سبل النهوض بالمجتمع

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 18 شهر رمضان 1437هـ | عدد الزيارات: 2167 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد: فإن االله عز وجل وهو بديع السماوات والأرض قد أحسن كل شيء خلقه، فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق الكون في أبدع نظام، قال سبحانه (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) الملك: 3-4

وإن هذا الانتظام المدهش في هذا الكون دليل على عظمة الله (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يس: 40

عباد الله، لقد أمر الله بإتقان العمل، وحث نبيه صلى الله عليه وسلم على تحسينه وتجويده، وأعظمُ ذلك تحسين العمل الصالح، بأن يكون خالصاً لوجه الله، وموافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء في الدعاء النبوي الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه دبر كل صلاة (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه أبو داود وقال النووي اسناده صحيح

ثم إن الجودة والإتقان مطلوب في عمل الدنيا كذلك، ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) رواه مسلم

هكذا في أدق الأشياء يوصينا نبينا صلى الله عليه وسلم بإتقان العمل وإحسانه

عباد الله، إن العمل مسؤولية عامة، ومن تولى للمسلمين أمرا فليتق الله، وليحسن العمل، وليتقن الأداء، وليكن قوياً أمينا، (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين) القصص: 26

وهل يقوم سوق الهدر المالي إلا على ساق الإهمال وتضييع الأمانة والمسؤولية؟

أحبتي في الله، إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، وإن دينكم دين شامل لمنافع الدارين يحث على تحسين العمل وإتقانه (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء:128

إن الغش في العمل العام والمال العام نذير شر وفساد، فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)رواه البخاري

ومن صور الغش العام وهو أصل من أصول الفساد الإداري والمالي الغلول، وهو أن يأخذ الإنسان من الأموال العامة ما ليس له، أو يسخر أدوات وظيفته، أو نفوذه لنفع نفسه وقرابته، لا لخدمة الناس التي استؤمن عليها. وهذا من الظلم العظيم الذي يجر المجتمع إلى فساد عريض، وصاحبه متوعد بالعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران: 161، وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأسْد يقال له: ابن الُلتيبة، على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي إلي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال (ما بال عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي؟! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟! والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقى الله يحمله يوم القيامة على عنقه، بعيرُ له رُغاء، أو بقرةُ لها خُوار، أو شاةُ تَيْعَر). ثم رفع يده حتى رأينا بياض إبطيه يقول (اللهم بلغت) رواه البخاري ومسلم

إن الفساد المالي وإهمال الإتقان والجودة يؤديان إلى فساد أحوال المجتمع ومشاريع خدمة الناس وتعطيل مصالح العباد وظلمهم. وإذا فقدت الأمانة بين الناس ضاعت الحقوق، وانتشر الظلم. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة) رواه البخاري. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة.صححه الألباني.

ألا فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنكم مسؤولون عن أموالكم: في كسبها وفي إنفاقها، فأعدوا لما تُسألون عنه جواباً

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر العظيم

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد: قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء: 58

الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان، وأُمر بالقيام به، فأمر الله عباده بأدائها كاملة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله

وكل ذلك يدخل في الأمانة العامة وهي التكاليف الشرعية مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج لقول الله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) الأحزاب: 72

ألا فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن تحسين العمل وتصويبه وتجويده من صميم القيام بما يستأمن عليه الإنسان، ومن استعان بالله أعانه

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب:56

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اللهم تقبل من الصائمين صيامهم ومن القائمين قيامهم، وأصلح أحوال المسلمين وطهر مجتمعاتنا من الفساد، وقلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

1437-09-19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي