الدرس 185: باب ما جاء في الإقسام على الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 27 رجب 1435هـ | عدد الزيارات: 1953 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف: "باب ما جاء في الإقسام على الله"

أي باب ما جاء فيه الوعيد ؛ لأنه لما كان الإقسام على الله جرأةً عليه ونقصًا في التوحيد ذكره المؤلف هنا، لكن إن كان الإقسام على الله فيه مصلحة للعباد كأن يسقيهم المطر فلا بأس به؛ لأنه حسن ظن بالله لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنَّ مِن عِبَادِ اللَّهِ مَن لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " صحيح البخاري.

قول المصنف :" عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل من ذا الذي يتألَّى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك" رواه مسلم.

ورد الحديث في رواية مسلم بهذا اللفظ:"أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ "

قوله :"عن جندب " هو جُنْدَبُ بنُ عبد الله بن سُفيان البَجَلي العَلقي، يقال له: جندب الخيْر، وجندب الفاروق، وجندب بن أم جندب. يُكْنَى أَبا عبد الله، صحابي سكن الكوفة ثم انتقل إلى البصرة؛ قدمها مع مصعب بن الزبير. وله عدة أحاديث، وكان يقول: «كنا غلمانا حزاورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانًا.»، عاش إلى سنة 70هـ

قوله :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ رَجُلًا :" أي ممن كان قبلنا من الأمم.

قوله :"قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ،" هذا هو الحلف على الله أن لا يفعل الخير ، وهذا محرم.

قوله:"وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ،" (يَتَأَلَّى) أي يحلف ، والأليَّة بالتشديد : الحلف ، قال تعالى:"لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ " (البقرة 226)،

قوله :"فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ"الله جل وعلا يغفر الذنوب ، ويوفق العبد للتوبة ، ولو قبل الموت بلحظات، فمن يتوب الله عليه يدخله الجنة ، وقد يكون الإنسان كافرا ثم يمنُّ الله عليه بالإسلام، ويموت في لحظته ويدخل الجنة وقد يكون الإنسان على العمل الصالح والعبادة ثم يرتد عن الإسلام في آخر لحظة فيدخل النار والأعمال بالخواتيم. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله لى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ"صحيح البخاري.

قوله:"وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة : تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته".

أي أنَّ الذي حمله على هذا غيرته وعبادتُه التي يتعبدها أن قال هذا الكلام السيء.

قوله :" فيه مسائل" :

" الأولى : التحذير من التألي على الله "، لقوله صلى الله عليه وسلم :قال الله: " مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ".

"الثانية : كون النار أقرب لأحدنا من شراك نعله".لقوله صلى الله عليه وسلم "الجَنَّةُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِن شِراكِ نَعْلِهِ، والنَّارُ مِثْلُ ذلكَ." أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

"الثالثة : أن الجنة مثل ذلك،" لحديث ابن مسعود السابق.

"الرابعة : فيه شاهد لقوله:" إن الرجل ليتكلم بالكلمة... إلى آخره،" للحديث الذي ذكره الشيخ عدة روايات ، ففي صحيح البخاري :"إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ. " وفي صحيح الترغيب للألباني جاء برواية :"إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا"، وفي شرح السنة للبغوي جاء بلفظ:"إن الرجُلَ ليتكلّمُ بالكلمةِ من الخيرِ ما يعلمُ مبلغَها يكتبُ اللهُ له بها رضوانهُ إلى يومِ يلقاهُ ، وإن الرجلَ ليتكلّمُ بالكلمةِ من الشرّ ما يعلمُ مبلغَها يكتبُ الله بها عليهِ سخطُهُ إلى يومِ يلقاهُ "

"الخامسة : أن الرجل قد يغفر له بسبب هو من أكره الأمور إليه،" تؤخذ من قوله تعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "(البقرة 216)

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً .

1435/7/27 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر