الدرس 267: باب سنن الفطرة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 29 ربيع الثاني 1437هـ | عدد الزيارات: 1633 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يجوز للصائم الاستياك في جميع نهار الصيام لعموم الأحاديث الواردة في السواك، ولما روى الترمذي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم) وقال الترمذي حديث حسن

ويجوز تنظيف الأسنان بالفرشة مع المعجون

ختان الطفل سنة، ولا يحرم تقديمه على اليوم السابع ولا يكره، ولا يحرم تأخيره عنه ولا يكره والأمر في ذلك واسع. مع مراعاة مصلحة الطفل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خمس من الفطرة الختان والاستحداد وقص الشارب وقلم الأظفار ونتف الآباط) متفق على صحته

والختان من سنن الفطرة، وهو للذكور والإناث، إلا أنه واجب في الذكور وسنة ومكرمة في حق النساء

وإذا شق عليه الختان بعدما أسلم لكبر سنه سقط عنه، فلا يكلف به خشية أن يكون ذلك مما يسبب عدم دخوله بالإسلام

ومن دخل في الإسلام بعد كبر سنه ولم يختن فالختان في حقه ليس بضروري ولكنه سنة عند جمهور العلماء فيسن ختانه إذا لم يخش من ختانه ضرر

تصح إمامة غير المختون

لا ينبغي ترك شعر العانة أكثر من أربعين يوما لورود السنة بالنهي عن تركه أكثر من أربعين يوما

فحلق العانة - الشعر النابت حول القبل - من سنن الفطرة، ولا أثر لتأخيره عن الأربعين على صحة الصلاة بل القول بذلك جهل بأحكام الشرع المطهر

لا حرج على المرأة في إزالة شعر عانة والدها ما دام أنه لا يستطيع إزالته بنفسه

وعن دليل حلقه ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة) رواه مسلم، وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)

فالسنة قص الشارب لا حلقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) متفق عليه

والصحيح أن الأمر للوجوب كما هو الأصل فيه وخاصة إذا أحتفت به قرائن فمن حلق لحيته فقد أساء وخالف مقتضى الفطرة باتفاق المسلمين وأثم بحلقه لها

فحلق اللحية حرام لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة والأخبار ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية رواه مسلم عن جابر ، وفي رواية كثيف اللحية، وفي أخرى كث اللحية والمعنى واحد، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع

وأما قص الشارب أو إحفاؤه فمن سنن الفطرة ولا يجوز للمسلم إطالته لقوله صلى الله عليه وسلم (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) ولعموم الأحاديث الآمرة بالقص

وأما ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها) فهو حديث باطل لا صحة له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في إسناده راويا متهما بالكذب

أما من استهزأ بها وشبهها بالعانة فهذا قد أتى منكرا عظيما يوجب ردته عن الإسلام؛ لأن السخرية بشيء مما يدل عليه كتاب الله أو سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تعتبر كفرا وردة عن الإسلام لقول الله عز وجل (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [ التوبة: 165-166]

والإصرار على حلقها من الكبائر، فيجب نصح حالقها والإنكار عليه. ويتأكد ذلك إذا كان في مركز قيادي ديني، وليس المراد بمخالفة المجوس وسائر المشركين مخالفتهم في كل شيء ولو كان صوابا جاريا على مقتضى الفطرة والأخلاق الفاضلة، بل المراد مخالفتهم فيما حادوا فيه عن الحق والصواب، وخرجوا به عن الفطرة السليمة والأخلاق الفاضلة، ومما انحرف فيه المجوس وسائر المشركين ونحوهم من الكافرين عن الحق وخرجوا فيه عن مقتضى الفطرة السليمة وخالفوا فيه سيما الأنبياء والمرسلين حلق اللحية، فوجب أن نخالفهم في ذلك بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب، اتباعا لهدي الأنبياء والمرسلين، وسيرا على مقتضى الفطرة السليمة في ذلك، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها

قلت: المراد بانتقاص الماء هو الاستنجاء، ومعنى البراجم هي العقد التي تكون على ظهور الأصابع

ولو قدر أن الكافرين أعفوا لحاهم لم يكن ذلك مبيحا للمسلمين أن يحلقوا لحاهم لما تقدم من أنه ليس المقصود مخالفتهم في كل شيء وإنما المقصود مخالفتهم فيما انحرفرا فيه عن الحق وخرجوا فيه عن الفطرة السليمة

شعر الخدين داخل في حكم اللحية فلا يجوز أخذه لا بحلق ولا بقص لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) وممن نص على دخول شعر الخدين في اللحية صاحب (القاموس) وصاحب (اللسان) فيحرم على المسلم أن يحلق لحيته للأدلة الصحيحة على تحريم حلقها، ويحرم على غيره أن يحلقها له لما في ذلك من التعاون على الإثم، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ

ويجوز تمشيط شعر الرجل وبسطه ودهنه وتعطيره، ولا يجوز للرجل فعل ذلك للنساء غير محارمك، فحلق اللحية حرام لا يجوز فعله لطاعة والد أو رئيس؛ لأن الطاعة في المعروف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

وحالق اللحية يعتبر فاسق وخاصة فيمن يصر على حلقها، لكن مواجهة من يحلقها بذلك قبل النصح والبيان ليس من سياسة الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر؛ لأنه ينفر من سماع البيان وقبول النصح، فعلى الداعية إلى الحق أن يترفق أولا في نصحه وإرشاده، وإذا أبى أن يقبل النصح وأصر على المعصية فلا مانع من وصفه بالفسق

إعفاء اللحية جاءت به شرائع الأنبياء السابقين كما جاءت به شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشريعته عامة للخلق، والعمل بها واجب عليهم إلى يوم القيامة، قال الله تعالى في موسى وأخيه هارون عليهما السلام وفي قومهما بني إسرائيل لما عبدوا العجل (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي*قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى* قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قَالَ يَاابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) سورة طه: 90-94

فكان إعفاء اللحية مشروعا في شريعة موسى وهارون عليهما السلام، وجاء عيسى عليه السلام مصدقا لما بين يديه من التوراة فكانت اللحية مشروعة في شريعة عيسى عليه السلام أيضا، وهم رسل بني إسرائيل (اليهود والنصارى)، فلما ترك اليهود والنصارى إعفاء لحاهم كانوا مسيئين كما كانوا مسيئين بترك التوحيد وشرائع أنبيائهم وبنقضهم ما أخذ عليهم من الميثاق أن يؤمنوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن عاد من اليهود والنصارى إلى ما اتفقت عليه شرائع الأنبياء كلهم من إعفاء اللحية لم نخالفه في ذلك؛ لأنه رجع إلى شيء من الحق، كما لا نخالفه إذا رجع إلى التوحيد وإلى الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل نؤيده في ذلك ونحمده منه، ونتعاون معه على البر والتقوى

فإعفاء اللحية واجب، وحلقها حرام. وليس حلق بعض العلماء لحاهم حجة على جواز حلقها

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/4/29 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي