الدرس 283: مسائل في أحكام الإمامة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 2 محرم 1438هـ | عدد الزيارات: 1847 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تصح إمامة الصبي الذي يعقل الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) الحديث، ولما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن سلمة الجَرْمي قال: قدم أبي من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآنا، قال: فنظروا فلم يجدوا أحدا أكثر مني قرآنا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين

ويجوز للمرأة أن تؤم النساء وتقف وسطهن، وإذا كانت المأمومة واحدة وقفت عن يمين من تؤمها

فاللمرأة أن تؤم النساء وتصلي بهن الفريضة والتراويح، ولا تتقدم على الصف كالإمام من الرجال بل تتوسط الصف

ولا تصح إمامة المرأة للرجال؛ لأن الإمامة في الصلاة من العبادات والعبادات، مبنية على التوقيف، والسنة العملية تدل على إمامة الرجل للرجال، ولا نعلم دليلا يدل على أن المرأة تؤم الرجال، أما إمامتها للنساء فلا بأس بذلك، وقد فعلته عائشة رضي الله عنها وأم سلمة رضي الله عنها، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أمر امرأة من أصحابه أن تؤم أهل دارها) يعنى من النساء

من به سلس بول أو نحوه فصلاته في نفسه صحيحة لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن 16]وقوله (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة 286]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وتصح إمامته، ولكن الأولى أن يؤم الناس غيره من الأصحاء خروجا من الخلاف

إذا صلى الإمام ركعة بالجماعة وتذكر أنه على غير وضوء فإن خليفة الإمام يكمل الصلاة ولا يستأنفها من الأول، لقصة عمر رضي الله عنه لما طُعن وهو في الصلاة فإنه استخلف عبد الرحمن بن عوف وكمل بالمسلمين صلاتهم، ولم يستأنفها من أولها

إذا كان المأموم قد أدرك بعض الركعات مع الإمام ثم قام بعد سلام إمامه ليتم ما بقي عليه من الصلاة فلمن يريد أن يصلي معه أن يقتدي به على الصحيح من أقوال الفقهاء

ينبغي لمن تذكر صلاة قد نسيها وهو متلبس بصلاة فرض أن يكمل الصلاة التي هو فيها، على أن تكون له نفلا ولمن خلفه فرضا، ثم يقضي الصلاة التي نسيها ثم يصلي الصلاة الحاضرة التي صلاها نفلا

يجوز اقتداء مفترض بمتنفل، لقصة معاذ (كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة) متفق عليه.

وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين ثم سلم بهم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم بهم رواه أبو داود وهو في الثانية متنفل

من دخل المسجد فوجد ناسا يصلون جماعة جامعين بين الظهر والعصر مثلا، ولا يدري أي الصلاتين يصلون ويخشى أن تفوته الصلاة فعليه أن يصلي معهم جماعة الصلاة التي عليه خشية أن تفوته الصلاة جماعة ولو تبين أنه صلى عصرا وراء إمام يصلي ظهراً فصلاته صحيحة.

من صلى من على ثوبه أو بدنه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد انقضاء الصلاة فالصحيح من قولي العلماء أنه لا إعادة عليه ولا على من ائتم به في تلك الصلاة لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرفوا قال لهم: لم خلعتم. قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما) رواه أحمد وأبو داود ولم يعد أول صلاته، صلوات الله وسلامه عليه، ولم يأمرهم بالإعادة

يجوز أن يصلي العشاء جماعة مع من يصلي التراويح، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام من يصلي العشاء وراءه وصلى ركعتين، إتماما لصلاة العشاء

إذا دخل الإمام وهو يصلي العصر بنية الظهر ثم تذكر أنه قد صلى الظهر فإنه يقطع الصلاة ثم يستأنف الصلاة بنية العصر

يستحب لمن صلى صلاة مكتوبة إماما أو مأموما أو منفردا ووجد بعد ذلك جماعة يصلون تلك الصلاة أن يصليها معهم، وهي له نافلة والأولى فريضة، لما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي رحمهم الله عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه أنه (صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا فدعا بهما فجيء بهما ترتعد فرائصهما فقال لهما ما منعكما أن تصليا معنا قالا: قد صلينا في رحلنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحلكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه فإنها لكما نافلة)

السنة لمن أم الناس أن يراعي ظروفهم وأن يقتدي بأضعفهم في حدود ما وردت به السنة المطهرة في وصف صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد كان الغالب على قراءته في الصلاة أنه يقرأ في الفجر من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره، وقد يقرأ فيها من طواله، وفي العشاء والظهر والعصر من أوساطه، وقد يطيل الظهر في بعض الأحيان، والمفصل يبدأ بسورة (ق) إلى آخر سورة الناس

وردت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل القراءة في الركعة الأولى من الظهر ويقصر في الركعة الثانية

كما أن السنة أن تكون الظهر أطول من العصر، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر (الم) السجدة، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، وفي الأخريين على النصف من ذلك، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

إذا رضي المأمومون بتطويل الإمام وكان مكان الصلاة قاصرا عليهم أو عرف عن أهل هذا المسجد أو المصلي التطويل جاز ذلك، وإلا وجب على الإمام أن يخفف، مع مراعاة السنة في ذلك؛ لقوله سبحانه وتعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب 21] وقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وهذا الجواب لسؤال عن إمام يصلي بالناس من ساعة إلا ربع إلى نصف ساعة

عدم صحة صلاة المأموم قدام الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهذا قول الجمهور

الأصل ألا يصلي أحد إماما بالناس في مسجد له إمام راتب إلا بإذنه؛ لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بالإمامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد على مكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم فإن تأخر عن وقته المعتاد حضوره فيه جاز أن يتقدم غيره للصلاة بالناس دفعا للحرج، فإذا حضر الإمام الراتب فله أن يتقدم للإمامة وله أن يصلي مأموما وعلى هذا فما فعله الإمام من تأخير من تقدم بعد قراءته الفاتحة من حقه، وصلاة الناس صحيحة، وقد تأخر النبي صلى الله عليه وسلم مرة في السفر حين ذهب ليقضي حاجته فجاء صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس فأراد عبد الرحمن أن يتأخر فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن يستمر وصلى مأموما وراء عبد الرحمن. رواه مسلم، وتأخر مرة أخرى في المدينة ليصلح بين بني عمرو بن عوف ثم جاء وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس. فلما أحس به أبو بكر رضي الله عنه تأخر إلى الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم إماما. رواه البخاري ومسلم

يجوز أخذ الأجر على الإمامة مرتبا أو مكافأة من الأوقاف، وقد جرى عليه العمل ولم ينكره أئمة المسلمين، لكون الإمامة من المرافق العامة، وله أن يأخذ المقابل من التبرعات

تصح صلاة المسافر خلف إمام مقيم، ويلزمه أن يتم ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك

الأفضل أن يكون في الجانب الأيمن من الصف، سواء قرب من الإمام أو بعد؛ لعموم حديث (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان

إذا امتلأ الصف الأول بدأ من زاد عن الصف الأول صفا ثانيا من وراء الإمام، وليس من يمين الصف الثاني كما قال السائل

الواجب على المسلمين التناصح بينهم والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يحتاج المسلم في القيام بذلك في تفقد أحوال أخيه لا للتجسس عليه، بل ليزوره إذا مرض وينصح له بما ينفعه أو يدفع عنه، وليعينه في جلب مصلحة أو دفع مشقة أو ضرر، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ونحو ذلك، ومن ذلك تفقد المصلين، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تفقد المصلين في صلاة الفجر فقال: أشاهد فلان، أشاهد فلان

المسبوق يتابع إمامه في جميع أفعال الصلاة، فإذا جلس في الركعة الثانية للتشهد الأول فيجلس معه ويقرأ التشهد، ولو كان بالنسبة له الركعة الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) متفق عليه

لا يجوز لإمام المسجد أن يرفض الصلاة بالناس إماما وهو معهم في المسجد، إلا لعذر أو داع شرعي يقتضي أن ينيب عنه غيره في الإمامة، فينيب من هو أهل للإمامة ويصلي هو مأموما، وله أن ينيب غيره ممن يراه أولى بالإمامة منه بلا عذر يجده من نفسه، لكنه بدافع الحرص على إمامة الأفضل، ولا يعد ذلك رفضا للإمامة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/1/2 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي