الدرس 254: تفسير سورة المجادلة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 1757 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

معنى قول الله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يخبر الله جل شأنه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه لا يجد ممن آمن بالله واليوم الآخر وأخلصوا قلوبهم لله وأسلموا وجوههم له فأطاعوه فيما أمر واجتنبوا ما نهى عنه وزجر قوما يحبون من شاق الله ورسوله وعدلوا عما جاء به صلى الله عليه وسلم من عند الله من الهدى والنور مهما طال الزمن وقلبت فيهم البصر وأمعنت النظر فسوف لا تجد من المخلصين الصادقين في إيمانهم من يحب قلبه هؤلاء الكفار ولو كانوا من أقرب الناس إليهم نسبا من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم الأقربين وفي هذا ثناء جميل من الله سبحانه على أولئك الأخيار الذين صدقوا الله ورسوله واتبعوا ما جاءهم من الهدى والنور وفيه ترغيب لهم في الثبات على ذلك والازدياد منه وأمر للناس أن يسيروا سيرتهم وينهجوا نهجهم في الإخلاص وصدق الإيمان وتحذيرهم من صنيع المنافقين الذين تولوا قوما غضب الله عليهم من اليهود ويحلفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيمانا كاذبة ليرضوه ويقولون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) فتضمنت هذه الجملة الثناء على المؤمنين الصادقين بالبراءة من الكافرين والتحذير من حبهم ومودتهم والنهي عن ذلك

وأنهت اللجنة المبحث بقولها ومن ذلك يتبين ما يأتي

أولاً: أن من أحب الكفار ووادهم دينا فهو كافر كفرا يخرج من ملة الإسلام

ثانياً: من أبغضهم بقلبه وتبادل معهم المنافع من بيع وشراء وإجارة وكراء في حدود ما شرع الله فلا حرج

ثالثاً: من أبغضهم في الله ولكن عاشرهم وعاش بين أظهرهم لمصلحة دنيوية وآثر ذلك على الحياة مع المسلمين في ديارهم فهو آثم لما في ذلك من تكثير سوادهم والتعاون معهم دون المسلمين ولأنه عرض نفسه للفتن وحرمها من التعاون مع المسلمين على أداء شعائر الإسلام وحضور مشاهده والتناصح والتشاور مع المسلمين فيما يعود على الأمة الإسلامية بالقوة والنهوض إلى ما تسعد به في الدنيا والآخرة إلا إذا كان عالما يأمن على نفسه الفتنة ويرجو من إقامته بينهم أن ينفع الله به في الدعوة إلى الإسلام ونشره بينهم

س: هل القمر بين السموات أو تحت السماء الدنيا ؟
ج: يحتمل أن يكون القمر بين السموات وأن يكون تحت السماء الدنيا لعدم وجود دليل يعين أحد الاحتمالين وليس في قوله تعالى (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) دليل يعين كونه بينهن؛ لاحتمال أن يكون الجار والمجرور (فيهن) متعلقا بكلمة (نورا) والمعنى: وجعل القمر نورا فيهن فيكون نوره فيهن كما أنه في الأرض ولا يلزم من ذلك كونه بينهن وإذا لم يتعين كونه بينهن أمكن أن يصعد إليه بالمصاعد الحديثة

س: ما الدليل على جواز إخفاء البسملة ؟

ج: من قال من العلماء بإخفاء (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة الجهرية بنى ذلك على قوله بأنها ليست آية من كل سورة بل هي آية من القرآن مستقلة فصل بها بين السور وهي بعض آية من سورة النمل فقال: إن في الإسرار بها في الصلاة الجهرية تمييزا بينها وبين آيات السورة وأيضا في الإتيان بها في قراءة السورة في الصلاة مع الإسرار بها في الجهرية جمع بين الأدلة التي ظاهرها ترك القراءة بها في الصلاة والأحاديث التي دلت على الإتيان بها أمام السورة في الصلاة مثل حديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وحديث أنس رضي الله عنه قال( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين) رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه، ولمسلم (لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم) فحملت هذه الأحاديث على ترك الجهر بها دون تركها بالمرة؛ جمعا بين هذه الأحاديث والأحاديث الدالة على القراءة بــ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة وأما أننا نقرأ الفاتحة ست آيات فقط فغير صحيح باتفاق؛ فإن من اعتبر البسملة آية من كل سورة حتى الفاتحة عدها آية من الفاتحة وما بعدها ست آيات ومن لم يعتبرها آية من الفاتحة عد (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية وما بعدها إلى آخر الفاتحة آية فصارت سبع آيات بدون البسملة

س: ما تفسير قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) سورة الأعلى ؟

ج: قد فاز بجنة ربه ورضوانه من تطهر من الكفر وسائر المعاصي والأخلاق الخبيثة بالإيمان بالشريعة الإسلامية والعمل بالطاعات ويدخل في عموم ذلك أداء الزكاة وصلة الأرحام وما يتصل بهذا من الصدقات والإنفاق في وجوه البر والإحسان وذكر اسم ربه وولي نعمته سبحانه ذكر إجلال وإعظام ومراقبة له ومعرفة لحقه فحمله ذلك على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة في بيوت الله ويتبع هذه صلاة العيدين وسائر نوافل الصلوات ولم يخص الله بعضا مما ذكر دون بعض فعم ما تقدم وما في حكمه وإن كان بعض ذلك أولى بالأداء من بعض فوجب أن تعم في القول كما عم الله سبحانه وتعالى

س: ما تفسير قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [ النور آية 36 ]

ج: المراد بالبيوت في هذه الآية المساجد والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى (يُوقَدُ) أو بمحذوف وقع صفة لمصباح والمعنى: الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة صافية يوقد من زيت شجرة الزيتون في مساجد أمر الله أن يرفع بناؤها ويعظم قدرها وتكرم عن لهو الحديث ولغو الكلام ورفع الأصوات وكل ما لا يليق بها وأمر سبحانه أن يذكر فيها اسمه بالقلب واللسان بالأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة الصلوات وتلاوة القرآن على الوجه الذي ثبت عملياً عن النبي صلى الله عليه وسلم لا على ما يفعله كثير من أرباب الطرق ومريدوهم من الأذكار المبتدعة في ألفاظها أو في كيفية أدائها والذكر بها يسبح لله في هذه المساجد ويقدسه بالصلاة فيها ودراسة العلم بها وتلاوة القرآن وسائر الأذكار المشروعة بالغدو والآصال في الغداة والعشي أول النهار وآخره رجال قدروا الله حق قدره فلا تشغلهم مشاغل الدنيا من تجارة وبيع عن ذكر الله بقلوبهم وألسنتهم وأبدانهم لمراقبتهم الله ونظرهم في العواقب وخشيتهم من هول يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار وتذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ثم جزاءهم بأحسن ما عملوا وتوفيتهم أجرهم بغير حساب جزاء وفاقا بإخلاصهم لربهم وبيعهم أنفسهم على ولي نعمتهم الله ذو الفضل العظيم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/1/19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي