنى جاء في حديث ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللُه عَنْهُما قَال فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلْصَائِمِ مِنَ الَّلغْوِ والرَّفَثِ؛ رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ
والصوم يربي الصائمين على البذل والإنفاق؛ لأنهم إذا جاعوا وعطشوا تذكروا إخوانهم الفقراء فأشركوهم في طعامهم إفطاراً وسحوراً، أو بذلوا لهم من المال ما يسد حاجتهم

وزكاةُ الفطر تَصِل هذا الإحسان والبذل إلى ما بعد الفطر؛ ليبقى الصائم على بذله وكرمه بعد انقضاء رمضان
ولزكاة الفطر تعلق بشعيرة العيد من جهة أن يومَ العيد يومُ فرح لعموم المسلمين، فلا ينبغي أن يَستأثر الأغنياء بهذه الفرحة دون الفقراء، فيكون في إطعامهم للفقراء إدخال السرور عليهم وعلى أسرهم بدل الكدح وطلب القوت، وإغناءً لهم في ذلك اليوم العظيم، وهذا المعنى منصوص عليه في حديث ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللُه عَنْهُما قَال: فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلْصَائِمِ مِنَ الَّلغْوِ والرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِين

وزكاة الفطر من أنواع الطعام، وليست من أنواع المال؛ فإن كلَّ الأحاديث الواردة فيها لم يرد في واحد منها ذكرُ المال، وذُكِر في جميعها أصنافٌ من الطعام ومن ذلك حديث أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعَاً مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعَاً مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعَاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعَاً مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعَاً مِنْ زَبِيبٍ " رَوَاهُ الشَّيْخَان
عباد الله
اعلموا أنه لا يجو
ز إخراج قيمة زكاة الفطر بدلاً عن الطعام لمخالفة ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولفعل الصحابة رضي الله عنهم، وفيه تعطيلٌ مقاصد الشارع الحكيم في فرض زكاة الفطر من الطعام؛ فزكاة الفطر فُرضت مع رمضان في السنة الثانية للهجرة، وزكَّى النبيُ صلى الله عليه وسلم والصحابة معه رضي الله عنهم تسع سنوات، ولم يَرِد في هذه السنوات التسع أن أحداً منهم أخرج قيمتها مع أن الناس آنذاك محتاجون للمال، وفي الصحابة رضي الله عنهم أغنياء مثل أبي بكر الصديف وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم يستطيعون إخراج القيمة، مع وجود المقتضي وهو حاجة الناس للمال، إلا أن الشارع الحكيم قَصَدَ منع القيمة، وخصها بالطعام دون المال؛ ولذا نص الفقهاء على أن الزكاة عبادة ولا بد من التوقيف فيها على النص، وإخراجُ القيمة عدول عن النص، والأصل فيها هو إخراجُ الطعام بالإجماع

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين
أما بعد، عباد الله

اتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) البقرة: 281

واعلموا يا رعاكم الله أن صدقة الفطر لا يجوز دفعها إلا للفقراء والمساكين ووقت وجوبها هو غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك، ووقتها الفاضل عقب صلاة الفجر وقبل صلاة العيد؛ لما فيه من إظهار شعائر العيد، يخرجها الرجل عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجة وولد، والعمال والخدم لا يَلزم من استخدمهم أن يخرجها عنهم إلا أن يتبرع بذلك فيجوز، ولا يجب إخراجُها عن الحمل، بل يستحب إخراجها عنه لفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه
ومن نسي إخراجها حتى صلى العيد فيخرجها عقب ذلك ولا شيء عليه؛ لأنه معذور بالنسيان
وما أجمل أن يباشر المسلم إخراجها بنفسه، ويتلمس أهلها المستحقين لها في بيوتهم؛ تقرباً لله تعالى، وشكراً له على نعمه، وتعظيماً لشعائره (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) الحج: 32
عباد الله

أكثروا من ذكر الله وشكره في ختام هذا الشهر المبارك، واحذروا المنكرات في العيد؛ فإنها من كفر النعمة، وكفر النعمة يعرضها للزوال، كما أن شكرها يزيدها (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم: 7

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك، وممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً ووفق لليلة القدر، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين المرابطين على الحد الجنوبي، وفك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضاءها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

25-09-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي