عيد الفطر 5

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 شوال 1438هـ | عدد الزيارات: 1656 القسم: خطب العيدين

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بركة وأصيلا.

الحمد لله الذي سهل لعباده طريق العبادة ويسره، وجعل لهم عيدا يعود عليهم بعد إكمال صيامهم ، وواصل لهم مواسم الخيرات ليوفيَهم أجورَهم ويزيدَهم من فضله الذي لا يُحصر، فما انقضى شهرُ الصيام إلا وأعقبه بأشهر الحج إلى بيته المطهر.

أحمده وهو أحق أن يحمد ويشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يَأْمَنُ من قالها وعمل بمقتضاها يومَ الفزعِ الأكبر، واشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحبُ المقامِ المحمود والكوثرِ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما .

أما بعد ؛

أيها النَّاسُ ، اتقوا الله تعالى واشكروه على ما مَنَّ به عليكم من إكمال شهر الصيام ، واسألوه أن يتقبل منكم ما قدمتموه فيه من الصيام والقيام، وأن يغفر لكم ما حصل منكم فيه من تقصير أو إجرام، واعلموا أن هذا اليوم يوم عيد يفرح فيه المؤمنون بما منَّ الله به عليهم من إكمال شهر صيامهم وقيامهم، وتمكينهم من اغتنام فضائله وشغل أوقاته بالطاعات والقربات، فإن الفرح بذلك هو الفرح المشروع وأما الفرح بنيل الشهوات الفانية والحصول على المطامع العاجلة فهو فرح مذموم غير مشروع، قال تعالى "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " (يونس 58) ، فهذا اليوم يوم شكر وذكر، وأكل وشرب، يحرم صومه لما في صومه من الإعراض عن ضيافة الله عز وجل ومخالفة أمره حيث شرع الإفطار فيه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : " ما هذان اليومان " ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر. رواه أبو داود وصححه الألباني .

ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد كلُّ عيدٍ منها يأتي بعد استكمال عبادة من العبادات العظيمة في الإسلام ؛ فعيدٌ يتكرر كلَّ أسبوع، وهو يوم الجمعة فهو عيد الأسبوع .

وعيد الفطر المبارك يأتي بعد استكمال صوم شهر رمضان الذي جعله الله الركن الرابع من أركان الإسلام بعدما استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم، فإن صيامه يكفر الله به ما مضى من الذنوب، ولما استكملوه شرع الله تعالى عقبه عيدا يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له، وهو يوم الجوائز، يستوفى فيه الصائمون أجر صيامهم ويرجعون إلى بيوتهم بالمغفرة والرضوان.

عباد الله ؛

من أعظم ما شرع الله في هذا اليوم صلاةُ العيد ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج إليها، حتى النساء يخرجْنَ إليها من بيوتهنَّ يشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمينَ.

فعن أم عطية رضي الله عنها قالت: كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ." رواه البخاري

فالخروج لأداء صلاة العيد على هذا النمط المشهود من الجميع فيه إظهار لشعار الإسلام فصلاة العيد من أعلام الدين الظاهرة ،لو تركها أهل بلد مع استكمال شروط إقامتها فيهم وجب على إمام المسلمين قتالهم.

وينبغي أن تؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها خارج البلد، ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر لأن في أدائها خارج البلد إظهارا لهيبة المسلمين، وإعلانا لشعار الإسلام، ولحصول الأجر للمصليين، ولتمكين العدد الكبير من حضورها إلى غير ذلك من المصالح والحكم فهي مظهر عظيم من مظاهر الإسلام، لاينبغي للمسلم أن يتكاسل عن حضورها وينعزل عن جماعة المسلمين.

والعيد الثالث، من أعياد الإسلام التي شرعها الله عيد الأضحى، وهو أكبر الأعياد الإسلامية وأفضلها.

واعلموا عباد الله، أن الأعياد الشرعية لم تجعل للهو واللعب، وإنما جعلت لإقامة ذكر الله وطاعته والإكثار من الاستغفار، فعيدنا ـ أهلَ الإسلامِ ـ ليس كعيد الكفار، جُعِلَ للفخر والاستكبار، وإنما جُعِلَ لإقامة ذكرِ الله والخضوع له وشكره على استكمال الصيام والقيام والتقرب إليه ببذل الصدقات وإقام الصلاة.

واعلموا، أنه ليس السعيد من أدرك العيدَ وجمَّلَ ظاهرَه باللّباس الجديد وملأ بطنَه بأنواع الطعام، وأطلق لسانه بالمزاح والضحك وكثرة الكلام وإنما السعيد من تقبَّل الله صيامَه وقيامَه، وغفر له ذنوبه وإجرامه ؟ وزكَّى وصلى صلاة العيد في ختام صيامه .

عباد الله ؛

تذكروا من صلى معكم في مثل هذا اليوم من الأعوام الماضية من آبائكم وأقربائكم وإخوانكم المسلمين ممن رحلوا عن هذه الدنيا ولم يستصحبوا منها سوى ما قدموا من أعمال وتركوا الدور والقصور والأموال التي لم تمنعهم من الموت

فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا ما ترون في هذا اليوم من مظاهر الزينة، فان الزينة الحقيقة زينة التقوى، قال الله تعالى "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى" (الأعراف 26).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم.

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ـ لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، حتى تكامل جسمه وحواسه وسمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصا له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

أما بعد ؛

أيها الناس ؛ اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمة الإسلام حيث هداكم إليه، وجعلكم به خير أمة أخرجت للناس، فقوموا بواجباته، وتجنبوا ما يخالفه أو يناقضه، وتمسكوا به تكونوا من المفلحين، ولا تبتغوا دينا غيره فتكونوا من الهالكين "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران 85) .

وانظروا إلى الأمم ممن حولكم وما تعيش فيه من جاهلية جهلاء، وضلالات عمياء، وديانات باطلة، ومذاهب منحرفة، وحزبيات متطاحنة، وطوائف متناحرة وصدق الله سبحانه إذ يقول "فَإِنْ ءامَنُوا بِمِثْلِ مَا ءامَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة 137) ، وهذه سنة الله في خلقه أن من ترك الحق ابتلى بالباطل "فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ" (يونس32) ، ولا يعرف هذا إلا من عاش في نعمة الإسلام، ولا يعرف فضل النور إلا من وقع في الظلمة. ثم اعلموا يا عباد الله، أن الإسلام ليس بالتسمي والانتساب من غير التزام لأحكامه، وقيام بواجباته، وابتعاد عن نواقضه إن للإسلام أركانا وشرائع وسننا، فهو يشمل عبادة الخالق، والإحسان إلى المخلوق

فالمسلم من أدَّى الواجبات واجتنبَ المحرماتِ، فشهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان وحج بيت الله الحرام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، " المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ ،" رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو ، فاحذروا قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، واحذروا أذية المسلمين بأي نوع من أنواع الأذى، قال الله تعالى "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" (الأحزاب 58)

أيها المسلمون، غضوا من أبصاركم، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، يزرع الشهوة في القلب، ويجر إلى الوقوع في الفواحش، واحذروا الإسبال في الثياب والبشوت والأزر والسراويل، فإن ما كان منها أسفل الكعبين فهو في النار، وعليكم بالتواضع، فإن الله لا يحب المستكبرين، وألزموا نساءكم بالستر والحجاب والإبتعاد عن مخالطة الرجال والخلوة مع السائق، قال صلى الله عليه وسلم " ألا لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كانَ ثالثَهما الشَّيطانُ " رواه الترمذي وصححه الألباني .

"أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ *وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ* وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الشعراء 181-183).

واحذروا الغش في بيعكم وسائر أعمالكم، فان الغش ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، ومن غش المسلمين فليس منهم، كما جاء بذلك الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم وإياكم والفجور في الخصومات والتساهل بالأيمان والشهادات ، قال الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (آل عمران 77)

واحذروا أخذ الرشوة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، فإنها من كبائر الذنوب، وهي أخبث المكاسب الموجبة لغضب الله ولعنته وناره وهي سخت ومحق، تدمر المجتمعات، وتقضي على الفضائل والحسنات

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليماً" (الأحزاب 56) .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمناً مطمئناً وسائرَ بلادِ المسلمين يا ربَّ العالمين

عـــــــبـــــادَ اللهِ " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" (النحل 90-91) .

1438-10-1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة