الدرس 120: شروط البيع 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 20 ربيع الثاني 1438هـ | عدد الزيارات: 1496 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

العلماء تتبعوا فوجدوا أنه لا بد من شروط يصح بها البيع وهي سبعة

الأول: التراضي منهما، أي يشترط التراضي من البائع والمشتري، فلا يصح البيع من مكره بلا حق لقول الله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء: 29، أي تجارة صادرة عن تراضٍ منكم، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (إنما البيع عن تراضٍ) أخرجه ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال البوصيري هذا إسناد صحيح رجاله ثقات

فإن أكرهه الحاكم على بيع ماله كوفاء دينه صح لأنه حمل عليه بحق

مثال ذلك: شخص رهن بيته لإنسان في دين عليه وحل الدين فطالب الدائن بدينه، ولكن الراهن الذي عليه الدين أبى، ففي هذه الحال يجبر الراهن على بيع بيته، لأجل أن يستوفي صاحب الحق حقه

مثال آخر: أرض مشتركة بين شخصين وهي أرض صغيرة لا يمكن قسمتها، فطلب أحد الشريكين من الآخر أن تباع فأبى الشريك الآخر، فهنا تُباع الأرض قهراً على من امتنع، لأن هذا بحق من أجل دفع الضرر عن شريكه

فإذا كان الإكراه بحق فإن البيع يصح ولو كان البائع غير راض بذلك

الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف

والعاقد هو البائع والمشتري، وجائز التصرف من جمع أربعة أوصاف

الأول: أن يكون حراً

الثاني: أن يكون بالغاً

الثالث: أن يكون عاقلاً

الرابع: أن يكون رشيداً

الأول: أن يكون حراً، والحر ضده العبد، والعبد لا يصح بيعه ولا شراؤه إلا بإذن سيده،، لأن ما في يد العبد ملك لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع) أخرجه البخاري

الثاني: أن يكون بالغاً، وضد البالغ الصبي، ولهذا قال المؤلف (فلا يصح تصرف صبي وسفيه بغير إذن ولي) حتى وإن كان مراهقاً له أربع عشرة سنة، وكان حاذقاً جيداً في البيع والشراء، فإنه لا يصح بيعه، لأنه صغير لم يبلغ، لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء: 6، أي: اختبروهم، فاشترط الله لدفع أموالهم شرطين: بلوغ النكاح وذلك بالبلوغ، والرشد

الثالث: أن يكون عاقلاً، وضده المجنون، فالمجنون لا يصح تصرفه، وكذا من بلغ سن الهرم، فلو أن رجلاً هرم، وجاء إلى إنسان، وقال له: أنا أبيع عليك بيتي وسيارتي فلا يصح البيع منه لفقد العقل، ومن شرط التصرف أن يكون الإنسان عاقلاً

الرابع: أن يكون رشيداً، والرشيد هو الذي يحسن التصرف في ماله، بحيث لا يبذله في شيء محرم، ولا في شيء لا فائدة منه، كأن يبيع الشيء الذي يساوي مائة بعشرة، أو يشتري ما يساوي عشرة بمائة، فضد الرشيد السفيه، ولهذا قال المؤلف (لا يصح تصرف سفيه بغير إذن ولي، فإن أذن له فلا بأس) والولي هو من يتولى مال السفيه

والصحيح: أنه يحرم على الولي أن يأذن بدون مصلحة، لقول الله تعالى (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ) الأنعام: 24

الشرط الثالث من شروط البيع: أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة، أي: أن تكون العين التي وقع المعقود عليها أو على منفعتها مباحة النفع بغير حاجة، وهذه تقتضي ثلاثة شروط

الأول: أن يكون فيها نفع، وأن يكون النفع مباحاً، وأن تكون الإباحة بلا حاجة، فمحرمة النفع لا يجوز بيعها، مثل آلات اللهو لا يجوز بيعها لأن منفعتها محرمة، وكذلك الخمر، منفعته محرمة، وما لا نفع فيها لا يجوز بيعها، كالحشرات، فلا يصح بيعها، فلو أن شخص جمع صراصير في إناء لبيعها فلا يجوز بيعها، لأنها لا نفع فيها، بخلاف الجراد فيجوز بيعه، لأن فيها نفع مباحاً، أما الكلب فيباح نفعه للحاجة كالصيد، والحرث والماشية، لكن لا يصح بيعه، حتى ولو كان كلب صيد، ولو كان معلماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب. أخرجه البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري

أما الهر ففيه نفع، لأنه يأكل الفأر، والحشرات، والأوزاغ والصراصير، وبعض الهررة يدور على الإنسان إذا نام، وإذا قرب من الإنسان النائم أي حشرة ضربها بيده، ثم إن اشتهاها أكلها أو تركها، فهذا نفع، لكن لا يجوز بيعها فقد ورد في صحيح مسلم نهى عن بيع الهر. أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ولفظه عن أبي الزبير قال (سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور، قال: زجر النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك) والسنور هو القط


ولا يجوز بيع الميتة مع أن فيها نفع مباح للضرورة إلا جلدها بعد الدبغ لأنه يطهر بالدبغ

قول المؤلف (كالبغل والحمار) البغل، حيوان متولد بين الحمار والفرس، وهو أن ينزو الحمار على الفرس فتلد ما يسمى بالبغل، وفيه من طبائع الحمير ومن طبائع الخيل، وحكمه أنه حرام، لأنه متولد من حلال وحرام على وجه لا يتميز فغلب جانب التحريم، هكذا قال العلماء

والبغل حرام لكن يجوز بيعه، لأنه ما زال المسلمون يتبايعون البغال من عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا، وكذلك الحمار يجوز بيعه، والدليل الإجماع

ولا يتعارض جواز بيع الحمير والبغال بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) أخرجه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه ابن حبان، وقال ابن القيم إسناده صحيح، فنقول: حرم ثمنه، أي ثمن ذلك المحرم، ولهذا لو اشترى شخص بغلاً ليأكله فهو حرام عليه، فلا يجوز أن يأخذ على شيء محرم عوضاً، لكن يشتريه لا لأكله، وإنما لركوبه، وركوبه والانتفاع به حلال، فلا يعارض الحديث

قول المؤلف (ودود القز) القز نوع من أفخر أنواع الحرير، وله دود هذه الدودة بإذن الله يظهر منها القز، وهي بنفسها تطوي على نفسها هذا القز حتى إذا غمها، ماتت ويبست، فأخذ هذا القز بكميات كبيرة وهائلة

فدود القز يجوز بيعه مع أنه حشرة، لأنه ينتفع بها

قوله (وبزره) كذلك بزر هذا الدود الذي لم يصل إلى حد أن يتولد منه القز، يجوز بيعه، لأنه ينتفع به في المآل

قوله (والفيل، وسباع البهائم التي تصلح للصيد) الفيل معروف، يجوز بيعه، لأنه يحمل عليه الأثقال ففيه منفعة، وكذلك سباع البهائم التي تصلح للصيد كالنمور، والفهود، وكذلك الصقور وغيرها، كل سباع البهائم من طائر وماش إذا كان يصلح للصيد فإنه يجوز بيعه، لأنه يباع لمنفعة مباحة فجاز كالحمار

قوله (إلا الكلب) فإنه لا يجوز بيعه، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيعه لقول ابن مسعود (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب) متفق عليه، مع أن الكلب يصلح للصيد، وأباح النبي صلّى الله عليه وسلّم اقتناءه لثلاثة أمور: الحرث، والماشية، والصيد، ومع ذلك لا يجوز بيعه، حتى لو باعه للصيد لا يجوز، ومنع بيع الكلب مع ما فيه من المنافع، ولم تمنع سباع البهائم التي تصلح للصيد، ولا يصح أن تقاس سباع البهائم التي تصلح للصيد عليه، لدخولها في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة: 275، ولأنها أخف ضرراً من الكلب، لأن الكلب إذا ولغ في إناء يجب أن يغسل سبعاً إحداها بالتراب، وغيره من السباع لا يجب التسبيع فيه ولا التتريب، فظهر الفرق وامتنع القياس

قوله (والحشرات) الحشرات لا يصح بيعها، والعلة أنه ليس فيها نفع، فبذل المال فيها إضاعة له، وقد نهى صلّى الله عليه وسلّم عن إضاعة المال في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ولو كان فيها نفع جاز بيعها، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

20-04-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي