الدرس 285: حكم الصلاة في الطائرة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 14 محرم 1438هـ | عدد الزيارات: 1534 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة، ركوعا وسجودا واستقبالا للقبلة؛ لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن 16] ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة؛ لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة

فإذا حان وقت الصلاة في الطائرة أو السفينة وجب على من فيها من المسلمين أن يصلي الصلاة الحاضرة على حسب حاله وقدرته، فإن وجد ماء وجب عليه التطهر به، وإن لم يجد ماء أو وجده وعجز عن استعماله تيمم، إن وجد ترابا أو نحوه، فإن لم يجد ماء ولا ترابا ولا ما يقوم مقام التراب سقط عنه ذلك وصلى على حسب حاله؛ وعليه أن يتوجه للقبلة، ويدور مع الطائرة أين دارت، في صلاة الفرض حسب الطاقة، أما النافلة فيصلي إلى جهة سير الطائرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السفر يصلي النافلة على راحلته حيث وجهه، وثبت في حديث أنس ما يدل على شرعية استقبال القبلة عند الإحرام من حيث التنفل في السفر

لا يجوز أن يصلي قاعدا في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [238] وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) زاد النسائي بإسناد صحيح: فإن لم تستطع فمستلقيا

قلت: في مؤخرة الطائرة وفي مقدمتها إمكانية أن يصلي الإنسان قائماً ولا أعلم أنني منعت من ذلك بل المضيف يحضر لك سجادة ويعلمك باتجاه القبلة فصاحب الطاعة أموره ميسرة

قصر الصلاة والفطر مرخص فيه للمسافر، سواء قطعها في زمن كثير أم قليل، ساعة أو أقل أو أكثر، وسواء نالته مشقة أم لا؛ لأن الشأن في السفر المشقة، ولو لم تحصل، وذلك من فضل الله ورحمته سبحانه بعباده

الأصل أن تؤدي الصلوات بالترتيب، كما أن المشروع في حق المسافر إذا صلى خلف مقيم أن يتم معه الصلاة أربعا، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن متابعة الإمام واجبة وقصر الرباعية في السفر سنة لا واجب على الصحيح من قولي العلماء، ويدل على ذلك عمل الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أتموا خلف عثمان بمنى في الحج لما أتم عملاً بالسنة واعتباراً لواجب المتابعة، روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له: ما بالنا إذا صلينا مع الإمام صلينا أربعاً وإذا صلينا في رحالنا صلينا ركعتين، فقال: هكذا السنة

رغم أن العشاء في صيف أوروبا إلى منتصف الليل تقريباً إلا أنه يجوز صلاتها مع المغرب، بل في وقتها الذي يبدأ بغروب الشفق الأحمر

قلت: يبدأ غروب الشفق الأحمر بعد ساعة ونصف تقريباً وانظر إلى التقويم في أي دولة تجده بعد ساعة ونصف يدخل وقت العشاء

لا بأس للمريض والمسافر من الجمع

يجوز الجمع بين المغرب والعشاء في الحضر لمطر شديد أو مرض، ونحوهما، وذلك بأذان واحد للأولى منهما، وبإقامة لكل منهما، ويجوز ذلك في السفر أيضا بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، في وقت إحداهما، بأذان واحد وإقامتين، لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك

فالمشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع، كالمطر، كسبا لثواب الجماعة، ورفقا بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة، أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر وهو المطر أو البرد فلا يجوز؛ لعدم وروده في الشرع المطهر، وعدم وجود العذر المسبب للجمع

إذ يرخص الجمع من أجل المطر الذي يبل الثياب، ويحصل معه مشقة، من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء، على الصحيح من قولي العلماء

وكذا يجوز الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد، على الصحيح من أقوال العلماء، دفعا للحرج والمشقة، قال تعالى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج 78] وقد جمع أبان بن عثمان رضي الله عنهما بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ومعه جماعة من كبار علماء التابعين، ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا، ذكر ذلك ابن قدامة في المغني

ويرخص للمريض مرضا شديدا أن يجمع بين الظهر والعصر

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع في حجة الوداع بين الظهر والعصر بعرفة جمع تقديم، خطب صلى الله عليه وسلم عندما دخل وقت الظهر، ثم أذن المؤذن، ثم أقام لصلاة الظهر، فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم أقام المؤذن لصلاة العصر فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم وقف بعرفات حتى غربت الشمس، ثم أفاض إلى مزدلفة فجمع فيها بين المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان واحد وإقامة لكل منهما، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما، حسب ما تيسر له من التقديم أو التأخير

وإذا جمع المسافر بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم وصل إلى مقر إقامته قبل دخول وقت العصر أو بعده، أو قبل دخول وقت العشاء أو بعده، فإن صلاته صحيحة؛ لكونه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي، وهو السفر

ويجوز الفصل بين الصلاتين المجموعتين بشغل غير كثير عادة أو بكلام، فلا يفرق بينهما إلا بشيء يسير، كالوضوء، ولا يتنفل بينهما

وإن دخل المسافر مع من يصلي العشاء ونواها عن صلاة المغرب وجلس في الركعة الثالثة فصلاته صحيحة

فالجمع رخصة في السفر والمطر والمرض، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)، وفي رواية أخرى (كما يحب أن تؤتى عزائمه)، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في القصر في السفر أنه قال (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) وله أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة مع المغرب جمع تقديم

ويجب على من نام عن صلاة وهو مقيم أن يصليها إذا ذكرها تامة غير مقصورة ولو ذكرها وهو في السفر؛ لأنها قد استقر وجوبها عليه وهو مقيم

كل مكان لك فيه زوجة مستوطنة به أو مقيمة به إقامة تقطع حكم السفر إذا نزلت عندها في سفرك لا تقصر الصلاة الرباعية ولا تجمع بين الصلاتين

إذا وصل المسافر إلى بلده وقد أخر صلاة الظهر فإنه يصليها أولاً رباعية في وقتها بدون قصر ثم يصلي العصر مع الجماعة في وقتها

من كان يدرس بمدينة تبعد عن مدينته 80 كم، يذهب للدراسة أسبوع ثم يعود إلى مدينته التي يسكن بها بمدة يوم فلا يقصر الصلاة في بلده سواء أقام بها يوم أو أقل أو أكثر؛ لأنه غير مسافر، ولا يقصر الصلاة في محل دراسته؛ لأنه يقيم إقامة تقطع حكم السفر، لكنه يقصر الصلاة الرباعية التي يصليها في سفره، فيما بين بلده ومحل دراسته

صلاة الاستخارة وصفتها جاءت في الحديث الشريف الذي رواه الجماعة إلا مسلما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به قال: ويسمي حاجته

أما القراءة فيها فيقرأ بالفاتحة وما تيسر بعدها من القرآن؛ سورة كاملة أو بعض سورة

فإن حفظت الدعاء للاستخارة أو قرأته من الكتاب فالأمر في ذلك واسع، وعليك الاجتهاد في إحضار قلبك والخشوع لله، والصدق في الدعاء، ويشرع بعد ذلك أن تستشير من تثق به من أهل النصح والخبرة، ومتى انشرح صدرك لأحد الأمرين فذلك هو علامة أن الله اختار لك ذلك الشيء

ودعاء الاستخارة يكون بعد التسليم من صلاة الاستخارة

صلاة التسبيح بدعة، وكذا صلاة الفاتح، وقيام ليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، ليس بمشروع وتخصيصها بشيء من العبادات ليس سنة بل بدعة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/1/14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي