الدرس 287: أحكام في خطبة الجمعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 29 محرم 1438هـ | عدد الزيارات: 1528 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

السنة أن يصلي بالناس صلاة الجمعة من تولى خطبتها؛ لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد حافظ عليه الخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم، فكان كل منهم في عهده إذا خطب صلى بالناس بنفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)، لكن إن خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز وصحت الصلاة، وإن فعل ذلك بغير عذر كان خلاف السنة، وصحت الصلاة

يجوز للقائمين على شئون المسجد أخذ مرتب على ما يقومون به من شئون المساجد، سواء في ذلك الأئمة والخطباء والمؤذنون والمستخدمون؛ لقيامهم بواجب إسلامي عام، واشتغالهم بالمصالح العامة

الأحسن أن يجدد الخطيب الخطبة بقدر ما تيسر له ذلك؛ لما في ذلك من زيادة العلم والتشويق وقوة التأثير والبعد عن الملل والسآمة

لا يجوز تشميت العاطس، ولا رد السلام، والإمام يخطب، لأن كلا منهما كلام، وهو ممنوع من الكلام والإمام يخطب

ولا يجوز لمن دخل والإمام يخطب إذا كان يسمع الخطبة أن يبدأ بالسلام على من في المسجد، وليس لمن في المسجد أن يرد عليه والإمام يخطب، لكن إذا رد عليه بالإشارة جاز، ولا يجوز له أن يطلب من أحد أن يجلس ولا يطلب من المتكلم أن يسكت إذا كان يسمع الخطبة، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت) رواه البخاري ومسلم

يشرع أن ينصح الخطيب أثناء خطبة الجمعة من يراه يؤذي الناس الموجودين بالمسجد، وأن ينصح من يراه دخل المسجد وجلس ولم يصل ركعتين، بأن يصلي تحية المسجد، لثبوت السنة بذلك

ومن مد يده للمصافحه فإنه يصافحه بيده ولا يتكلم، ويرد عليه السلام بعد انتهاء الخطيب من الخطبة

ليس لصلاة الجمعة سنة راتبة قبلها، لكن يشرع التنفل بما شاء قبل دخول الإمام

وردت الأدلة من السنة بالنهي عن التشبيك بين الأصابع في الصلاة أو إذا كان في انتظارها، أو في الطريق إليها، فمن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن؛ فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن وله شواهد تدل على صحته

ولا يعتبر تسجيل الخطبة لغوًا يأثم به من فتح المسجل ووجَّهه للخطيب؛ لأن التسجيل يحصل بدون كلام من صاحب المسجل ولا تشويش

لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها؛ لأنها لغته ولغة قومه، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبًا باللغة العربية، وهو يعلم أن لغتهم غير اللغة العربية، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها

وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية ثم يترجمها إلى لغة بلاده؛ ليفهموا ما نصحهم وذكرهم به، فيستفيدوا من خطبته، وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية، غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أولى، جمعاً بين الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه وكتبه، وبين تحقيق المقصود من الخطبة

قراءة الفاتحة بين خطبتي الجمعة بدعة

ثبت أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسجد تقام فيه صلاة الجمعة بالمدينة إلا مسجد واحد هو المسجد النبوي ، وكان المسلمون يأتون إليه لصلاة الجمعة به، من أطراف المدينة وضواحيها، كالعوالي، واستمر الحال على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وذلك دليل عملي منه صلى الله عليه وسلم على القصد إلى جمع المسلمين في صلاة الجمعة في البلد الواحد على إمام واحد، إشعاراً بوحدة القيادة، وجمعاً للقلوب، وتأليفًا للنفوس، وزيادة في التعارف، وتأكيداً لمعاني الأخوة، ولو كان تعدد الجمع في البلد الواحد من غير مبرر شرعي مباحاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أن يصلي كل منهم الجمعة في مسجده بأطراف المدينة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وفي ذلك تيسير على أمته وتخفيف عنها، وعمل بعموم قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة 185]وعموم قوله (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء 28] لكن إذا كانت المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة تضيق بمن يصلي فيها الجمعة، فلا مانع من أن تقام الجمعة في مساجد أخرى حسب ما تقتضيه الحاجة، تيسيراً على الناس، ودفعاً للحرج عنهم، عملاً بقوله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة 185]، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) أخرجه البخاري، وقوله (يسروا ولا تعسروا) ولهذا لما كثر المسلمون بعد عهد الخلفاء الراشدين وازدحمت المساجد بمن يصلي فيها الجمعة صلوا الجمعة في أكثر من مسجد في المدينة الواحدة، عملاً بأدلة التيسير ورفع الحرج، ولنا فيهم أسوة حسنة

قلت: رأيت في أحد البلاد بعد صلاة الجمعة يقوم أشخاص ويصلون الجمعة ظهراً ويقولون صلاة الجمعة باطلة لتعدد الجمع

يصلي الحاضر لخطبة الجمعة على النبي صلى الله عليه وسلم سراً في نفسه عندما يأتي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من الخطيب في خطبة الجمعة، ويجوز للإمام بعد نهاية الخطبة أن يقول أقم الصلاة، وكذلك إذا قال الخطيب في نهاية الخطبة فاذكروا الله يذكركم، يقول السامع لا إله إلا الله

إذا كثر الناس وأنشئ مسجد جديد للحاجة إلى الصلاة فيه فلا فضل للصلاة في المسجد العتيق على الصلاة في المسجد الجديد، إذ الأصل عدم الفرق حتى يدل دليل عليه، ولا دليل، ولكن كلما بعد المسجد عن الشخص فهو أفضل لحديث (إن أعظم الناس في الصلاة أجراً أبعدهم فأبعدهم ممشى) رواه مسلم، وكذا إذا كان أحدهما أكثر جماعة أو الإمام أتم صلاة أو أعظم خطبة أو استقامة

الأرض كلها مسجد وطهور إلا ما دل الدليل على استثنائه، وهي المواضع التي نهي عن الصلاة فيها، لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته) متفق عليه

قلت: كان النصارى لا تصح عبادتهم إلا في أماكن العبادة وهي اليوم الكنائس

وأما الدليل الدال على المواضع التي نهي عن الصلاة فيها ففيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه أحمد، وعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها) رواه مسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل) رواه أحمد

هناك فرق بين الصلاة في المدرسة والصلاة في المسجد ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأداء الصلاة في المساجد، وأخبر أنها تضاعف على الصلاة في البيوت والسوق بخمسة وعشرين درجة، وفي حديث آخر (بسبع وعشرين درجة)، وأمر المسلمين بالصلاة في المساجد، وتوعد من تخلف عنها

يجوز أن يذهب إلى الجامع الذي يفهم لغة إمامه؛ ولو كان أبعد من المسجد الذي بجوار بيته، لأن هذا أجمع لقلبه وأكثر لفائدته

صلاة الجمعة ركعتان فقط، يجهر فيهما بالقراءة، وأما السنة فليس لها سنة قبلها بل يصلي المرء ما شاء، وبعدها يصلي نافلة ركعتين في بيته أو أربع ركعات في المسجد، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات) وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته

تجوز صلاة الجمعة خلف إمام إذا كانت خطبته مشتملة على الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والموعظة الحسنة والأمر بتقوى الله تعالى

المشروع أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي سبح، والغاشية، أو الجمعة، والمنافقون، أو الجمعة، وهل أتاك حديث الغاشية؛ لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز للإمام أن يقرأ بغير السور المذكورة، كما يجوز أن يقرأ فيها بسورة واحدة يقسمها في الركعتين، وصلاته صحيحة

لا نعلم دليلًا يدل على منع الموعظة بعد الصلاة، ومعلوم أن الدواعي لإلقاء الموعظة تختلف باختلاف أحوال من يلقيها، وحاجة الناس لها، وأحوال الأئمة الذين يقومون بإلقاء الخطب، فمن أراد الجلوس للاستماع أو أراد الخروج فالأمر في ذلك واسع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/1/29 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي