شهادة الحق

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 22 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1988 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.آل عمران:102.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.الأحزاب:70-71.

أما بعد

إن الإيمان بالله واليوم الآخر مسؤولية عظمى وأمانة كبرى لا يؤدي الإنسان حق الله فيها بمجرد القول بالإيمان والادِّعاء بالإسلام فإن الاكتفاء بالكلام والادّعاء الفارغ لا يسمن ولا يغني من جوع، بل الحق أن المسلم إذا رضي بالله رباً وبالإسلام دينا فعليه أن يشعر بالمسؤولية التي تلزمه بمجرد أداء هذه الشهادة العظيمة وعليه أن يفكر في الجد والسعي لتحقيق هذه الشهادة في واقع الحياة، فإن تخلف وتخلى وأدركه الكسل والضعف ذاق وبال أمره وأصبح من الخاسرين في الدنيا والآخرة، وقد تسألون أيها الإخوة ما هي هذه المسؤولية التي تنذرنا عواقب تركها والغفلة عنها.

وللجواب على هذا يجب أن نعلم جميعاً أن تلك المسؤولية لا تقضى بالصلاة والصيام والزكاة والحج فحسب ولا بالتزام أحكام الإسلام في أحوال الإنسان الشخصية في النكاح والطلاق والميراث فحسب بل إن هناك مسؤولية أعظم إنها مسؤولية الشهادة على الناس بإبلاغ كلمة الحق إلى بني آدم كافة بماذا ؟ بأخلاقكم الصالحة وأعمالكم الزكية حتى تتم حجة الله على عباده ولا يمكنهم أن يجحدوا تبليغ الأنبياء ووصول كلمة الحق إلى مسامعهم

إن الله جعلنا أمة وسطا واصطفانا من بين أمم العالم لا لصلة ولا نسب بيننا وبين الله ولكن لنكون شهداء على عباد الله "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ "البقرة:143. إن الله قلد اليهود مقاليد الأمور قبلنا وكلفوا بهذه الشهادة ولكنهم كتموا تارة وشهدوا بالباطل تارة بل نتيجة لفسقهم وعنادهم أصبحوا بأعمالهم وتصرفاتهم شهداء بالباطل فماذا كانت النتيجة، إن النتيجة هي ما سلطه الله عليهم من الذلة والمسكنة وغضب الجبار رب العالمين

إذاً ما معنى أيها الإخوة أن نكون شهداء على الناس إن معنى ذلك أن نبين للعالم جميعه الحق الذي انكشفت لنا حقيقة أمره وأن نرشدهم إلى الطريق الوحيد الموصل إلى سعادتي الدنيا الآخرة.

فنحن مطالبون جميعاً أن نشهد لديننا العظيم شهادة تحقق صدقه وتكون له برهانا حتى تنقطع حجة الناس على الله

إن الأنبياء لم يبعثوا إلا لأداء هذه الشهادة "رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا "النساء:165. وقد قاموا بها خير قيام وأحسوا بثقلها في ميزان الله حتى إنهم بذلوا كل ما يستطيعون لتبليغ دين الله إلى كل من يستطيعون إبلاغه إليه حتى لا تقف هذه الجموع البشرية تحتج عليهم يوم القيامة بأنهم لم يبلغوا إليهم هذا الهُدى الذي يحملونه وسار على طريق الأنبياء والمرسلين أتباعهم من بعدهم بكل جد ونشاط

تصوروا أيها الإخوة كيف تقف أمم الأرض يوم القيامة تطالبكم عند ربكم وتحتج عليكم بأنكم كنتم تعرفون الحق وتدركون الهدى وبين يديكم هداية الله ومع ذلك بخلتم بها وتقاعستم عن أدائها إليهم، تصوروا ذلك الموقف المهيب ماذا أنتم قائلون ؟ كيف تعتذرون هل لكم من عذر ؟ هل عندكم من حجة ؟ هل أعددتم لهذا السؤال جواباً ؟

إن الله سيحاسبنا على تهاوننا بل وعلى شهادتنا بالباطل قبل سائر الناس

بل ويحاسبنا على أعمالنا وعلى تفريطنا في أولئك الذين عاشوا في ظلام الكفر بسبب إحجامنا وتقاعسنا

وقد يسأل سائل ويقول إننا نريد أن نؤدي هذه الشهادة لنسلم من ذلك فكيف نؤديها

والجواب على هذا من ناحيتين من ناحية أقوالنا ومن ناحية أعمالنا

أما من ناحية القول فيجب أن يُسَخِّرَ المسلمون ألسنتهم وأقلامَهم وكلَّ ما يستطيعون من وسائل التبليغ أن يُسَخِرُوا ذلك كلَّه في نشر هذا الدين وتبيين حقيقته.

إن العالم يئن من فساد في أخلاقه، ومن تمزق في علاقاته، ومن استبداد في سياسته، ومن فراغ في عقيدته وخواء في روحه وضياع في اقتصاده كل هذه بلايا يتوجع العالم ويريد المنهج الذي يسعده في هذه الحياة

فلتتجه ألسنة المسلمين وأقلامهم ووسائل تبليغهم إلى شرح الإسلام وتوضيحه وكشف بهائه أمام العالمين

قد تقولون أيها الإخوة إنه يوجد عندنا خطباء وبعض من الكتاب يشرحون الإسلام لكنني أقول إن المطلوب أن تشهد الأمة كلها بهذا الحق أن تتعاون كل أقلام المسلمين وكل صحف المسلمين وكل وسائل اعلام المسلمين أن تتعاون كلها لتوضيح الدين وكشفه أمام الناس

وإلا فماذا يقول الكفار من حولنا إذا رأوا من كتاب المسلمين من يدعو إلى الضلال أو يحبب الفسق أو ينشر الرذيلة أو يشجع على الإجرام ماذا يقول الكفار عنا إذا رأوا هذه هل يمكن أن يقولوا أن هؤلاء مقتنعين بإسلامهم أم يقولوا العكس ؟ أما الناحية العملية فالمقصود بها أيها الإخوة أن تكون حياتنا صورة صادقة لمبادئ هذا الدين إنه لا يكفي الناس أن يسمعوا كلامنا في مدح الإسلام والثناء عليه والإشارة بذلك بل إن الشيء الذي يأخذ بمجامع القلوب أن يشأهدوا بعيونهم هذه التعاليم التي نلهج بذكرها متجلية في أعمالنا متمثلة في حياتنا اليومية.

إن الناس يحبون ديننا إذا أحسُّوا من معاملتنا ذلك الخلق الرفيع وتلك الأمانة الزكية إذ أحسُّوا في مجتمعنا بالعدل والإنصاف، إذا أحسوا في ثقافتنا بالطهر والعفاف وسمو الهدف والمقصد إذا رأوا في حياتنا المادية ذلك التقدم والأخذ بكشوف العلم ونتاج العقول السليمة يجب أن يعلم أيها الإخوة أنه ليس المقصود هو أفراد المسلمين وحدهم لا بل أنه كما يجب أن يكون أفراد المسلمين صورة صادقة لإسلامهم فكذلك يجب أن تكون حكومات المسلمين صورة صادقة للإسلام أيضاً يجب أن يلمس الكفار من حولنا أننا نقوم على السياسة العادلة المستقاة من أصول ديننا، يجب أن يلمس الكفار في مسؤلينا وكبرائنا ذلك الالتزام بالإسلام بل والتفاني في خدمته وتبليغه للناس، يجب أن يروا في دولنا ذلك الالتزام بتعاليم الإسلام سواء في السلم أو الحرب، إن عائشة رضي الله عنها لما أريد منها أن تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تجد وصفاً أحسن ولا أصدق من قولها "كان خلقه القرآن"صححه الألباني والأرناؤوط. أي إذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رأيت فيه كل ما أمر به القرآن ورأيته مبتعداً عن كل ما نهى عنه القرآن وكذلك كان أصحابه رضي الله عنهم كانوا صورة حية وصادقة بتعاليم القرآن، فإذا أراد شخصٌ ما أن يعرف حكمَ الإسلام في البيع والشراء فما عليه إلا أن ينزل إلى سوق المسلمين فيرى تصرفاتهم لأنهم كانوا ملتزمين بأحكام البيع والشراء التي جاء بها دينهم

أتدرون أيها الإخوة بما انتشر وكيف دخل القلوب ؟ إنه لم يدخل القلوب بالسيوف والرماح وإن كانت البلاد فتحت بالسيوف والرماح لكن لم يكن المسلمون يُكْرِهُونَ أحداً على اعتناق الإسلام إذاً بماذا دخل الناس الإسلام ؟ إنهم دخلوا من خلال أخلاق المسلمين وتصرفاتهم

اسألوا أهل أفريقيا وأندونيسيا عن قصتهم مع الإسلام، هل أتاهم فاتحون؟ هل أتتهم جيوش إسلامية ؟ لا والله إنما الذي نشر الإسلام هناك هم التجار المسلمون نشروه بأخلاقهم ومعاملتهم وسلوكهم الملتزم بالإسلام هكذا حينما يكون المسلم صورة حية لإسلامه يفعل ما لا تفعله الجيوش الكبيرة حين نصل أيها الإخوة إلى مرحلة كون أعمالنا صورة صادقة للإسلام حين يكون الإنسان ملتزماً بالإسلام في أكله وشربه وقيامه وقعوده وبيعه وشراءه وحبه وبغضه وسفره وإقامته وسلمه وحربه حين نكون على هذا المستوى نكون قد أدينا أمانة الله في أعناقنا حينذاك يحق لنا أن نقول عند رب العالمين إننا قد بلغنا أهل الأرض ما بلغته لنا ولم نقصر في ذلك ولم ندخر جهداً فهديت من هديت فصاروا لنا إخوة وبقي على الضلال آخرون ونحن منهم بريئون

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإسلام والإيمان نحمده حق حمده ونصلي ونسلم على من لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم

أما بعد

فالناظر في أحوالنا المتأمل في واقعنا يجزم جزماً قاطعاً بأننا لم نقم بالشهادة القولية ولم نقم بالشهادة الفعلية، التفتوا إلى أقوال المسلمين وإلى كتاباتهم وإلى وسائل تبليغهم ماذا تشاهدون وماذا تسمعون هل ترونها استغلت في تثبيت الإيمان وتعميق الأخلاق هل استغلت في نشر الإسلام وبيان محاسنه

إنني لا أنكر الأقلام المخلصة والألسنة الصادقة في الأمة ولكنني أقول أنها غيض من فيض وقطرة من بحر في اتجاه الأمة أجمع

أما تصرفات المسلمين وسلوكهم في حياتهم فحدث ولا حرج والعياذ بالله

إن المشكلة أيها الإخوة أن أعداءنا لا يفرقون بين ديننا العظيم وبين تصرفاتنا المشوهة بأهواء النفوس ورغباتها

فهم يحكمون على الإسلام من خلال تصرفاتنا نحن فنصبح نحن والعياذ بالله عائقاً أمام من يريد أن يسلم

إن بلاد الغرب اليوم تمتلئ بمئات الشباب المبتعثين من كافة أقطار العالم الإسلامي فلو كانوا صورة صادقة للإسلام لأسلم على يديهم الملايين كما أسلم على يد التجار المسلمين في أندونيسيا الملايين الكثيرة.

إننا إذا تقاعسنا عن الواجب وعكسنا الأمر وقبلنا الموقف وأصبحنا كهؤلاء الذين حرموا أنفسهم ثمرات هذا الدين المبين وبركاته المتواصلة وفوق ذلك صرفوا العالم عن ورود مائه العذب. إذا فعلنا هذا الفعل وأبينا إلا السير على هذا الطريق فقد خسرنا الدنيا والآخرة أعاذنا الله من ذلك ووقانا شره، وهذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا، وها أنتم تشاهدون أيها الإخوة ما حل وما يزال يحل بنا نحن المسلمين من الذل والهوان ومن يدري فربما يكون المستقبل إن استمررنا على ما نحن عليه أتعس وأشقى وما عند الله أشد وأنكى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ".الأنفال:20.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمرتم بذلك واذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

1435-3-22 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي